اعتبر عبد الله جاب الله، رئيس حزب العدالة والتنمية، خلال محاضرة ألقاها بمقر النشاطات الثقافية والرياضية أمس، بعنابة، أن التعديلات الدستورية الأخيرة مؤسسة لدولة الاستبداد، حيث لم تقم بإزالة الخلل الموجود ضمن مواد دستور 1996. وقال جاب الله إن ”المطلوب من النظام الحالي هو التوقف عن التلاعب بمقدرات الأمة وطموحاتها بتوقيف هذه المهزلة الكبيرة”، مؤكدا أن هذه التعديلات كشفت محاولات تكريس أفكار دعاة الإدماج خلال الاستعمار الفرنسي، حيث يظهر الأمر جليا في محتوى الديباجة التي أهملت بشكل واضح الفضاء الذي تنتمي إليه الجزائر، وهو الفضاء العربي الإسلامي، لتتم الإشارة للفضاء المتوسطي، ما يعني ربط الجزائر بفضاء الدول الغربية في الضفة الشمالية للمتوسط. وأبرز المتحدث أن الديباجة أرست القطيعة مع دولة بيان أول نوفمبر الذي يشدد على ”دولة جزائرية ديمقراطية واجتماعية ذات سيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية”، ما سينعكس لاحقا على البرامج الإعلامية، التاريخية، التربوية والمواقف والعلاقات مع دول العالم. وأضاف جاب الله، في انتقاد فحوى التعديلات الدستورية، أن هذه الأخيرة أهملت جوانب محورية في العديد من أبواب الدستور، منها على سبيل المثال باب المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، والذي شهد نقائص خطيرة تمس تحديد المرجعية والمبادئ الموجهة والمنظمة للمجتمع والدولة ليتم الاقتصار على ذكر أن الإسلام دين الدولة مع إفراغ الدستور من محتويات هذه المادة ودلالاتها في بقية مواده، مع عدم تحديد طبيعة نظام الحكم، ما ”سيقود لشيوع الاستبداد والفساد والعنصرية لتنشأ عوازل كبيرة بين مكونات الأمة من عرب وأمازيغ”. ومست النقائص حسب جاب الله، باب الحقوق والحريات، التي لم يذكر شطرا كبيرا منها، مثل المساواة أمام مؤسسات الدولة وواجب الدولة نحو المفرج عنهم أو المسجونين خطأ، حرمة الدين والمقدسات والحق في المعلومات وحرية النشر، والحق في الاجتماع بمجرد الإخطار، وغيرها من الحقوق الاجتماعية والسياسية. وقال إن ”هذا الخلل كان قد لازم الدساتير الجزائرية، منها دستور 96، ولم يتم تداركها أبدا وهو ما يكرس التعسف بجميع أشكاله”. وبخصوص باب تنظيم السلطات، اعتبر جاب الله أن التعديلات مجرد عدوان على مراعاة التوازن في الصلاحيات بين السلطات، مبرزا أن ”هناك جريمة مرتكبة في حق الأمة بسبب تمركز الصلاحيات بيد رئيس الجمهورية”. تأتي هذه الخلاصة من خلال وضع ثلث مجلس الأمة بيده، وتعيين القضاة، تحويلهم، ترقيتهم، وإحالتهم على التأديب، حيث لم تتم مراعاة أي شرط من شروط العلم، الكفاءة، الخبرة، الاستقامة أو الرشد العقلي، لتولي المسؤوليات العامة في السلطات التنفيذية ولا للفوز بعضوية البرلمان بغرفتيه. وأشار جاب الله إلى المادة 164، التي تمنح الحصانة لأعضاء المجالس حتى في المسائل الجزائية، معتبرا أنها تفتح المجال أمام الفساد، كما أن وقوع مجلس المحاسبة في أيدي الرئيس، يفرغه من محتواه، حيث يصبح الباب مفتوحا أمام نهب المال العام. ونتيجة لكثرة التعديلات المقدمة التي تمس التوازن الاجتماعي وأساس العدالة القانونية، أبرز المتحدث أنه ”يجب على النظام الحالي تأجيل النظر في الدستور إلى حين توفر شروط الذهاب إلى انتخابات حرة نزيهة تحت إشراف هيئة مستقلة، وبعدها تأتي مرحلة حوار وطني واسع لوضع دستور توافقي يقيم دولة بيان أول”.