”الثورة أعظم من الرجال” هو مغزى مسرحية ”اللاز” للمخرج يحيى بن عمار التي عرضت يوم السبت الفارط بالمسرح الوطني الجزائري، والتي اقتبس نصها الكاتب محمد بورحلة عن رواية ” اللاز” للكاتب الجزائري الراحل الطاهر وطار. تنطلق أحداث المسرحية من الكمين الذي نصبه الاستعمار الفرنسي لمجموعة من المجاهدين ويسقط فيه العديد من الضحايا، ولكن في الوقت نفسه يتمكن بعضهم من الفرار فيبدأون في محاسبة أنفسهم عن الخطأ وأين يكمن الخلل الذي مكن جنود الاستعمار من الايقاع بهم في ذلك الكمين. ”الشك” و”الخيانة” مصطلحان ينفثان سمومهما داخل صفوف المجاهدين، يراود الشك بعضهم بأن الكمين الذي وقعوا فيه كان بسبب خيانة أحد المجاهدين لهم وهو ”السي زيدان” المتشبع بالأفكار الشيوعية رفقة رفيقه ”السي جلال”. ”السي العيد” يحاول إقناع ”السي حكيم” القائد بأن ”السي زيدان” خائن وهو من باع المجاهدين وأبلغ جنود الاستعمار الفرنسي بمرورهم من ذلك المكان الذي وقع فيه الكمين، بحكم أنه أطلق رصاصة قبل انقضاض الجيش الفرنسي عليهم، وهو ما اعتبره ”السي العيد” إشارة من ”السي زيدان” للجنود الفرنسيين. مسرحية ”اللاز” لمسرح سوق أهراس من اقتباس محمد بورحلة، حملت كثيرا من الرمزية، خدمها في ذلك النص العميق للكاتب الكبير طاهر وطار، وفي ديكور بسيط إلى أقصى حد وذكي في الآن ذاته، تداولت عبره أحداث العمل، لتغوص في حقيقة تاريخية، رسمها رجال حملوا السلاح ضد المستعمر الفرنسي، ووضعوا اليد في اليد في سبيل الهدف الأسمى، رغم أن فيهم المتشبع بالفكر الليبرالي، وآخرون ماركسيون من اصحاب البعد الاشتراكي. سبع شخصيات في زيها العسكري، صوروا ذلك التخوين والتهم التي كانت تقع أحيانا بسبب التوجس من كل ما هو فكر مخالف، هذه الشخصيات تكون في البداية عبارة عن تماثيل لمعلم تاريخي، يحركها ”اللاز”، حين يبث الحوار فيها لتعيد تجسيد واقعة سقوطهم في كمين محكم للعدو، خلف في صفوفهم خسائر فادحة، هنا، يغرق ”السي بلعيد” في شكوكه، فكل المعالم تؤشر إلى وجود خيانة، تبدأ المحاكمة بين الشخصيات، و”اللاز” يتفاعل بكلامه الشحيح، وعبارته المتكررة باستمرار ”‘ما يبقى في الواد غير حجارو”. لم يكن صعبا أن تتوجه أصابع الاتهام نحو ”سي زيدان” بقبعته الروسية ورفيقه ”سي جلال”، فهما مشبعان بأفكار غريبة عن المجموعة، درسا في روسيا، يرددان عبارات مبهمة، عن العدالة الاجتماعية والاشتراكية...، هذا كان يكفي ليكونا المتهمان الأولان، يخيران بين الإعدام والسلخ، وإما الانسلاخ، من هذا الانتماء. لغة المسرحية جاءت في مجملها بلغة عربية فصيحة، تمكن الممثلون إلى حد مقبول جد في إيصالها بتمكن، برهنوا بذلك عن نجاح الكاستينغ المنجز. البطل الرئيسي ”اللاز” أوحى بالجنون، ليكون صوت الحكمة والضمير، اكتفى بالتمتمة والتفاعل مع الحوارات، والصراعات. الإضاءة كانت في خدمة العمل مركزة غير مبالغ فيها، تعزل وتكشف الشخصيات وفق تطور الأحدث، لم تكن هناك إكسسوارات كثيرة، ما عدا بعض الحصوات الملقاة على الركح، الأسلحة التي طارت مع بداية المسرحية لتعلق في السماء، دلالة على أن الثورة مقدسة وفوق الجميع، إضافة إلى قطعة حديدية متنقلة كانت، حجر الأساس الذي دارت فيه الأحداث بذكاء، حولت أحيانا إلى منصة، وأخرى إلى برج مراقبة، باب، وجدار. يحسب للمخرج يحيى بن عمار قوة الكاستينغ، حيث أن الممثلين الذين اختارهم أدوا أدوارهم بكل قوة وتمكن كبيرين وتقمصوا شخصيات العمل باحترافية. وقال المخرج يحيى بن عمار بعد العرض بأن الممثلين قدموا عرضا رائعا، مضيفا بأنهم الحلقة الأهم في أي عمل مسرحي، كما قال بأنه اعتمد على سينوغرافيا المدرسة الالمانية، فاللباس في العمل المسرحي، والذي اتسم باللون الرمادي لم يكن إدانة للشيوعية في وقت أن الطاهر وطار أدان الشيوعيين وليس الشيوعية، ناهيك على أنه أدان بعض الناس في الثورة ولم يدن الثورة، مضيفا بأن الطاهر وطار كان عبقريا جدا في عمله الروائي. وكشف يحيى بن عمار بأن العمل عبارة عن اقتباس المحاكمة من خلال البحث عن الحلقة المفقودة، وقام عبرها ببناء النص والانتصار للثورة، ويتجلى ذلك في مقولة ”وفي نهاية الأمر يقول ليس مهما كيف مات زيدان بل المهم أن تستمر الثورة المهم خروج الاستعمار”. واعتبر بن عمار بأنه انطلق من الحلقة في الإخراج المسرحي من خلال تذكار للمجاهدين، معتمدا على اللون الرصاصي النظيف لاأن المجاهدين شرفاء، مضيفا بأنه رفع السلاح كدلالة على أن الثورة ارفع منهم جميعا، وتم ترك البشر يتصارعون في الافكار وهو فعلا ما كان يحصل فالصراع كان موجودا فعلا، قائلا ”بالعودة إلى بعض المذكرات نقرأ أشياء وأسرارا كبيرة حول الخلافات التي كانت موجودة بين المجاهدين، وهي أمور عادية تحدث وكان لابد من توحيد الصف من أجل الانتصار”. وقال بن عمار في الأخير أن العمل المسرحي المقدم هو عبارة عن ومضات لما كان يحدث في الثورة، فالقراءات مختلفة ”حرصنا على تقديم العمل بموضوعية وكل الأبطال متساوون”.