وثقت البروفسور بوذراع زهرة حرم عبد الرزاق، المختصة في قسم الطب الشرعي بمستشفى قسنطينة الجامعي، عدد الحالات التي تستقبلها مصلحة الطب الشرعي ب300 حالة سنويا بمعدل 4 حالات يوميا. البروفسور بوذراع، الطبيبة المختصة، كان لنا معها لقاء شيق عن بداياتها كطبيبة وظروف عملها والصعوبات التي تواجهها في قسم الطب الشرعي، فقالت: ”زاولت دراستي بمدينة سطيف وكنت من الطالبات المتفوقات، ما مكنني من دخول كلية الطب، وبعد اجتيازي لمسابقة الإختصاص فضلت هذا المجال بالرغم من أنه عرض علي اختصاص آخر إلا أنني أصررت على أن أكون طبيبة شرعية”. وعن مسيرتها المهنية، أوضحت البروفسور بوذراع أن بدايتها مع الطب الشرعي كانت سنة 1987بمستشفى قسنطينة الجامعي، فبعد تخرجها من الجامعة وحصولها على الإجازة في هذا المجال الصعب كونه يتطلب مجهودا أكبر وعزيمة أقوى وتفرغا تاما، إضافة إلى نفس صبورة، ولجت هذا العالم الغامض والمخيف بالنسبة للبعض عن قناعة وإصرار رغم أنه كان حكرا على المكون الرجالي، شأنه شأن العديد من المهن والوظائف، حيث لم يثنها هذا عن السعي للنجاح والبروز فيه خدمة للمجتمع الذي تنتمي إليه. وقبل ذلك عملت محدثتنا بالمؤسسة العقابية لمدينة قسنطينة، أين كانت تشرف على معالجة المحبوسين. ”أترك أنوتثي خارج غرفة التشريح” وردا عن سؤال حول صعوبة التأقلم مع وظيفتها كونها امرأة، قالت: ”أنا أترك أنوثتي خارج غرفة التشريح، وعندما أدخلها أتفرغ للجانب العلمي بالرغم من أن بعض مشاهد الجثث خصوصا الأطفال صغار السن يثير في النفس بعض الألم، فأنا أم وأشعر بمرارة كبيرة تجاه أولياء الضحايا. زد على ذلك الطب الشرعي ليس مجاله الأموات فقط كما يعتقد غالبية الناس، بل لديه مجالات أخرى تهتم بعالم الأحياء، فهو يتعامل مع حالات الاغتصاب والاعتداءات الجنسية للأطفال أو للفتيات، وكثيرا مانجد عوائق كبيرة في معالجة قضايا الإغتصاب، خصوصا إذا كان متبوعا بحمل كون المشرع يحرم الإجهاض. أضف إلى ذلك قضية زنا المحارم، حيث نقوم بإجراء التحاليل والإختبارات لمعرفة المتهم والتأكد منه والتدخل طبيا لمنع حدوث حالات حمل، وذلك بمنح حبوب منع الحمل للضحايا خوفا عليهم من الفضيحة وحفظا لهم من قسوة المجتمع..”. وأوردت البروفيسور بوذراع زهرة دور الطب الشرعي في معالجة الجريمة والكشف عن خباياها، وذلك من خلال إجراء تحاليل الكشف عن الإدمان والمادة المدمن عليها والتكفل بمعالجتهم أوتوجيههم لمراكز مختصة في معالجة الإدمان. واستطردت: ”لدينا دور آخر في مجال زراعة الأعضاء، خصوصا زراعة الكلى، إذ تقوم المصلحة بتكوين ملف للمريض وإخضاعه للتحاليل، وأذكر أنه في سنة 2002 كان لنا الإشراف على أول عملية زرع للكلى من جثة لشخص من شلغوم العيد بميلة، وقد تم نقل العينة لمستشفى ستراسبورغ من طرف البروفسور بن حركات شخصيا، إذ كنا نفتقر لوجود مركز لإجراء التحاليل”. قصص مرعبة لضحايا الوحشية الجنسية وأردفت البروفسور قائلة:”ذاكرتي لاتزال تحتفظ ببعض الحالات القاسية أين يتحول الإنسان إلى وحش آدمي يأكل لحم أقرب الناس إليه، فصورة طفلة ذات 16عاما لاتزال ماثلة أمامي رغم مرور العديد من السنوات عليها، إذ تعرضت للاغتصاب على يد عمها وحملت منه، وعندما اكتشف أمره قام الجاني بالانتحار شنقا داخل إسطبله. أما الضحية فبعد وضعها لمولودها أقدمت على قتل نفسها بعد أن رشت جسدها بالبنزين وأضرمت النار فيه لتموت حرقا.. وكانت عملية التشريح مضنية ومبكية. حادثة أخرى - قالت المختصة في الطب الشرعي - لم يكن بمقدور ذاكرتي أن تمحيها، وهي قصة فتاة قاصر تبلغ من العمر 14 سنة تناوب بعض الشبان المنحرفين على اغتصابها بحي القصبة العتيق بقسنطينة، فحملت دون أن تفقد عذريتها وبعد معاينتها داخل مصلحة الطب الشرعي كان لزاما علينا إنقاذها، فعرضنا مشكلتها على مصلحة التوليد لإجراء عملية قيصرية، غير أن الطلب رفض لانعدام سبب طبي، وأن الحالة اجتماعية ولا يمكن التعامل طبيا معها، وهو ما أدخل الفتاة وعائلتها في دوامة. أصعب فترات التشريح كانت خلال العشرية الحمراء وقد أكدت البروفسور أن هذه الحوادث على قساوتها وبشاعتها لا يمكنها أن تصل إلى مستوى قساوة الأحداث الدامية التي عاشها الوطن خلال العشرية الحمراء سنوات الإرهاب، إذ كانت مناظر الجثث المشوهة تدمي القلوب..”وعلى الرغم من ذلك لم نتخل عن أداء واجبنا وكنا نقوم بتشريح الجثث تباعا في اليوم الواحد، تلك مناظر مروعة وكنت أتعامل معها كامرأة حديدية كما كنت أوصف آنذاك”. وأضافت البروفسور:”لا أخفيك سرا أننا نتعرض في كثير من الأحيان لمضايقات عديدة تصل في بعضها حد الإعتداء من قبل بعض أهالي الضحايا، إلا أننا نعذرهم بحكم تفهمنا لظروفهم القاسية وحجم مصابهم الكبير، فنحن برغم من برودة قاعات التشريح التي ألفنا العمل بها إلا أننا مازلنا نحمل بين أفئدتنا مشاعر النفس البشرية الرحيمة والنبيلة”. وطرحت البروفيسور بوذراع، في ختام اللقاء الذي جمعنا بها في مقر عملها، متاعب زادت من معاناة العاملين في مصلحة الطب الشرعي، أساسها الضغط الكبير الذي تعاني منه المصلحة، متسائلة في سياق حديثها عن سبب قدوم مرضى وأشخاص من ولايات مجاورة كأم البواقي وباتنة وميلة وسكيكدة رغم توفر مستشفياتها على مصالح للطب الشرعي..