كلنا وراء الجيش الوطني الشعبي، حامي حمى الوطن، في هذه المصيبة الأخرى التي حلت به، بل بنا وفقداننا 12 رجلا من خيرة أبنائنا وهبوا حياتهم من أجل سلامة بلادنا أمام التكالب عليها من كل جهة. اليوم هو للحداد، حتى وإن لم يعلن الحداد رسميا إثر هذه الفجيعة التي ألمت بنا، فعندما يتعلق الأمر بالجيش، وبالمساس بسلامة أشبالنا، ننسى كل خلافاتنا السياسية، والصراعات على السلطة، ونلتف حول هذه المؤسسة التي مازالت وحدها قائمة ووفية لقيم نوفمبر، مثلما وقفت وما زالت تقف في وجه الدمار الإسلاموي الذي استهدف الجزائر، وأمام تهديداته على طول الحدود. من واجبنا اليوم أن نلتف حول هذه المؤسسة أمام التهديدات الآتية من حدودنا الغربية أيضا، حيث لم يعد يخفي جارنا الملك أطماعه في أجزاء من ترابنا، وهو يجند في كل مرة الأحزاب وبعض الإعلام والمجتمع المدني، آخرها من أيام فقط، خرجت مظاهرات تدعو إلى ما تسميه باسترجاع أراضيه الشرقية، وهي أطماع حقيقية تغذيها أحقاد تاريخية ومخططات عربية فرنسية أمريكية، تنتظر أدنى الفرص لتنقض على بلادنا وتلحقنا بمخطط الدمار العربي. اليوم هو للوقوف إلى جانب أسر ضحايا كارثة أدرار هذه، بعيدا عن كل المهاترات السياسية، واليوم هو للوقوف خلف هذه المؤسسة، أمام المخاطر التي تهددنا، وهي مخاطر حقيقية، وليست للتخويف السياسي مثلما يدعي البعض، فاللعبة الإقليمية خطيرة وقذرة، والجزائر في عين الإعصار، وداعش ليست فقط على الحدود الليبية، بل هناك خلاياها النائمة هنا أيضا، ليس في الجبال والصحاري فحسب، بل في كل المؤسسات الأخرى، بما فيها الإعلام المأجور، فالحرب على الإرهاب التي انتصرنا فيها لسنوات مضت، ما زال انتصارنا عليها ناقصا، ومنطقة الساحل تمر بمرحلة عصيبة، ويجري على أرضها صراعات إقليمية للقوى الكبرى، تماما مثلما يجري جانب من الصراعات الأخرى على الأراضي السورية والعراقية. يتوهم من يعتقد أننا في مأمن من أي تدخل أجنبي، وفي مأمن من سباق فرنسي أمريكي على بلادنا وثرواتنا، ولا خلاص لنا من هذا الخطر إلا من خلال جيش قوي مسنود من الأوساط الشعبية مثلما كان ذلك أثناء الأزمة الأمنية التي مرت بها البلاد. فسوريا ما كانت لتصمد أمام مخطط التقسيم والدمار، لو لم يقف جيشها بقوة وبمساندة قوى صديقة أمام إرهاب متعدد الجنسيات، وإلا لكان مصيرها لا يختلف عن مصير ليبيا، أو مصير العراق الذي حل الاحتلال الأمريكي. فلولا تصدي الجيش طوال السنوات الفارطة إلى الجماعات الإرهابية في الصحراء وفي مناطق تيزي وزو، آخرها عملية تيزي وزو وعملية الوادي لانهارت الأوضاع الأمنية. فالجيش بقيادته في تحرك دون هوادة لملاحقة الإرهابيين. مصير البلاد وأمنها ليس بين يدي المتصارعين على المناصب والكراسي وإنما بين يدي رجال هذه المؤسسة التي فقدت اليوم ثلة من أبنائها، من أبنائنا. فتعازينا لأهالي الضحايا ولأنفسنا! حدة حزام *********** من أعالي لالا ستي!
ساد صمت ثقيل داخل سيارة ”الدي أس” السوداء طول الطريق عبر المنعرجات الضيقة. صمت زادته الرياح وزخات المطر ثقلا، رغم منظر الثلوج المتراكمة فوق أشجار الصنوبر الحلبي الجميل، بل زادته ثقلا وسأما الأخبار التي ينقلها المذياع عن عودة وزير الطاقة الأسبق، والذي تم تبييضه كصفحة جديدة، رغم ثقل الفضائح المنسوبة إليه عبر الإعلام الوطني والدولي، فهو متابع في قضايا رشاوى من قبل العدالة الأجنبية، لكن ”يبقى المتهم بريئا حتى تثبت إدانته”. مثل أجاب به السائق عن تساؤلات الرئيس الذي لم يفهم ما وصلت إليه العدالة من تهاون، بل درجة الفساد المنتشر في البلاد والذي لم يعد يحرك ساكنا. أرقام بالملايير عن صفقات مشبوهة، وتهريب أموال إلى الخارج. لكن ما ضره أكثر، أن أخبارا تناقلتها الصحافة ومواقع التواصل الاجتماعي تفيد بأن هناك عفوا رئاسيا عما أسمته أخطاء في التسيير عن إطارات الدولة! ”لا تحاول الكذب على نفسك وعلي يا بني! ليس هناك دخان بدون نار، كان عليهم أن يتركوا العدالة تأخذ مجراها ويستدعى المتهم، ليرد على التهم، فمجرد حمايته من الوقوف أمام القضاء، مؤامرة ومؤامرة سخيفة، بل تواطؤ وربما خوف من كشف المستور، فالثقة التي تحدث بها الرجل وهو ينزل القاعة الشرفية بالمطار ويفرش له الإعلام ”المستقل” السجادة الحمراء ويدافع عنه دفاعا مستميتا، دليل على أن الرجل يتكئ على قوة ما، أو أنه يحوز هو أيضا أسماء وملفات، لا تريد السلطة فضحها أمام الرأي العام”! ويضيف الرئيس متذكرا قضايا الفساد التي أثيرت في وقته ”أخاف أن أندم عن الإعدامات التي نفذت لما كنت رئيسا، فقد وقعت على تنفيذ إعدامات بسبب سرقة 45 مليون سنتيم، نعم 45 مليونا، كانت وقتها مبلغا كبيرا، لكن ماذا تساوي أمام نهب الملايير وبالعملة الصعبة؟ ماذا تعني أمام تأثيرها على المجتمع عندما ينجو هؤلاء من العقاب، وفوق ذلك يهددون من فضحهم! يا للمهزلة.. يا لعاركم! هل هذه هي نماذج المسؤولين ونماذج الرجل الناجح التي تقدمونها للأجيال؟ ادخل إلى صفحات الفايسبوك لترى درجة الغضب، والسخرية من سلطتكم!”. ”ربما لا تدري سيدي الرئيس، أن وسائل التواصل الاجتماعي هي مجرد فضاء للتنفيس عن الغضب، فهي تخدم السلطة أكثر مما تزعجها، صحيح أنهم يتابعون كل ما يكتب وما ينشر بها، لكن منذ مجيء الفايسبوك، لم يعد الشباب يخرج إلى الشارع للاحتجاج، زد على ذلك ما عاشته شعوب البلدان العربية التي قادت فيها وسائل التواصل الاجتماعي انقلابات، والخراب الذي حل بعدها، ولأن الشعب الجزائري ذاق جمرة الإرهاب والخراب سنوات طوال، صار يتجنب الفوضى، وهذا تعرفه السلطة جيدا، وربما لذلك لم يعد الفساد بالنسبة لبعض رجالها يشكل فضيحة، بل صار وسيلة للحكم!”. ”ألهذا الحد انهارت القيم عندكم؟ أين الرجال، وأين النساء؟ أين أبناء وبنات حسيبة وعميروش ونسومر، ممن وقفوا ضد طغيان الاستعمار؟ كيف يسكتون اليوم أمام ما هو أخطر، ضرب الأساس، ضرب الإنسان في قيمه؟!”. أنسيت سيدي الرئيس أنك أنت من قال مرة ”ما كانش من يخدم في العسل وما يلحسش اصبعه”! ”يلحس اصبعه نعم، لكن أن يلتهم ميزانية بلد بحاله فهذا غير ممكن! لكن ما يؤلمني ما هو أخطر من سرقة المال، فالمال يستخلف، لكن الدمار الذي حل بالإنسان الجزائري في قيمه ومقوماته، لا يمكن إصلاحه لقرون أخرى. تساءلت منذ أيام عن العلبة السوداء التي تدار منها كل هذه المؤامرات”! ”أعطني سيڤارا كوبيا من فضلك!”، يسأل الرئيس سائقه. ”آه! ذكرتني سيدي الرئيس بما يجري في بلد صديقك كاسترو. أتعرف أن هافانا تستعد هذه الأيام لاستقبال الرئيس الأمريكي، بعد قطيعة دامت أزيد من نصف قرن، منذ عملية خليج الخنازير سنة 1962، سيزور الرئيس الأسود الأسبوع المقبل جزيرة ”الحرية” وسيستقبله كاسترو الشقيق الذي ورث الحكم عن أخيه”! ”أعرف ذلك، أنسيت أنني أمضي الليل أتصفح مواقع الصحف منذ أن علمتني كيف أبحر في الأنترنيت، وأتابع الفضائيات، ولا أترك صغيرة ولا كبيرة في الأخبار الدولية أو الوطنية إلا وتوقفت عندها. نعم كوبا قاومت الحصار ودفع شعبها ثمن صموده، لكنها أعطت أمريكا وباقي البلدان درسا في النضال، بل درسا في الكرامة، وقد خرجت منتصرة رغم الحرمان. فقد تفوقت في التعليم، فليس هناك أميا في كوبا، وتفوقت في الطب، وتفوقت قبل كل شيء في دروس الكرامة، لكنني أخاف أن هذا الانفتاح الأمريكي عليها سيكون وبالا على البلاد. فأمريكا هي الطاعون مثلما يسميها الإيرانيون. أعتقد أن أمريكا تسعى لنوع من حل مشاكلها الاقليمية مع بلدان جوارها، لتتفرغ للشرق، الذي تخبئ له دمارا مهولا. ستدخل مخابراتها إلى كوبا، وستلعب بعقول الشباب وستشتري الذمم وتذيقهم النعم، ومن ثم تعيث فسادا في البلاد، مثلما فعلت بكم، ليس لأمريكا صديق، إلا مصلحتها، وكان على منظمة عدم الانحياز أن تصمد أمام الإعصار الأمريكي فوحدها كانت الحل لحماية مصالح الشعوب الأخرى، لكن يبدو أن زمن الزعماء، زمن الرجال ذهب إلى غير رجعة!”. دخلت السيارة الطريق السيار واستدارت جهة الغرب، باتجاه تلمسان، المدينة التي رغب الرئيس بزيارتها، لكثرة الحديث عنها في الصحافة، ربما لأنها تذكره بوجدة، القاعدة التي احتضنت كفاحه سنوات الثورة، فهي لا تبعد كثيرا، بعد السير بضعة ساعات عبر هذا الطريق الذي صار هو الآخر رمزا من رموز الفساد لهذه المرحلة. دخلت السيارة هذه المدينة التاريخية التي كانت محطة لمطاريد الأندلس، احتضنت الآلاف منهم، ممن فروا من بطش إيزابيل وفرديناند القشتاليين، هذه المدينة، التي حمتهم من الجوع والخوف وفتحت لهم أبوابها ليعيشوا في أمان! أمر الرئيس سائقه أن يصعد به إلى أعالي ”لالا سيتي” ولحسن حظه اليوم أن الجو هنا تحسن عما تركه في سعيدة، فرغم الثلوج التي تغطي المكان إلا أن شمسا دافئة ألقت بأشعتها على أغصان أشجار الصنوبر المثقلة بالثلوج، فانعكست أشعتها البلورية على المكان فزادته صفاء وجمالا، ومن هناك طل الرئيس على المدينة الباهية. منظر مختلف تماما عن ذلك الذي تركه وراءه في مدينة سعيدة الفقيرة. تلمسان شيء آخر وكأنها جوهرة بيضاء يحيط بها الاخضرار من كل جانب، زادتها الثلوج المتراكمة، بل إنها قطعة ألماس بحجم مدينة، تشع نورا من كل جانب، يا لها من مدينة جميلة! منظر أعاد البسمة لأسارير الرجل العائد، ربما لأن له بهذه المدينة ذكريات جميلة، وربما لأنها على خلاف المدن التي مر بها حافظت على طابعها، وكأن يد العناية الإلاهية لم تر في هذه البلاد الشاسعة غير تلمسان لتسبغ عليها نعمتها! يتبع