في 17 جوان 1972 وقف الرئيس هواري بومدين على منصة عالية في خميس الخشنة وألقى خطابا مليئا بالعدل والعطف على المحرومين من أبناء الريف الذين طحنتهم 132 عاما من الاحتلال وكل الانتفاضات الشعبية وحرب الاستقلال.. بعدها بدأ بتسليم أولى عقود الاستفادة من أراضي البلديات والحبوس التي وزعت في شكل تعاونيات على المستفيدين من قانون الثورة الزراعية.. صعد فلاح أشقر إلى المنصة وصافح الرئيس واستلم منه العقد وعاد مبتسما فرحا.. بعدما كمل الحفل طلب الرئيس من حرسه أن يأتوا له بذلك الأشقر ليقابله على انفراد. ولما وصل إليه سلم عليه بومدين مثلما يسلم على أهله وأحبائه واحتضنه وضرب بلطف على ظهره.. ثم نظر إليه وأطلق الابتسامة التي نعرفها عن بومدين حين يكون زاهيا.. وقال للفلاح "أنت شاب يا بودبوز.. هكذا عرفتك دائما". ضحك بودبوز وقال لبومدين "دمت شابا ودمت تاجا أنت الرجل اللائق في الوقت اللائق".. عاد بومدين إلى جديته وسأل "هل تريد شيئا يا بودبوز ؟.. اطلب"، رد بودبوز بكبرياء "قبل هذا اليوم كنت محتاجا لهذا اليوم.. أما وقد جاء فأنا أسعد من على الأرض". كنت بلا أرض وها أنا صاحب أرض لا أريد أكثر من هذا.. أنا فلاح لا أريد غير الأرض سأفلحها وأصير بودبوز آخر.. أعدك". تصافح الرجلان الكبيران وراح كل منهما إلى عمله. بودبوز هذا يا جماعة مجاهد يعرف بومدين حين كان يقاتل الاحتلال. وبعد الاستقلال عاد إلى دواره ثم شد الرحال إلى العاصمة واشتغل في مزارع المتيجة موسميا.. حين استلم عقد الاستفادة من الثورة الزراعية ورفض عرضا من الرئيس بومدين لمساعدته شخصيا، كان يسكن في كوخ يشتعل حرارة في الصيف ويجمد برودة في الشتاء. وهذا وضع المتيجة لمن لا يعرفها. باردة شتاء وحارة جدا صيفا. هل يوجد مثل بودبوز في هذه الأيام من يعتمد على عمله ولا يقبل أن يكون اليد السفلى.. حتى لا أقول لا يتملق ويتسلق ليكون اليد السفلى؟ أنا أعرف بودبوز شخصيا وأعرف زملاءه في تعاونية للثورة الزراعية بسيدي موسى.. هم حكوا عنه وهو حكى الشيء القليل. سألته "كيف لم تطلب من الرئيس الذي عرض عليك وأنت تسكن كوخا..؟ لو طلبت منه سكنا على الأقل...". لم يدعني أكمل الكلام وأجاب "بومدين يحمل الجزائر في رأسه، هو يفكر في الجميع.. هل يعقل أن أشغل باله بمشكلتي الصغيرة؟ سأكسب من الأرض وأبني لنفسي بيتا. الله يرحم بومدين.. أما بودبوز فقد غابت أخباره.