وتكلم الرجل الصامت، لكن كم كنت أتمنى أن يتكلم عن الجزائر، وعن مصير الجزائر، وليس للدفاع عن رجل من رجاله، حتى وإن كان الجنرال حسان مظلوما. كنت أتمنى من الفريق توفيق الذي كان إحدى الركائز التي ترتكز عليها البلاد أن يحذرنا من الآتي، ويوجه لنا نداء لحماية الجزائر التي نهبت، ولحماية الجزائر التي تهددها مخاطر أمنية على كل حدودها. أخاف أن يكون الفريق توفيق لعب في الوقت بدل الضائع. نعم هناك معجزات تحدث في الوقت بدل الضائع في المقابلات الكروية، تغير مصير فرق وكؤوس أحيانا، لكن لا أعتقد أن الكلام في السياسة في الوقت بدل الضائع سيكسب من ورائه صاحبه شيئا يذكر. الجنرال حسان حارب الإرهاب، وعرض حياته لخطر الموت مرارا، والسجن حتى وإن كانت عقوبة جائرة وثقيلة مثلما يرى الفريق توفيق، وقبله الجنرال نزار اللذان نددا بالحكم، فإنه أهون من خطر الموت، والخوف يا سادة ليس من الظلم أو السجن، الخوف على ما ستؤول إليه البلاد. كنت أتمنى، قلت، أن يحدث الفريق الجزائريين ويحذرهم مما يتربص بالجزائر، وليس الدفاع عن شخص، ولا أقول إن الجنرال حسان لا يستحق الدفاع عنه. لا أعرف الفريق توفيق إلا من خلال الصورة الذهنية التي رسمتها له الصحافة وبعض من عملوا إلى جانبه، لكني كنت أتوقع منه شيئا أكبر من هذا، وهو الذي يمتلك الملفات ويمتلك كما هائلا من المعلومات لا يمتلكها غيره، وكانت لديه سلطة غير مسبوقة. لكن ماذا فعل بكل هذا لإنقاذ البلاد من مافيا المال التي تركها تكبر وتكبر إلى أن صارت ”غولا” سيلتهم الجزائر لا قدر الله؟ لماذا سكت، ولماذا لم يتحرك وقتما كان تحركه وخروجه عن الصمت مسؤولية من واجبه تحملها؟ ثم لماذا لم يندد بمحاكمة مجدوب الذي أدانته محكمة قسنطينة العسكرية بثلاث سنوات حبسا؟ جميل أن يكون الرجل وفيّا لرجاله، ويتحمل مسؤولياته بدلهم، لكن..! كنت أتوقع من الفريق توفيق يوم يتكلم، كلاما أكثر عمقا، وأكثر معنى مما قاله أمس، لكن جاء كلامه مقتضبا وقليلا جدا، مقابل ما ينتظره منه الجزائريون، ومقابل صمت استمر أكثر من ربع قرن، ومقابل ما يعرف من حقائق! أعتقد أن الفريق توفيق يتحمل نصيبا كبيرا من المسؤولية حول ما وصلته البلاد من تشرذم، ومن تشتت ومن هزال المؤسسات الدستورية، يتحمل مسؤولية سكوته في الوقت الذي كان عليه أن يتكلم، أو بالأحرى أن يتصرف. لا أتحدث عن سكوته فقط أمام نهب المال العام، لأن المثل الشعبي يقول ”المال يغدى (يذهب) والرجال يجيبوه)، والمال يعوض، لكن الفرص التي ضيعت على البلاد، فرص خلق الثروات وخلق الاستقرار، والخروج بالبلاد من المآزق السياسية والأمنية، فرص تحصين البلاد، مما يحاك ضدها وحولها هذا هو الأهم، وهذا ما يتحمل مسؤوليته الفريق توفيق مثلما يتحمل مسؤوليته رئيس الجمهورية، الفريق توفيق لأنه هو الآخر كان من يختار، بل يفرض مسؤولين لم يكونوا بالكفاءة والنزاهة التي يجب، والرئيس أيضا لأنه هو الآخر سكت عن من نهبوا المال العام ولم يقوموا بمهامهم، سواء في الحكومات المتعاقبة أو في شتى المناصب والمؤسسات التي يحدد مصير البلاد بها. لا أقول هذا الكلام لأن الفريق توفيق أبعد من المسؤولية، ولا أخوّنه مثلما ذهب البعض، فقد سبق وقلت كلامي هذا في لقاءاتي التفزيونية، وفي مقالاتي في هذا الموقع، لكن الكلام في وقته دواء. أتمنى أن تفتح تصريحات الفريق طريقا جديدا أمام البلاد، حتى ولو جاءت قليلة جدا ومتأخرة جدا، وألا تقود البلاد إلى مواجهات بين العصب، لأن خرجته هذه أكدت ما كان يعاب على الصحافة والاتهامات التي كانت تكال للصحفيين، أنهم من يختلقون الصراعات بين أجنحة السلطة. فكلام الفريق تأكيد بل إخراج لهذه الصراعات إلى العلن! أتمنى من كل قلبي أن تسير المرحلة المقبلة بحكمة، بعيدا عن تصفية الحسابات لأن هذا لن يخدم البلاد المقبلة على خطر وعواصف قد تكون مدمرة لا قدر الله!