مراكز التسوق الكبرى المعروفة باسم ال”Malls” كانت أحد أهم محركات النمو الاقتصادي في الولاياتالمتحدة، وكان لها أثر عظيم ومباشر في التخطيط العمراني للمدن وحراك المواطنين وانتقالهم من قلب المدينة ووسطها إلى أطرافها، مما أدى إلى طفرة عمرانية وعقارية كبيرة جدا، وتسبب ذلك في تغيير شكل المدن وتطوير النمط الخدمي والاستهلاكي بشكل غير تقليدي، وأرست بذلك ”فكرة” عابرة للقارات وصدرت هذه الفكرة للعالم، ونرى نماذج منها في كل الدول بلا أي استثناء تقريبا. لكن شيئا ما حدث في السنوات الماضية، ففي الولاياتالمتحدة تشهد الأسواق الكبرى حالات متكررة ومتلاحقة من الإفلاس الكامل والمؤدي لإغلاقها تماما، وذلك بسبب التغيير الدقيق والمتكامل في نمط الاستهلاك وزيادة التسوق عن طريق الوسائط الإلكترونية التي قدمت بديلا فعالا ومؤثرا، وبجدوى مالية أهم وأفضل، الأمر الذي انعكس بطبيعة الحال على الصناعات المعنية بتطوير الأسواق الكبرى ككل، وأصابتها بانتكاسة هائلة. واليوم يتحدثون عن ”بديل غير تقليدي” لها.. بديل جذاب للغاية، فهو سوق مركزية كبيرة فيها الزبائن مجبورة، ولا بد أن تبقى في المكان نفسه عدة ساعات ليست بالقليلة، والأهم أن أغلب الزوار هم أصحاب مداخيل جيدة ولديهم القدرة الإنفاقية الجيدة، وفي حالة ذهنية تقصد الإجازة والترفيه والاستمتاع، وفوق هذا ستكون هذه المراكز ذات صفة تعاقدية تسمح بالاحتكار ومنع المنافسة، وستحصل على ”نسبة مقطوعة” من كل زائر. كل هذا يتحقق في مراكز التسوق الموجودة في المطارات.. نعم المطارات. اليوم المطارات تحولت إلى أحد أكثر الخيارات العقارية التطويرية إغراء على خريطة العقار حول العالم. الحكومات حول العالم أعجبتها الفكرة، فهي ترتاح من فكرة ”التشغيل” وتتفرغ للتشريع والرقابة والحصول على المقابل المالي المغري. الحكومة اليابانية باعت حصص تشغيل في بعض مطاراتها لمدد من 30 إلى 40 سنة. فرنسا تقوم بتسويق بعض مطاراتها الإقليمية، فهي باعت حصة تبلغ 49.9 في المائة في مطار تولوز لتكتل بقيادة مجموعة من الصين، وهناك مجاميع استثمارية مهمة استحدثت في مطارات كوبنهاغن وبرمنغهام ومطار لوتن الواقع في شرق لندن. المطار تقليديا حينما كان في أيدي الحكومات يهتم بالتشغيل ويهمل القطاعات الأخرى تماما، والمستثمرون الجدد اهتموا بتطوير موارد الدخل مثل مواقف السيارات والمطاعم والمحال والفنادق وغيرها من الخدمات المغرية. اليوم تعتبر روسيا أكثر المناطق إغراء في استثمار المطارات من دون شك، وتستحوذ على أكثر من نصف الحالات حول العالم مقابل 15 في المائة لمنطقة آسيا، و14 في المائة لمنطقة أستراليا، و9 في المائة في الولاياتالمتحدة. المسألة مرشحة أن تتوسع عالميا وتصبح قاعدة أساسية للاستثمار البديل والخصخصة الجديدة. ولكن ذلك سيكون تحديا جديدا للذهنية السيادية التقليدية في العالم الثالث التي لا تزال ترى المطارات موقعا أمنيا وليس مراكز ربحية ممكنة وفرصة استثمارية ناجحة. وهذه مسألة بالغة الأهمية؛ لأن معظم الدراسات والتقديرات تشير إلى أن نسبة النمو المتوقعة لذلك الأمر سوف تبلغ بشكل أساسي في القارة الآسيوية ضعف أرقام القارة الأوروبية. الفرص تأتي من الغير، ويبقى التحدي على القدرة في استغلالها.