”الشاي، قلب اللوز، القطايف، البوقالة...” بعضها مازال والبعض اندثر، لكنها كانت أحد طقوس السهرات الرمضانية التي تجمع الأقارب والجيران بعد الإفطار، بل وكان لزاما على كل عائلة استضافة أحد الأقارب لتقاسم وجبة الإفطار والسهر عددا من أيام الشهر الفضيل. لكنها تلقى تراجعا كبيرا في السنوات الأخيرة بعد فتور القيم الاجتماعية ل”جيل الأنترنت”. ظلت مدينة الجزائر العاصمة متميزة برمضانها عن باقي المدن الذي لم يخل من سهرات سكانها ليلا، ناهيك عن جو مليء بالنشاط والإحسان نهارا، حيث يذكر آباؤنا فترة ما بعد صلاة العصر، حين يخرجون من المسجد ويجوبون أزقة الشوارع التي تنبعث من تحت شققها رائحة ”الشوربة”، لتنتعش أنوفهم برائحة الخبز المنبعثة من المخابز. أما موعد الإفطار بقليل فكان مميزا بتبادل الأطباق بين الجيران مثل اللحم لحلو، البوراك، المطلوع، الدولمة.. وغيرها مما استطاعت أنامل ”الحراير” طبخه. بعد الإفطار والصلاة، كانت تستعد العائلة المستضيفة لتنظيم جو سهر أصيل، بتحضير الشاي بطقم جميل خاص بشهر رمضان، وترتيب الحلويات التقليدية المعسلة في أطباق، وبعض من العائلات تضع وسط المائدة سلة مليئة بالبوقالات. ومع حضور الضيوف من الأقارب أوالجيران تكون هناك لمة عائلية تجسد فعلا صلة الرحم المبني على التآزر والتراحم، فليس الهدف هو الأكل والشرب فقط، بل يسأل كل واحد عن حال الآخر من الجانب الصحي والاجتماعي. كما تتبادل النسوة نصائح في كيفيات الطبخ وتسرد كل واحدة منهن تفاصيل قضاء نهارها والبرنامج الذي تعتمده لتنظيم الوقت، فقد كانت التجارب تؤخذ من أفواه المجربين بعيدا عن وصفات الأنترنت التي طغت اليوم على اهتمام النسوة، رغم أنه بعد بحثنا في عديد المواقع لم نجد إلا عددا قليلا جدا من الوصفات التقليدية التي كتبت بشكل صحيح كما علمتها لنا أمهاتنا. أخذت سهرات العاصميين طابعا آخر يقتصر تحديدا على شاشة التلفزيون التي برمجت فيها القنوات كما هائلا من المسلسلات، برامج ”السيت كوم”، والكاميرا الخفية الرديئة في أغلبها.. لتتبادل نسوة وشابات اليوم مواعيد بث هذه المسلسلات والبرامج، وتتواصل العائلات بينها برسالة ”صح رمضانكم” عبر الفايسبوك.