بوجدرة ملحد، أين هي المشكلة، فمن الذي سيدخل معه قبره على رأي المثل الشعبي، هذا إذا كان هناك عذاب في القبور. الزوبعة التي أثارتها تصريحات بوجدرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دليل على أن الجزائريين لا يقرأون، وكأنهم يكتشفون لأول مرة الرجل، فهو لم يخف يوما إلحاده، وكل مواقفه، الصالح منها والطالح. أصبحنا بالفعل قوما يجمعهم الطبل وتفرقهم العصا. أصبحنا عقولا تتلاعب بها وسائل الإعلام المرئية، تقودها يمينا وشمالا مثل القطعان. فلو لم يتكلم بوجدرة في برنامج تلفزيوني ويعلن أنه لا يؤمن بالله ولا بالرسول، لما اهتز “المؤمنون” الخائفون من الله وجهنم واليوم الآخر. مع أن ما يحدث في البلاد من فساد ونهب للمال العام ومن سوء تسيير، ورغم ما قيل في المحاكمات الأخيرة من نهب لأموال الجزائريين من طرف عصابات منظمة ومحمية من أجنحة في الحكم، تفوق أضراره مئات المرات “أضرار” إلحاد بوجدرة، هذا إذا كانت لإلحاد بوجدرة أضرار، وهي إن وجدت لا تضر إلا صاحبها. فليس إعلان بوجدرة عن إلحاده هو ما سيزلزل الكون مثلما يدعي الدراويش الذين تنبأوا لنا بكوارث بسبب سيقان الفتيات العارية. سألتني صحفية شابة، ألم يستفزك سيدتي أن بوجدرة يعلن إلحاده صراحة؟ قلت لها ألم تقرئي قبل اليوم أدب الرجل؟ ثم فبماذا سيستفزني، أكثر مما تستفزني مجازر داعش، والفساد المستشري، والتلاعب بمصير البلاد؟ ثم أصلا بوجدرة لا يعنيني، دخل النار أم دخل الجنة، ولا يعنيني لا ككاتب ولا كمفكر. أليس هذا بوجدرة الذي وجد نفسه منذ أسابيع في نفس الخندق مع المدعو حمداش يكفران كمال داود ويتهمانه بشتى التهم، الخيانة والكفر والتزلف لفرنسا من أجل جائزة؟! وقتها لم يستفز كلام بوجدرة أحدا، لأنه كان يطلق النار على كاتب صحفي شاب يبحث له عن مكان بين الكبار، استكثر عليه بوجدرة هذا، مثلما هي عادته، وراح يشوهه ويقلل من شأنه. من يدري، ربما لن يطول الزمن ويطلق بوجدرة لحيته ويعتلي منابر الإمامة، ويصير هو نفسه يكفّر الآخرين ويرميهم بالإلحاد. لن يكون الأمر غريبا على الرجل، الذي سبق وأقسم في صحيفة المساء سنة 1987 عندما كشف المرحوم بختي بن عودة سرقاته الأدبية، من كتاب المغربي محمد بنيس، والتي نشرها في حلقات وقتها في جريدة المساء، وكان يأخذ مقابلها راتبا وينسبها لنفسه. وقتها قال بوجدرة إن هذه مؤامرة حيكت ضده، لأنه قرر أن يطلق الحرف الفرنسي طلاقا لا رجعة فيه، وأنه مناضل في سبيل العربية والتعريب. وقتها كان الحزب الواحد الآمر والناهي والموزع لصكوك الغفران والهوية والوطنية، وأراد رشيد بوجدرة التقرب أكثر من جهاز الحزب لمآرب، فأعلن توبته على صرح الدفاع عن التعريب، لكن ما إن جاء 5 أكتوبر، وانقلبت الآية وجاءت التعددية، حتى طلق بوجدرة الحرف العربي طلاقا لا رجعة فيه، ولم يصدر من يومها كتابا بالعربية. ومع ذلك لم يدخل أية قائمة من قوائم الجوائز الدولية، لا “غونكور” ولا غيرها. ويمضي الوقت والرجل يزداد مرارة. وربما يزداد أيضا إلحادا؟! لا يهم الجزائريين إلحاد بوجدرة، مثلما لا يهمهم نفاق حمداش، ولا إيمان المؤمنين الصادقين؟!