نشر موقع فورين بوليسي، أوّل أمس، مقالا مثيرا للجدل، يحمل في طيّاته أبعادا سياسية خطيرة، ويكشف إلى حد بعيد سياسة الفوضى الخلاّقة التي تنتهجها الولاياتالمتحدةالأمريكية في سياستها الدولية، لاسيما تجاه المنطقة العربية، يدعو فيه صاحبه، روبرت د. كابلان، الولاياتالمتحدة إلى استعمار الدول العربية التي تعرف حالة فوضى، بما أنّ العِظَات والعِبَر المستخلصة من الأحداث التاريخية السابقة علَّمتْنا أنّ نظام حكم الامبراطوريات يبقى الحل الأمثل لاحتواء الفوضى التي تشهدها المنطقة، على الرغم من كون النظم الامبراطورية بائدة وقد عفا عنها الزّمن. وبيّن المقال أن الاضطرابات التي يشهدها العالم العربي حاليا وحالة الفوضى العارمة في أجزاء من شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وبلاد الشام سببها أفول الامبريالية. وأضاف أن سقوط تدمر، إحدى أهم المدن الأثرية عالميا بعراقتها وأصالتها في يد تنظيم الدولة الإسلامية، يؤكد هذه الفرضية. وتابع المقال أن سقوط الأنظمة في الشرق الأوسط، قد برهن على أنّ المنطقة لم تجد ضالتها بعد سقوط الامبراطورية العثمانية غداة الحرب العالمية الأولى. فمنذ مئات السنين والسنة والشيعة والعرب واليهود والمسلمين والمسيحيين في سوريا الكبرى وبلاد الرافدين يتناحرون فيما بينهم، وأضاف أن جميعهم كان خاضعا لسلطة الباب العالي بالقسطنطينية التي حمتهم من بعضهم البعض. لكن ذلك النظام انهار سنة 1918، تاركا المجال واسعا للنزاعات المذهبية والطّائفية. أما النظام الثاني فكان الانهيار الداخلي في العراق عقب الإطاحة بنظام صدام حسين، وسقوط سوريا بفعل ما يسمى بالربيع العربي، وصعود الدولة الإسلامية التي ألغت الحدود الموروثة عن الامبريالية الأوروبية في بلاد الشام والمتمثلة في الاستعمارين الفرنسي والبريطاني. فقد أعطى تذويب مفهوم الدولة، لتنظيم داعش هامشاً كبيراً للعمل بحرية، وبالتالي تثبيت نفسها على أرض الواقع، بشكل لا يمكن تجاوزه كلما طال أمد الفوضى. أما النظام الثالث فيتمثل في الولاياتالمتحدةالامريكية من خلال سياسة النأي بالنفس وعدم التدخل فيما يجري في الشرق الأوسط التي ينتهجها الرئيس، باراك أوباما، وهو ما ينذر بنهاية دور أميركا كقوة عظمى تضمن أمن واستقرار المنطقة. وبحسب كاتب المقال فإن سقوط نظام صدام حسين في العراق، ومعمر القذافي في ليبيا، وضعف نظام بشار الأسد في سورية، وضع حدّاً للأنظمة الرجعية والدكتاتورية العربية، التي بقيت مرتبطة بالقوى الامبريالية. وختم المقال بالإشارة ضمنيا إلى تدخل الولاياتالمتحدة الأميركية واجتياح المنطقة، مشددا على أن الإمبريالية كانت دائما تنجح بقبضتها الحديدية في فرض النظام، لأنّ التحدي الذي نحن بصدده الآن يرتبط بإعادة فرض النظام أكثر من ارتباطه بإقامة الديمقراطية، لأنه من دون نظام لا يمكن لأي فرد أن يتمتع بالحرية.