هل كان لقاء كامب ديفيد الأخير ضروريًا لطمأنة الدول الخليجية العربية على أن احتمال توقيع الاتفاق النووي مع إيران، الشهر القادم، لن يكون ”على حسابها”؟! وأن التزام واشنطن ”بحماية منطقة الخليج من أي عدوان خارجي” ما زال قائمًا، وهل تكتفي الدول العربية الخليجية بهذا الإخراج الأميركي الجديد لاستمرارية التزاماتها بالدفاع عنها وعن هذه المنطقة الاستراتيجية العسكرية والاقتصادية من العالم؟ أم أنها ستعتمد أكثر فأكثر على نفسها وعلى تحالفات أخرى لدرء ما تعتبره خطرًا أو تحديًا جديًا لها في استقرارها وأمنها وكياناتها، ونعني المشروع الإمبريالي الإيراني؟ ”عاصفة الحزم” كانت أبلغ جواب على هذه التساؤلات. غير أن الحزم في اليمن يفتح جبهة جديدة من القتال والمجابهة بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، تضاف إلى الجبهات الأخرى في سوريا وليبيا والعراق وتبدد، نوعًا ما، الجهود اللازمة لإفشال اللعبة الإيرانية الخبيثة في المنطقة. إن الرئة الشرقية من العالم العربي تعيش اليوم ثلاثة تحديات؛ التحدي الإسرائيلي الدائم، وتحدي الجماعات المتطرفة وتمددها في سورياوالعراق، والثالث، وهو المخطط الثوري الإيراني الذي جدد نزاعًا على الخلافة نشب منذ أربعة عشر قرنًا كوسيلة أو حجة، لزعزعة الاستقرار في الدول العربية وبسط هيمنة إيران على الشرق الأوسط. ومما يزيد هذه النزاعات والتحديات والحروب الداخلية تعقيدًا وخطورة كونها فريدة من نوعها في التاريخ، ونعني ازدواجية المصالح والتحالفات فيها. ففي مكان ما نرى تعاونًا أو تحالفًا بين دول متخاصمة بل أو متحاربة في مكان آخر. بالإضافة إلى ما يمكن تسميته ب”أنصاف الخطوات” العسكرية، كقصف مواقع ”داعش” في العراق من قبل الدول الغربية وترددها في التدخل العسكري المباشر ”على الأرض” الذي وحده يحسم المعارك، ناهيك بغياب الإجماع العربي على رؤية مشتركة واحدة للمستقبل القريب أو المصير البعيد. فهناك تجاذبات سياسية بل ومصيرية بين التيار الإسلام السياسي والمصلحة القومية العربية والقائلين بالديمقراطية. وهي تجاذبات تؤثر على دور مصر العربي كما تربك الحكومة التركية وتحول نوعًا ما دون قيام كتلة أو جبهة موحدة من شأنها تحصين المنطقة في وجه الطموحات الإيرانية. غير أن كل ذلك لا يحول دون ملاحظة أمر آخر ألا وهو أن العالم دخل مرحلة جديدة من مراحل تطور حافلة بتداخل مصالح الدول وتلاقيها وتناقضها في آن معا. مثال على ذلك، ارتفاع أو هبوط أسعار النفط الذي تستفيد أو تتضرر من جرائه دول متحالفة أو دول متحاربة. إن التاريخ لم يتوقف أو ينته – كما زعم هنتنغتون - ولا ”حروب الحضارات” بدأت كما قال فوكوياما، ولكن العالم والدول والشعوب دخلت في عصر التكنولوجيا المتطورة التي غيرت كثيرًا في تفكير الإنسان وحياته بل وفي علاقة الشعب بدولته والدول بعضها بالبعض. فمن كان يتصور أن الشعوب والدول الأوروبية التي سارت شوطًا بعيدًا في الاتحاد اقتصاديًا وعسكريًا وسياسيًا تشهد اليوم حركات انفصالية جدية في إسبانيا (كتالونيا) وبريطانيا (اسكوتلندا) وبلجيكا ودعوات للانسحاب من الاتحاد الأوروبي. نعم، لقد تداخلت مصالح الدول والشعوب وتعددت وتسارعت الأحداث، بحيث بات من الصعب، أحيانًا، رسم الحدود بين مقتضيات ”التكتيك” - أو المصلحة الآنية - والمصالح الاستراتيجية البعيدة المدى للدول. يبقى أن سلم الأولويات في الاستراتيجية العربية، الخليجية منها والقومية الشاملة، يبقى بقاء العراق موحدًا وتغيير النظام في سوريا ووقف الحرب الأهلية في اليمن وليبيا وإنهاء تعطيل حزب الله للديمقراطية في لبنان. وفي كل من هذه الأولويات تظهر اليد الإيرانية العاملة من وراء أستار، وأحيانًا على المسرح المكشوف. أما بالنسبة لدور الولاياتالمتحدة في هذه الفوضى المصيرية فلن يغيب كليًا ولن يصل إلى حد التدخل العسكري كما حصل في الكويت عام 1991 أو في العراق وأفغانستان، ولكنه سيتراوح بين الحدين. وإذا كان هناك في واشنطن من يعتقد بأن إمساك الورقتين، الإيرانية والعربية، للتحكم بالنزاعات الناشبة حاليًا والتحسب لنزاعات مستقبلية، فإن هناك من يعتقد بأن استمرار النزاعات القائمة واحتدامها سيرتد وبالاً لا على كل دول الشرق الأوسط، بل على العالم.