أظهر تقرير لشركة ”ستاندرد آند بورز” العالمية، أن تراكم ديون الشركات العالمية سيبلغ 57.4 تريليون دولار في الفترة ما بين الأعوام 2015 و2019، وأن نحو 37 تريليون دولار من هذا المبلغ ستُستخدم في إعادة تمويل ديون قائمة، بينما يعتبر المبلغ المتبقّي بمثابة ديون جديدة. وتأتي الشركات الصينية في طليعة الشركات العالمية التي ستحوز هذه الديون بحصة 40 في المئة، ثم الشركات الأميركية والكندية بحصة 22.8 في المئة، ثم الأوروبية مع 15.5 في المئة، وتتوزع البقية على مختلف دول العالم. وتظهر الأرقام كذلك، أن سوق سندات الشركات الصينية تجاوزت مثيلتها في الولاياتالمتحدة، لتصبح الأكبر فى العالم. ومن المتوقع أن تهيمن على ثلث ديون الشركات العالمية خلال السنوات الخمس المقبلة، ما يشير إلى الأهمية المتنامية التي تحتلّها سوق الدَيْن الصينية في النظام المالي العالمي، حيث أن الصين هي ثاني أكبر اقتصاد فى العالم، وتموّل حالياً ما بين ربع ديون شركاتها وثلثها من خلال النظام المصرفي الموازي. ليس المقصود مما سبق التقليل من أخطار ديون الشركات العالمية، خصوصاً إذا كان متزامناً مع مواصلة التباطؤ الاقتصادي العالمي، إذ يتعرض معظم الشركات العالمية لتراجع في الأرباح هذه السنة، بسبب أزمة الديون السيادية التي يعانيها الكثير من الدول والبنوك الأوروبية، والتي انتشرت عدواها في عدد كبير من دول العالم. وأدى أيضاً ضعف اليورو وتزايد قوة العملة الأميركية، إلى ارتفاع كلفة الصادرات الأميركية، ما سيؤدي إلى تقليص أرباح الشركات الأميركية، إضافة الى اتجاه الكثير من الدول الأوروبية إلى خفض وارداته بسبب الأزمة المالية. بينما تؤكد الشركات الآسيوية انخفاض أرباحها خلال النصف الثاني من العام الحالي، بسبب التباطؤ العالمي الناجم عن الأزمة المذكورة. إضافة الى ذلك، يتّضح أن أزمة ديون منطقة اليورو وآخرها معضلة الديون اليونانية، كانت لها انعكاساتها على الشركات والاقتصادات في مختلف أنحاء العالم. وما لا شك فيه بل من المؤكد أن البنوك الكبرى تضررت من الأزمة خلال الفترة الماضية، كما أن الشركات الصناعية وشركات الخدمات تضررت هي الأخرى من هذه الأزمات. وعلى رغم كل هذه التطورات، نرى أن طلب الشركات العالمية على الديون يمكن أن يشكّل حافزاً للنمو الاقتصادي، بخاصة إذا تم توجيه هذه الديون إلى النشاطات الأكثر قابلية للنمو والتعافي. وضروري ألا ننسى أن ذلك الطلب يعتبر مصدراً مهماً للتمويل بالنسبة الى البنوك العالمية، ما يساعدها في تجاوز حالة التباطؤ والركود في الأرباح والعمليات. المطلوب هو العمل لوضع بيانات وإحصاءات مماثلة لمنطقتنا العربية، ما من شأنه المساهمة في تسليط الضوء على حجم نشاطات الشركات الخاصة في المنطقة، وفي المساعدة على إنشاء قاعدة بيانات مهمة للبنوك العربية لرسم استراتيجيات أعمالها ونشاطاتها. يمكن صندوق النقد العربي، بالتعاون مع اتحاد المصارف العربية، لعب دور رئيسي في تكوين قاعدة البيانات هذه، من خلال شبكة عضويتهما ونشاطاتهما وعلاقاتهما. كما أنهما يمتلكان الأجهزة والقدرات الفنية والبشرية التي تمكّنهما من العمل على تحقيق هذا الهدف. ومن شأن وضع هذه القاعدة الضرورية، أن يضع أيضاً الشركات العربية على خارطة أسواق المال العالمية، بخاصة إذا حصلت على تصنيفات ائتمانية معتبرة لديونها، وبالتالي يسهل دخولها أسواق المال العالمية ومقارنة أوضاعها بقريناتها العالمية، وهي حالة ستساهم من دون أدنى شك، في تدفق مزيد من الاستثمارات الدولية الى المنطقة العربية من خلال هذه الشركات من جهة، وتدعم عمل المصارف العربية في الدخول في تمويلات عربية وعالمية مشتركة لهذه الشركات، من جهة أخرى.