* الجزائر تتحول من نقطة عبور للمهاجرين السريين إلى منطقة إقامة يشكل ترحيل الرعايا الأفارقة المقيمين في الجزائر بطريقة غير شرعية عبئا ثقيلا على الدولة ويكلّف الخزينة العمومية مبالغ معتبرة. وفي ظل غياب سياسة صارمة للحد من الظاهرة، مازال عديد الرعايا الأفارقة يقيمون في الجزائر رغم صدور أوامر قضائية بالطرد لأسباب تبرّرها الحكومة بالدوافع الإنسانية دون تقديم حلول بديلة، ما ينّم عن تجميد إجراءات الحدّ من نزوح الأفارقة عبر ولايات الجنوب وسوء تعاطي المسؤولين مع ملف الهجرة غير الشرعية التي يستدعي أن يُدق ناقوس الخطر بشأنه بالنظر الى الجرائم التي يتورّط فيها هؤلاء. في السياق ذاته صرح عضو باللجنة الاستشارية لحماية وترقية حقوق الانسان، أن الجزائر تحوّلت من نقطة عبور للمهاجرين السريين إلى منطقة إقامة، مشيرا أن الظاهرة في تزايد مستمر، ما زاد في حدّة المشاكل الإقتصادية والقانونية المنجرّة عن ذلك، وهو موضوع الملتقى الذي نظمته اللجنة بالتنسيق مع عدد من الخبراء الأجانب سعيا منها للبحث عن حلول، خاصة أن سياسة ترحيل الرعايا غير شرعيين تعاني خللا يجعل المتتّبع للوضع يرى أن الدولة تقف عاجزة عن إيجاد حل لآلاف الرعايا الأفارقة، حيث لم تسجل سنة 2013 عملية ترحيل بعدما روّج دحو ولد قابلية وزير الداخلية السابق نهاية السنة الفارطة لعملية ترحيل 300 مهاجر إفريقي نحو النيجر. الجوية الجزائرية في مواجهة عمليات الترحيل عادة ما تكلّف الدولة الخطوط الجوية الجزائرية عملية ترحيل الرعايا الأفارقة المقيمين على أراضيها إلى بلدانهم الأصلية في رحلات خاصة، ما يُظهر حجم تكاليف تلك الرحلات التي تبقى غير مدفوعة الثمن. وبلغة الأرقام فقد جرى خلال سنة 2007 ترحيل 11107 رعية أجنبي، وفي 2008 أعيد أزيد من 8380 رعية إلى موطنه. وحسب مصادر رسمية، فقد بلغ عدد الرعايا الأجانب المرحلين من الجزائر خلال الفترة الممتدة بين سنة 2009 إلى 2011، 41078 شخص مقيم في الجزائر بطريقة غير شرعية. ففي سنة 2011 مثلا أشارت الاحصائيات إلى ترحيل ما يقارب سبعة آلاف نازح من الحدود الجزائرية الليبية بعد اندلاع الحرب في هذه الأخيرة على متن رحلات خاصة من إن امناس، جانت والعاصمة، بعدما سجّل أزيد من ثلاثة آلاف شخص دخلوا عبر المراكز الحدودية لولاية إليزي وأربعة آلاف عبر مركز الدبداب. وخلال نفس السنة تم توقيف 909 مهاجرين من بينهم 714 شخص من جنسية مالية و131 نيجيري دخلوا الشريط الحدودي بين الجزائر وليبيا بطريقة غير شرعية، لم يرحّل منهم سوى 340 عن طريق مطار إن أمناس والعاصمة بنسبة تعادل 37 بالمئة. أما خلال الفترة بين جانفي إلى شهر جوان من السنة الفارطة رحّل 900 شخص من ثماني جنسيات إفريقية عبر الحدود الجزائرية الليبية. لتبقى عمليات التكفّل بهم طوال فترة وجودهم بأرض الوطن وتحويلهم من ولاية إلى أخرى تمهيدا لنقلهم جوّا تكلّف الدولة خسائر طائلة لم يكشف عنها المسؤولون. الظروف الأمنية تقلل عدد المهاجرين من مالي أكد وزير الداخلية السابق أن 25 ألف لاجئ من عدة دول إفريقية نزحوا إلى الأراضي الجزائرية بسبب الظروف الأمنية المتوترة التي تعرفها بلدانهم. وفي الوقت الذي حدّت الحرب بشمال مالي من عبور الرعايا الأفارقة، فتحت جبهة موازية في الحدود الجزائرية الليبية التي باتت تستقبل عشرات النازحين من ليبيا منذ سنة 2011، وبعد أن انخفضت الهجرة من الحدود الليبية سنة 2007 عادت للارتفاع منذ فيفري 2011 تزامنا اندلاع الحرب بها، ما زاد في عدد المهاجرين من الدول الإفريقية، وبلغ عدد المهاجرين من 13 جنسية إفريقية من ولايتي تمنراست وغرادية فقط خلال الفترة التي أعقبت الحرب تحديدا بين الفترة الممتدة بين شهر أفريل إلى سبتمبر، 1640 مهاجر بزيادة قدّرت بنسبة 50 بالمائة. وصرّحت مصادر رسمية في تلك الآونة أن الدولة حرصت على التكفّل بهم احتراما لمبدأ حقوق الانسان المجسد في مختلف الاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها، إلا أن تطبيق هذا المبدأ - على ما يبدو - يكلّف الملايير من وجهة نظر البعض، خاصة أن الدولة تسعى لمواجهة الظاهرة بمراقبة الشريط الحدودي من خلال تجنيد إمكانيات بشرية ومادية معتبرة. منظمات حقوقية تتهم الدولة بخرق قوانين الترحيل نالت عملية ترحيل 600 مهاجر نيجيري، منهم 37 امرأة و59 طفلا مقيمين في الجزائر بطريقة غير شرعية خلال نهاية سبتمبر من سنة 2011، استغراب مسؤولي مكتب الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة الذين اعتبروها ”سابقة في تاريخ الجزائر”، منتقدين إيّاها بعدم مراعاة الظروف الإنسانية للرعايا المعنيين بعملية الترحيل، إلا أن البعض برّرها بالتوتر الأمني في المنطقة وخوف الحكومة الجزائرية من إمكانية دخول جماعات إرهابية من التنظيم القاعدة عبر الحدود الليبية بغرض إبرام صفقات الإتجار بالأسلحة، وهو ما يهدّد الأمن القومي ويجعل الرعايا الأفارقة محل شبهة. نفس الإنتقادات طالت عمليات النقل الجماعي للرعايا الأفارقة من جنسيات مالية، نيجيرية وكاميرونية من ولاية وهران إلى تمنراست نهاية سنة 2011 قبل ترحيلهم إلى بلدانهم، حيث عاتبت الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الانسان المسؤولين عن عملية الترحيل، واعتبروها ”خرقا صارخا” للقوانين المنظمة لظروف دخول واقامة الرعايا الأجانب بالجزائر على اعتبار أن منهم 14 امرأة، منهم من كانت على وشك الولادة بمستشفى وهران وعدد من الأطفال كانوا بحاجة لتلقي العلاج، إلا أن الدولة أسرعت بإعادتهم إلى بلدانهم . اجراءات قانونية تمدّد فترة إقامة الأفارقة بالسجون. إن المتتبع لمختلف الملفات القضائية التي يتورّط فيها الرعايا الأفارقة يلمس نوعا من المساعي للحدّ من سلبيات الهجرة غير الشرعية، وهو ما يبرّر الأحكام القضائية الصادرة في حقهم، والتي يقول بشأنها أحد المحامين المعتمدين بالمحكمة العليا إنها ”مخفّفة” تجنبا لتكاليف اقامتهم داخل المؤسسات العقابية. كما أشار أن القضاء الجزائري يسعى لتطبيق الاجراءات القانونية وضمان حق الدفاع للمتهمين الأفارقة، ملمّحا إلى عدم وجود تطبيق فعلي لقرارات الطرد من التراب الوطني وإرجاعهم الى بلدانهم الأصلية رغم أن اقامتهم غير شرعية، وهو ما يؤكد غياب سياسة صارمة للحد من الظاهرة. يمثل حاليا بمحاكم العاصمة بمعدّل يومين في الأسبوع من رعيتين إلى ثماني رعايا على الأقل من جنسيات أغلبها مالية ونيجيرية، 95 بالمئة منهم من فئة الشباب ذكور من 19 إلى 35 سنة بتهم تتعلق بالدرجة الأولى بالإقامة غير الشرعية، حيازة وثائق مزوّرة على غرار شهادة اللاجئيين، جرائم تزوير العملة، الإتجار بالمخدرات والنصب والإحتيال. وعادة ما يضطر القضاة إلى تأجيل محاكمتهم وتمديد فترة الحبس المؤقت لتعيين محامي تلقائي ومترجم في غالب الأحيان، ما يعرقل الفصل في ملفاتهم ويمدّد فترة اقامتهم في الجزائر، وهو ما يسعى إليه بعض الرعايا الذين يتعمّدون تأجيل محاكمتهم لمّا وجدوا من الجزائر أفضل مستقّر لهم بعدما كانت مجرد منطقة عبور إلى الضفة الأخرى بمساعدة شبكات مختصة في الإتجار بالبشر تعمل على نقل المهاجرين غير الشرعيين إلى الحدود المغربية لدخول قارة أوربا عبر إسبانيا، غير أن الخريطة تغيّرت بالنسبة للكثير منهم ممن باتوا يفضلون البقاء في الجزائر ويضمنون عيشهم من خلال النشاطات الإجرامية التي ارتبطت بهم كتزوير العملة، المتاجرة بالمخدرات. كما ازدادت عمليات النصب والاحتيال التي يقودها الأفارقة انتشارا وسط المجتمع، لأسباب يقول المختصون إنها قانونية بالدرجة الأولى كون الرعايا محترفي الإجرام وجدوا عقوبات النصب والاحتيال أقل من الجرائم الأخرى، وصاروا يتموقعون في مناطق محدّدة بعدما انتقلوا من الولايات الجنوبية إلى الشمال، على غرار شرق العاصمة وبالتحديد منطقة برج البحري التي أصبحت بؤرة للرعايا الأفارقة الذي يعمدون إلى تمويه مصالح الأمن من خلال إيهامهم بممارسة عمل ظاهري معيّن يخفي وراءه جريمة تمس بالأمن، ومنهم من عمد إلى الزواج من جزائريات بغرض الحصول على الإقامة قبل أن يستغّلها ضمن شبكات إجرامية منظمة، لاسيما المتعلّقة بترويج أخطر أنواع المخدرات من الكوكايين والهيرويين التي تدخل وتنقل أحيانا داخل أحشائهم كأحدث طريقة إجرامية كشفت عنها المصالح الأمنية. وإن كانت ظاهرة انتشار الرعايا الأفارقة ليست بارزة في الولاياتالشمالية بشكل كبير وأغلب جرائم اقتصرت على المساس بالممتلكات، فإن السكان الجنوب باتوا يشتكون تعرّضهم لعمليات اعتداء وسرقة على يد هؤلاء. وبين هذا وذاك يظل لترحيل الرعايا الأفارقة نفقات إضافية تتكبدها الخزينة العمومية الجزائرية.