وجه الملك البروسي فريدريك التوبيخ لأولئك الذين رفضوا السماح بتقديم تنازلات، قائلا: ”إذا حاولتم الاحتفاظ بكل شيء، فلن تحافظوا على شيء”. يتخذ الرئيس أوباما المنحى ذاته حيال هجوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على ”الصفقة السيئة” المزعومة، التي تفكر الولاياتالمتحدة في إبرامها مع إيران، حيث يرفض نتنياهو أي تنازلات تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم، كما يعتقد أن هدف الولاياتالمتحدة ”الانقطاع” لمدة عام واحد، قبل تمكن إيران من صناعة القنبلة النووية، وهي ليست فترة كافية بحال. وجاءت ردود مختلف مسؤولي الإدارة الأميركية على النحو التالي: ”حسنا، ما أفضل فكرة عملية للتعامل مع والسيطرة على برنامج إيران النووي؟”، حيث يرون في أهداف نتنياهو المتطرفة مساحة من عدم الواقعية. وهم يقرون بأن حلولهم ليست دائما مثالية. ولكنهم يقولون إنها أفضل بكثير لإسرائيل وللغرب من أي سيناريو آخر. تصل محادثات إيران النووية إلى ذروتها في رأس الشهر المقبل. وسوف يذهب نتنياهو بتلك القضية المناوئة للاتفاق المزمع إلى الكونغرس بعد غد الثلاثاء في خطاب غير اعتيادي جرى ترتيبه بواسطة رئيس مجلس النواب من الحزب الجمهوري. كما تتعرض قيادته السياسية الخاصة لاختبار خلال الانتخابات الإسرائيلية في 17 مارس. وتصل المفاوضات النووية الإيرانية لموعدها النهائي بحلول 24 مارس حيال إطار الاتفاق النهائي الشامل. تحدث يوفال شتاينتز وزير الاستخبارات الإسرائيلي، عن القضية ضد الاتفاق الإيراني في مقابلة أجريت معه، الأسبوع الماضي، حيث قال: ”منذ البداية، أوضحنا موقفنا حيال التحفظات حول الهدف من المفاوضات”، وقال إن جهود الرئيس أوباما للحد من البرنامج النووي الإيراني عبر عقد من الزمان أو يزيد، على أمل أن جيل المستقبل من القادة لن يسعى لامتلاك القنبلة النووية، كانت جهودا غير واقعية. وجاءت استجابة الإدارة الأميركية تفيد بأن الاتفاق يعد أفضل من أي بديل واقعي آخر. ويدفع مسؤولو الإدارة بأن الاتفاق من شأنه حصر البرنامج النووي الإيراني في مربع واحد، مع قيود على جميع المسارات الموصلة إلى تصنيع القنبلة. ربما أنه سوف يوفر قدرا من الرقابة الصارمة، والسماح بإجراءات التفتيش المزعجة على المنشآت النووية الإيرانية، وليس على أجهزة الطرد المركزي فحسب، ولكن على مناجم، ومصانع، ومرافق تصنيع اليورانيوم كذلك. وإذا ما تلمست إيران سبيلا خفية لتصنيع القنبلة، فإن الاتفاق المذكور يوفر أفضل التوقعات في اكتشاف ذلك الأمر. إذا ما انهارت المحادثات الحالية، فإن جميع تلك الضمانات سوف تتلاشى. وقد يعود الإيرانيون إلى جهود التخصيب وغير ذلك من الأنشطة المحظورة حاليا. في مثل ذلك الموقف، سوف تواجه الولاياتالمتحدة وإسرائيل خيارا قاسيا حول توجيه عمل عسكري ضد المنشآت النووية الإيرانية من عدمه، من دون أي ضمانات. والاتفاق الذي يتبلور حاليا من شأنه السماح لإيران بالحصول على 6000 جهاز طرد مركزي من طراز ”IR - 1” في مفاعل نتنز. ويبدو أن الإيرانيين سوف يعملون على تركيب أجهزة الطرد المركزي من طراز ”IR - 2”، التي تعمل أسرع من الأولى بمقدار الضعف، وسوف يوقفون الأبحاث على الموديلات المستقبلية، حتى الطراز ”IR - 8”، الذي لا يزال قيد التصميم حاليا. ومن المتغيرات الأخرى بالغة الأهمية حجم المخزون الذي يمكن لإيران الاحتفاظ به، حيث يريد المسؤولون بالإدارة الأميركية أن يكون الرقم عند حده الأدنى، مع شحن باقي المواد الإضافية المخصبة إلى خارج إيران. يقول أحد المسؤولين إن الولاياتالمتحدة قد توافق على توفير 9000 جهاز طرد مركزي من طراز ”IR - 1” إلى جانب مخزون صغير من اليورانيوم المخصب بدلا من وجود أجهزة الطرد المركزي من طراز ”IR - 2” مع مخزون كبير. من المتوقع ألا يعرج نتنياهو على تلك المسألة خلال خطابه أمام الكونغرس، حيث إنه يصر على عدد مقبول فقط من أجهزة الطرد المركزية لا يتجاوز ”الصفر”. وهناك مجموعة من الخيارات، ومنها مجرد فصل المعدات اللازمة لتدميرها بالكامل. وتسعى الولاياتالمتحدة وراء صيغة تستغرق عاما كاملا على أدنى تقدير من الإيرانيين لإعادة تشغيل المعدات المثبتة. أما بالنسبة للمفاعل النووي الإيراني المخطط استكماله في أراك، فيبدو أن المفاوضات قد خلصت إلى تسوية من شأنها إيقاف أعمال التشييد قبل أن يتحول مفاعل أراك إلى وقود ”ساخن” لقنبلة نووية إيرانية محتملة. إن طول الاتفاق يعد من المتغيرات الحاسمة، حيث تحدث المسؤولون الأميركيون دائما عن فترة زمنية مزدوجة، تتراوح بين 10 و15 سنة. النقطة الفاصلة في الاتفاق بالنسبة للإدارة الأميركية تكمن في إصرار الولاياتالمتحدة على رفع العقوبات المفروضة على إيران ”تدريجيا”، وذلك حيال جدية إيران في الالتزام بشروط وأحكام الاتفاقية. ومن الزاوية الأميركية، يتعين على إيران اكتساب سبيل عودتها إلى القبول العالمي مجددا. تعد الصفقة الإيرانية منقوصة، كما لاحظ الكونت مترنيش في عام 1807 حيال المفاوضات مع القوى الصاعدة في عصره: ”لا وجود للسلام مع النظام الثوري”. لكن، يقدم المسؤولون الأميركيون حجة مقنعة تفيد بأن ذلك الاتفاق ما هو إلا بداية في اتجاه شرق أوسط أكثر أمانا.