كنا تلاميذ درسنا في الرياضيات عن المجموعة الفارغة وهي التي لا تتضمن عناصر بداخلها. كبرنا وكبر البلد وصار به 40 مليون نسمة وعشنا ”المجموعة الفاشلة” وهي مجموعة مليئة بالعناصر الفارغة. تذكرت درس المجموعات هذا الصباح حين سألني أحدهم عن ما يمكن أن تؤول إليه البلاد بعد إنهاء مهام الفريق توفيق قائد المخابرات. بدا الرجل وهو يتحدث معي مفزوعا من هول ما حدث أو ربما تظاهر بالفزع. قال إن الفريق الرئاسي كسب المعركة الطويلة ضد المخابرات. قلت للرجل إن الذي حدث هو مجرد إعادة إنتاج الفشل.. النظام القائم في الجزائر لا يبدع شيئا هو يجتر ما أكل قبل أزيد من ثلاثين عاما.. كان قاصدي مرباح هو من سحب العقيد الشاذلي بن جديد من الثكنة ونصبه رئيسا على الجزائريين وهو لا يعرف أي شيء عن السياسة ولا التسيير ولا يحسن حتى الكلام خارج الأوامر العسكرية. لكن بالتأكيد أن أول ما فكر فيه الشاذلي الذي دخل القصر الرئاسي ضعيفا هو كيف يتخلص من الرجل الأقوى الذي فرض رأيه على الجميع ووضعه على رأس الجزائر.. هو رد فعل غريزي وليس تفكيرا في الحقيقة. وبالفعل ما فعله الشاذلي هو إزاحة مرباح ”صانعه” عن مكان القوة التي جعلته يصنع رئيسا من لا شيء.. في ظرف قصير صار قاصدي مرباح وهو بدوره كان شبحا كما كان توفيق لا يرى وهيبته تملأ الأركان، مجرد شخص مدني عادي يدشن مزارع ومستثمرات فلاحية.. قبل أن يعزله الرئيس مستعينا بالجنرال القوي خالد نزار من رئاسة الحكومة. الذي حدث أمس نسخة مما حدث في الماضي.. توفيق كان الأقوى وعبد العزيز بوتفليقة في غياهب النسيان لا يعرفه الجيل الجديد، أما الجيل الذي سبق فلا صورة له عن بوتفليقة غير تلك التي رسختها حملة إعلامية شنتها عليه أجهزة الشاذلي بن جديد والعربي بلخير منتصف الثمانينات، وأدت إلى إبعاده ليس من الحكم فقط بل من الجزائر. ما أشبه اليوم بالبارحة.. مثلما فعل مرباح عام 1979 فعل توفيق عام 1999. هو لم يخلق شيئا من عنده، استنسخ من ذهنية سلفه فقرر أن يكون رئيس الجزائر هو عبد العزيز بوتفليقة حب من حب وكره من كره.. فقدمه مرشحا عن السلطة أمام دهشة العالم وفاز أمام دهشة العالم. وكما استنسخ توفيق فعل مرباح استنسخ بوتفليقة رد فعل الشاذلي. فكان الهاجس الأكبر قوة هذا القوي والمبتغى إنهاء قوة هذا القوي. فحدث هنا أيضا ”إنهاء مهام” تماما مثلما حدث في التاسع من سبتمبر عام 1989 حين صدر بيان عن رئاسة الشاذلي بن جديد يبشر الناس ب”إنهاء مهام” قاصدي مرباح في رئاسة الحكومة... في آخر الحكاية قلت لمن سألني ”بالمختصر المفيد المجموعة الفاشلة ينقص منها عنصر أو يضاف لها عنصر تبقى فاشلة”.