هل مشاهد الأعمال الفنية محايد تماما، يفصل بين الممثل والشخصية الدرامية التي يؤديها؟ أم أن هناك بقايا تتسرب من هنا وهناك لتنتقل من حياته الواقعية إلى الشخصية التي يؤديها أمام الكاميرا؟ إذا كان معروفا مثلا عن فنان أنه في حياته الخاصة ”دونجوان” ثم قدم شخصية دور ”عدو المرأة”، هل المشاهد في هذه الحالة سيصدق ببساطة الشخصية التي يراها أمامه على الشاشة؟ أظن أن الأمر يحتاج إلى قدر من الجهد في التقمص، خاصة أنه مع انتشار ”الميديا” صارت حياة الفنان الشخصية في متناول الجميع. لو انتقلنا إلى قناعات الفنان السياسية، لو كانت قريبة جدا ومؤثرة في الحياة، مثل موقفه من ”ثورة 25 يناير” أو من مبارك والتوريث، فهل يخترق المشاهد الخط الفاصل بين الشاشة والحياة؟ مثلا، عادل إمام الذي كان مؤيدا لحسني مبارك وظل في الأيام الأولى لثورة ”25” إلى جانب بقاء مبارك على سدة الحكم، كما أنه كثيرا ما كان يعلن موقفه بحق جمال مبارك في الجلوس على الكرسي خلفا لأبيه مكررا الحجة نفسها التي كانت تقال وقتها، بأنه مثل أي مواطن يتقدم للانتخابات والناس من حقهم أن يختاروا الأصلح. هذا هو ما عايشناه كلنا قبل خمس أو ست سنوات، أي أن التاريخ حاضر بقوة في ذاكرة كل الناس، بالإضافة إلى أنه بين الحين والآخر تزخر شبكات التواصل الاجتماعي بلقطات متفرقة لعادل في مواقفه السياسية المؤيدة للنظام في زمن مبارك، بينما في الدراما فإن شخصية فوزي جمعة، المناضل اليساري والدكتور في قسم الحشرات بكلية الزراعة، التي يؤديها في مسلسله الرمضاني ”أستاذ ورئيس قسم”، تجسد شخصا له موقفه الواضح بأن الحل وقتها كان هو إسقاط نظام مبارك بأكمله، كما أن له مواقفه المتعددة للتمهيد ل”ثورة يناير”، وشارك في مظاهرات ضد التوريث، كما أشار إلى ذلك في أكثر من مشهد في الحلقات الأولى. نظريا، الممثل ليس مسؤولا عن كل تفاصيل العمل الفنية، فهو مثل المطرب يقدم الأغنية التي كتب كلماتها شاعر ووضع أنغامها ملحن، وليس مطلوبا منه أن يغني في كل مرة حكايته ومشاعره. إلا أن الأمر سياسيا كان ولا يزال محفوفا بالمخاطر. الحكومات العربية في العادة لا تفصل بين الدور الدرامي والواقع، وتنتظر من الفنان التأييد المطلق، وتجد ذلك واضحا في الشأن السوري، فلا يمكن مثلا أن يقدم نجم بحجم دريد لحام مسلسلا دراميا ينتقد ديكتاتورية الأسد، وإلا سوف يعتبره الجمهور في تلك اللحظة تراجعا عن مواقفه السياسية المعلنة، وهو ما ينطبق مثلا أيضا على كل من سلاف فواخرجي، ورغدة، المؤيدتين لبشار، بينما جمال سليمان الذي يقف على الجانب الآخر باعتباره في طليعة مؤيدي الثورة لا يمكن أن يبايع في عمل درامي بشار أو الجيش النظامي السوري.. ولو غنت ميادة الحناوي لبشار لتوافق ذلك مع موقفها المعروف ولكن من المستحيل أن تفعلها أصالة. الموقفان على الساحتين المصرية والسورية لا يتطابقان، فلا يزال بشار على الرغم من تعدد هزائمه يحكم نظريا سوريا، بينما في مصر حسني مبارك مسجون، والمحاكمات مستمرة، ولم يقل القضاء كلمته النهائية بعد. إلا أن السؤال لا يزال قائما: هل من الممكن أن يتبنى فنان موقفا سياسيا دراميا يتناقض مع موقفه السياسي المعلن والموثق بينما شبكات التواصل الاجتماعي لا تكف عن بثه؟ ألا يشوش ذلك في حده الأدنى على الخط الفاصل بين مواقف الدكتور فوزي جمعة في ”الدراما” ومواقف الزعيم عادل إمام في الحياة؟! طارق الشناوي – عن الشرق الأوسط