قبل عشر سنوات زكى المجلس الشعبي الوطني قانونا قدمته الحكومة يمنح الجنسية الجزائرية آليا لأبناء الجزائريات من أزواج أجانب، ويمنحها أيضا لهؤلاء الأزواج في حال عبّروا عن رغبتهم. وقتها كتبت الصحف ورددت قنوات الإذاعة والتلفزيون الحكومية الخبر عشرات المرات وشرحته وأدلى وزراء الداخلية والعدل والخارجية ورئيس البرلمان بتصريحات وردية وفهم الناس أننا دخلنا مرحلة جميلة، خاصة وأن القانون جاء ملازما لهالة إعلامية حول المصالحة الوطنية.. رأى الناس أننا صرنا نقترب أكثر من باب التحضر إداريا وسياسيا وأخلاقيا وإنسانيا. بعد عشر سنوات من ذلك الحدث الجميل يمكن اكتشاف حالات تحتاج فيها زوجة جزائري من جنسية تونسية إلى تصريح إقامة من الشرطة كل ثلاثة أشهر كما لو أنها أجنبية جاءت في مهمة لم تكملها وتحتاج إلى وقت إضافي على ما هو مدون على تأشيرتها. المرأة زوجة جزائري من سطيف ولداها طبيبان أخصائيان يشتغلان بمستشفى المدينة، تابعا دراستهما الابتدائية والثانوية والعليا في الجزائر مع أنهما ولدا في فرنسا كون والدهما مهاجرا جزائريا وأمهما مهاجرة تونسية تزوجا في ديار الغربة قبل أربعين عاما. لما وصل الصغيران الرابعة من العمر أرسلاهما إلى العائلة في سطيف لضمان تنشئتهما جزائريين. ولم يعلم الولد أن لديه جنسية فرنسية - بحكم المولد - إلا حين أقدم على التسجيل للخدمة الوطنية فأخبره الإداريون أنه من جنسية مزدوجة ويمكنه أن يتجند في الجزائر أو فرنسا، فما كان من الشاب إلا أن شكرهم وطلب عدم التجنيد في الجزائر. غضب الأب من الإدارة لأنها فتحت طريقا للولد لا يرضاه الوالدان. فهما يريدانه جزائريا خالصا لا نصف جزائري. لما وصل الوالدان سن التقاعد عادا إلى سطيف قبل أربع سنوات على أمل أن يقضيا ما تبقى من حياتهما في دفء البلد ولم الشمل. لكن الإدارة يبدو أنها أدمنت على نشر النكبات واليأس، قابلت العودة بقرار يقضي بأن تجدد أم الطبيبين الجزائريين تصريح إقامتها كل ثلاثة أشهر من شرطة المدينة. سأل الرجل ”كيف يحدث هذا وهي زوجتي من أربعين عاما وقد حرمت نفسها من العيش مع ولديها لما كانا صغيرين يحتاجان لعطفها فقط من أجل أن يكونا جزائريين وقد صارا فعلا إطارين كبيرين يساهمان في بناء الجزائر؟”، فرد مسؤول إداري بجفاء ”هذا قانون.. نحن نتعامل بالمثل مع التونسيين”. فقال الرجل ”لكن هذه صارت جزائرية منذ تزوجت جزائريا وأنجبت منه أطفالا وهي تقيم اليوم في الجزائر لأانه موطنها”. فرد الإداري ثانية ”هذا قانون عليها بتجديد تصريح الإقامة كل ثلاثة أشهر”. يغني وزير العدل ويردد وزير الداخلية أجمل الأغنيات عن راحة المواطن، لكن الواقع يحكي المآسي. الأكيد أن العائلة تتلوى و”تموت بالقنطة” كل يوم وهي تتجرع تبعات خطأ اختيارها.. هي فعلا اختارت الجزائر وكان وقتها الاختيار الأفضل لكنها لم تتدارك بعدما صرنا في الدرك الأسفل.