شيعت، أمس، بمقبرة سيدي يحي بالعاصمة، جنازة المدرب واللاعب السابق، إسماعيل خباطو، والذي وافته المنية أمس الأول، عن عمر يناهز 94 سنة، حيث عرفت جنازة الفقيد حضور العديد من الشخصيات الرياضية، وبعض الأسماء التي عايشت الأسطورة الكروية. إسماعيل خباطو يعتبر عميد المدربين الجزائرين، وأول مدرب للمنتخب الوطني بعد الاستقلال، حيث أسند له تدريب التشكيلة الوطنية بالنظر إلى حنكته التدريبية، وخبرته الكبيرة في الميادين، حيث يعد من بين أحسن المدربين الذين أنجبتهم الجزائر، وقد رفض العمل خارج الوطن، رغوم تهاطل العروض عليه. ويعد خباطو سابع أحسن مدرب في العالم في وقتها، وأسطورة تدريبية شهد لها العالم أجمع، لكنه اكتفى بالتدريب بالجزائر، حيث أشرف على أندية مولودية الجزائر، اتحاد البليدة، أولمبي العناصر ووداد بوفاريك، فضلا عن تدريب المنتخب الوطني الأول. 1920: ميلاد البطل بتيڤزيرت بتيزي وزو ولد إسماعيل خباطو سنة 1920م، بمدينة تيڤزيرت بتيزي وزو، وتربى منذ صغره على الكرة المستديرة التي عشقها من سنواتها الأولى، حيث لعبها في الشارع كغيره من العديد من الأطفال الجزائريين، وبرز من الصغر أن إسماعيل يتمتع بموهبة كروية لا توجد عند غيره. ورغم أن اسم خباطو تقارن كثيرا بتألقه كمدرب فيما بعد، إلا أن الكثيرين لا يدركون أن خباطو تألق بصورة كبيرة كلاعب، وكان من أفضل اللاعبين في وقتها، ولعب لأندية كبيرة، وبرز اسمه منذ أن كان شابا. 1935: البداية الكروية مع بلكور ولما بلغ إسماعيل خباطو، سن 15 سنة، انضم إلى نادي ملعب بلكور، أو ما يسمى شباب بلوزداد حاليا، وسرعان ما نجح في خطف الأضواء من الجميع هناك، رغم صغر سنه، إلا أن الطاقم الفني لنادي بلكور رفض التفريط في الموهبة الصاعدة، وضمه للفريق الأول وسنه لم يصل 18 سنة. وفي عام 1938م، حقق إسماعيل خباطو أول لقب له كلاعب، بعد أن توج ببطولة رابطة الجزائر رفقة نادي بلكور، وسنه 18 سنة آنذاك، وهو اللقب الذي شجع الفتى الشاب على شق طريقه نحو النجومية بثبات كبير، رغم الصعوبات الكبيرة التي تلقاها، خاصة بالنظر إلى ضغوط المعيشة، وتفضيل الكثيرين الابتعاد عن كرة القدم. خباطو أصبح عنصرا أساسيا في نادي بلكور، ولاعبا لا غنى عنه حيث شارك باستمرار ضمن التشكيلة الأساسية لبلكور، رغم وجود العديد من العناصر اللامعة، حيث أن نادي بلكور كان يعد وقتها أفضل الأندية الجزائرية، ويضم في صفوفه أفضل الأسماء في الوطن، غير أن خباطو أثبت مكانته بين الجميع. 1938: اللعب لنادي القلب مولودية الجزائر في موسم 1938/1984 فضل إسماعيل خباطو خوض تجربة جديدة، حيث انتقل إلى نادي مولودية الجزائر، صاحب القاعدة الجماهيرية الجارفة، ونجح خباطو في التأقلم مع ناديه منذ الموسم الأول له، حيث لعب مع التشكيل الأساسي للعميد، وساهم في تألق الفريق في ذاك الموسم. وفي مولودية الجزائر، نجح خباطو في إثراء سجله من الألقاب، حيث حقق أربعة تتويجات تاريخية مع العميد، وتوج بلقبين لكأس الجمهورية، ولقبين للبطولة الوطنية، وكان النجم الأبرز في فريقه. وبعد مشوار أكثر من ناجح مع مولودية الجزائر، فضل خباطو التحول إلى نادي اتحاد البليدة، حيث نجح في كسب قلوب أنصار مدينة الورود بسرعة كبيرة، قبل أن يتوقف عن لعب الكرة في سنة 1951 من أجل التحول إلى مهنة التدريب. كان الموعد سنة 1948 من أجل انطلاق أسطورة تدريبية لن تنساها الجزائر، عالم التدريب، لكنه بدأ العمل في مولودية الجزائر، وهو لا يزال لاعبا، وشغل منصب المدرب، قبل أن يستقر في منصب المدرب الرئيسي، ويبدأ في حصد الألقاب كمدرب. 1948: خباطو سابع أفضل مدرب في العالم في 1948 انتقل إسماعيل خباطو إلى مدينة غامس الفرنسية، وشارك في تربص كبير رفقة كبار المدربين في العالم، يتقدمهم الأسطورة هيلينو هيريرا، الأب الروحي للكاتيناشيو الإيطالي، وأسطورة نادي الإنتر الإيطالي الخالدة، حيث احتل خباطو التصنيف السابع من بين 153 مدرب عالمي شاركوا في التربص. إسماعيل خباطو كان الزميل المقرب للمدرب الإيطالي هيلينو هيريرا، حيث شاركه في كل شيء، وتبادلا الخبرات معا، وكان مدرب الإنتر يحب كثيرا خباطو، ولم يكن هناك فرق في المستوى بين الرجلين. 1951: العودة للعمل في المولودية كمدرب عام 1951، أشرف خباطو على تدريب مولودية الجزائر، النادي الذي أحبه، وتعلق به، وحظي هناك بحب الجماهير التي وقفت معه طوال مسيرته التدريبية مع المولودية، والتي انتهت سنة 1956، بعد قرار توقيف نشاط كرة القدم من طرف الأندية المسلمة في الوطن، للانضمام إلى حركة الكفاح لتحرير الوطن. 1962: خباطو أول مدرب للخضر بعد سنوات من الكفاح ضد المستعمر، تحصلت الجزائر على استقلالها الرسمي في الخامس من جويلية من سنة 1962، ليتم بعدها مباشرة إنشاء أول منتخب وطني للجزائر المستقلة، ولم يكن هناك خيار أفضل من اسم المدرب إسماعيل خباطو من أجل تدريب الخضر. خباطو أدرك أن مهمته مع التشكيلة الوطنية، هي مهمة وطنية وأخلاقية أكثر منها مهمة فنية تعتمد على تحقيق النتائج، حيث سعى من أجل غرس القيم في اللاعبين، والاعتماد على الروح الوطنية العالية آنذاك. قصة خباطو مع التدريب استمرت فيما بعد، حيث أشرف في السبيعانت على تدريب عدد من الأندية الوطنية، وهي الاتحاد البليدي الذي مثله كلاعب سابقا، كما درب أولمبي العناصر وعاد بعدها إلى فريقه المحبوب مولودية الجزائر، حيث أنهى مشواره التدريبي الحافل. 2010: خباطو يفقد زوجته ويلتحق بها بعد أربع سنوات في شهر ديسمبر من سنة 2010، توفيت صفية، زوجة الراحل إسماعيل خباطو، وهو الأمر الذي أثر كثيرا على عمي إسماعيل، ما دام أن زوجه كانت السند الرئيسي له، خاصة مع تقدمه في السن، وحاجته إلى معين على مدار الوقت، رغم وجود العديد من الأصدقاء والمقربين، وكان سعيد عمارة، لاعب فريق جبهة التحرير الوطني، أقرب صديق لعمي خباطو، وصديقه الدائم. وتابع بعدها خباطو حياته دون دعم زوجته، وظل يعيش بتفاؤل كبير رغم بلوغه سنا متقدمة من العمر، وقد أحبه كل من عرفه، وكان يمثل أبا لكل جيرانه ومعارفه بحي اليانبيع بالعناصر بالجزائر العاصمة، حيث كان يقطن، قبل أن يرحل أمس الأول عن الحياة. وقد راجت في تلك الفترة إشاعات تحدثت عن وفاة عمي إسماعيل خباطو، وهي الإشاعات التي وصلت حتى موقع الاتحادية الوطنية لكرة القدم، قبل أن تتبين أنها كاذبة ولا أساس لها من الصحة. المدرب الداهية والأب الروحي للكرة الوطنية التميز الذي أخذه إساعيل خباطو ليس راجعا إلى أسبقيته في الميدان كما يرى البعض، بل أن الراحل كان مدربا ذا فكر عال، وفيلسوفا كرويا قل أن يجود الزمان به، بشهادات العديد من اللاعبين الذين دربهم. الأب الروحي للكرة الجزائرية بعد الاتسقلال تدرب على يده أغلب المدربين الذين صنعوا اسما بارزا فيما بعد، كما أخذ بنصائحه خيرة اللاعبين الذين حملوا ألوان الأندية والمنتخبات الوطنية. ومن بين الحوادث التي تعكس الذكاء الكبير لخباطو كمدرب، هو الحيلة التي لجأ إليها لما واجه منتخب الهند بتشكيلة مولودية الجزائر، حيث كان منتخب الهند المشهور بدفاعه آنذاك خصما صعبا على المولودية، ولم ينجح لاعبو العميد في اختراق دفاع الهند طيلة 45 دقيقة، في لقاء جرى بملعب الزيوي بالعاصمة. وأمام التكتل الدفاعي الكبير للهنود، واعتمادهم على عدد كبير من العناصر في الخط الخلفي، طلب خباطو من لاعبيه اللعب ببطء، وإظهار التراخي من أجل إيهام المنافس بأن مولودية الجزائر أرهقت، وطلب من لاعبيه تمثيل الإرهاق، حيث أدرك خباطو بتجربته وذكائه أن مدرب الهند كان ينتظر إرهاق المولودية للخروج والتسجيل عليها، وهو ما حدث بالفعل، حيث ادعى لاعبو المولودية التعب، ليغادر لاعبو الهند خطوطهم الخلفية، الأمر الذي استغلته عناصر المولودية لخطف هدف الفوز. إنسان فيلسوف وحكيم بدرجة امتياز بعد رحيله عن سن 94 سنة، فإن خباطو عاش ما يقارب القرن كإنسان عرفه مقربوه بأنه فيلسوف وحكيم من الدرجة الأولى، حيث كان حريصا على الحفاظ على صحته، وذكيا في مواجهة صعاب الحياة. وسافر خباطو إلى اليابان، وتعلم هناك اليوغا، وعاد من أجل تعليم لاعبيه هذا الفن الحياتي والرياضي، وقد قام خباطو بالمزج بين التدريبات الرياضية الخاصة بكرة القدم ورياضة اليوغا. ج. ابراهيم
حميد زوبا: ”خباطو كان مدرسة كروية والفاف لم تستفد منه” اعتبر اللاعب السابق للفريق جبهة التحرير الوطني، حميد زوبا، أن خباطو يعتبر من أعظم الأسماء الرياضية التي أنجبتها الجزائر، وقد ترك بصمة لا تمحى في الكرة الجزائرية، من خلال تدريبه لنشء كامل على الأسس المتينة لكرة القدم. زوبا أوضح أن خباطو يعتبر بالفعل مدرسة كروية كان لا بد من التعامل معها بنحو أفضل، وصرح زوبا قائلا: ”خباطو مدرسة كروية بامتياز، وكان لا بد من التعامل معها بطريقة أفضل، الفاف لم تستفد من خبرته الكبيرة، حيث كان الراحل يتمنى لو أنه شارك في اتخاذ القرارات الخاصة بتطوير الكرة الوطنية في الفترة الأخيرة”.