يعتبر التكفل النفسي بأولياء الأطفال المصابين بتشوهات خَلقية، مهمة صعبة تفوق تلك المتعلقة بعلاج الأبناء عضويا ونفسيا، حيث تلعب تكلفة العلاج ومدى تطور الأعراض عن الأطفال دورا في زرع معاناة نفسية والانهيارات العصبية الناتجة عن عدم تقبل الوضع والعجز عن إيجاد حلول لدى الأولياء. يواجه أولياء الأطفال الذين يولدون بتشوهات خَلقية معاناة نفسية شديدة تستدعي التركيز على التكفل النفسي بهم قبل أطفالهم، والذي يعتبر أصعب من علاج هؤلاء، حسبما أكده رئيس مصلحة جراحة الأطفال بمستشفى الأم والطفل بسطيف، البروفسور زين الدين صواليلي، والذي أكد أنه تم التكفل بأغلبية حالات الولادة ذات التشوهات الخلقية من خلال إجراء عمليات جراحية كانت نسبة نجاحها جد مرتفعة. ونوه المتحدث ذاته أن مشكل المعاناة النفسية للأولياء يبقى أكبر من جراحة أبنائهم، لذلك وجب التوصل إلى طريقة أمثل للتكفل بهم. ومن جهته صرح المساعد بقسم جراحة الأطفال بذات المؤسسة الاستشفائية جلول عاشوري، أن عملية تشخيص حالة الجنين قبل الولادة من شأنها أن تقلل من حالات الانهيار النفسي للأولياء وعدم تقبلهم للأمر الواقع، حيث أن التشخيص المبكر قبل ولادة الجنين من شأنه تحضير الأولياء مسبقا، حيث أوضح المتحدث ذاته أن عدم استعداد الأولياء لمثل هذه الحالات وانهيارهم التام نفسيا يؤدي ببعضهم إلى ترك أبنائهم في المستشفيات، ما يحتم اللجوء إلى الإجراءات القانونية المعمول بها في مثل هذه الحالات، على غرار إحالتهم على المختصين النفسانيين وإعلام السلطات القضائية. ودعا المساعد بقسم جراحة الأطفال إلى تدخل علماء الدين الذي يمكنهم المساعدة كثيرا للتقليل من معاناة الأولياء والمصابين على حد سواء، مضيفا أن معاناة الأولياء تختلف من حالة إلى أخرى، وأن الطبقة المثقفة أو ذات مستوى دراسي مرتفع نوعا غالبا ما تكون ردود أفعالهم أقل حدة من غيرها. العجز عن توفير تكلفة العلاج تزيد من معاناة الأولياء تجد أسرة الأطفال المصابين بتشوهات خلقية ناتجة عن حوادث أو تلك التي ولدوا بها حرجا في التعايش مع هذا المشكل الصحي، ومن بين أكثر العوامل التي تجعل الأولياء يعانون بصمت موجع، هي تلك المتعلقة بتكاليف إجراء العمليات الجراحية التجميلية والتي تحتاج إلى مبالغ طائلة وفي الغالب تحتاج إلى التنقل خارج الوطن. كما أن العمليات التي تخص التشوهات العضوية ولما تكتسيه من خطورة بالغة تجعل الأولياء متخوفين من النتائج التي تكون غير مضمونة في الغالب. وفي سياق متصل تحدثنا مع (سميرة. ك)، التي تعاني ابنتها من تشوهات خلقية على مستوى القلب، وتحديدا في الشرايين الناقلة للدم، حيث تقول محدثتنا إن تكلفة العملية الباهظة جعلتها تقلق أكثر من الخطورة التي من الممكن أن تنجر عنها، ولم تغمض لها عين حتى تمكنت من جمع المبلغ المطلوب بمساعدة عائلتها وكل معارفها. ومن جهة أخرى تقول سعاد بولمة، والتي تعاني ابنتها من تشوه خَلقي مس وجهها وجزء من رقبتها، إنها لا تستطيع تجميع المال الكافي للقيام بعملية التجميل التي تحتم عليها السفر إلى تونس، مشيرة أن تكلفة العملية التي تتجلوز في مجملها 50 مليون سنتيم تجعلها تتقبل الوضع الحالي وتفقد الأمل في العلاج. التشوهات العضوية هي الأكثر خطورة رغم الآلام النفسية والاضطرابات العاطفية التي يعاني منها المصابون بتشوهات خَلقية، لاسيما الأطفال والمراهقين منهم، إلا أن المعاناة الجسدية التي تتسبب بها التشوهات المتعلقة بالأعضاء هي الأكثر تأثيرا على الأبناء والأولياء على حد سواء، فالأطفال الذين يعانون من خلل في تكوين بعض الأعضاء الحساسة في الجسم على غرار القلب، الكليتين، الكبد، وغيرها من المحركات الأساسية والتي تؤدي أي تشوه بها إلى أضرار وخيمة يتحملها المريض. وفي السياق ذاته تقول أم لتوأمين يعاني أحدهما من تضخم في الغدة الدرقية والثاني من عيب خلقي على مستوى القلب، أن كليهما يصارعان المرض بشكل مؤسف، فالحالة الصحية لطفل يعاني من تشوه أحد أعضائه أكبر بكثير ممن كان مرضه سطحي يخص تشوهات الجلد أو أحد الأعضاء الخارجية، وهو الأمر الذي أكده الدكتور أحمد بوجمعة المختص في طب الأطفال، والذي قال إن تعرض الجسم لخلل في تركيب أحد أعضائه الحيوية يؤثر بشكل بالغ على كل الوظائف التي تؤديها بقية الأعضاء، في حين أن التشوهات الظاهرية والتي تمس الجلد وغيرها من المناطق السطحية تبقى في المرتبة الثانية من حيث التأثير الصحي على الطفل.