ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تكثيف الشعور بالتضامن مع المصابين بالأمراض المستعصية، والوعي بأهمية تقديم المساعدة للمحتاجين إليها، خاصة في مجال التبرع بالدم، الذي بدأ يخرج من مفهوم التبرع العائلي إلى مفهوم التضامن الأشمل. حسب أحد عمال الصحة بمستشفى مصطفى باشا، فإن ”عائلات المرضى تقوم بوضع إعلانات فيسبوكية بحثا عن متبرع، وهذا سهل مهامنا، ففي السابق كنا نعاني عندما تكون هناك حاجة عاجلة مع نفاد في مخزون المستشفى، وكنا نضطر إلى أن نطلب من الأشخاص أن يتبرعوا لنا، لكننا الآن صرنا نستقبل عددا من المتبرعين ساعات - أو يوما على الأكثر - بعد نشر الإعلان على صفحات الفايسبوك أوتويتر، ونادرا ما نقع في مشكلة”. وأضاف: ”مستشفى كبير كهذا يقصده يوميا المئات من المرضى، فضلا عن المئات القابعين بداخله، ويحدث أن تفوق الحاجة ما بالمستشفى من دم. في الماضي كان الشخص لا يتبرع إلا لشخص يعرفه من العائلة أومن معارفه، ولكن حاليا يقصدنا شبان ليخبرونا أنهم سمعوا بحالة مستعجلة في مستشفانا، ويرغبون في التبرع له”. ويعلق: ”التكنولوجيا ساهمت في حل مشكلة الطرفين: المستشفى والمريض، وقد أغنتنا عن توجيه نداءات عبر الإذاعة أو إلصاق نداءات على أعمدة الخطوط الكهربائية في الشوارع المكتظة، وأحيانا نستقبل عددا كبيرا ممن فقدوا الدم في حوادث جماعية أوفي انفجار غاز أو في عمليات جراحية طارئة”. أغلب المستفيدين من هذه الظاهرة هم أصحاب فئات الدم النادرة، إذ يشير محدثنا إلى أن أصحاب الزمرة ”أو سلبي” لم يعودوا يعانون من ندرة المتبرعين، فهناك دوما شخص يقرأ النداء ويأتي لينقذ حياة أحدهم.. ”كنزة” هي واحدة من هؤلاء، تقول: ”منذ 3 سنوات خضعت أختي لعملية جراحية مفاجئة في مستشفى حجوط، كانت تشعر بأوجاع كبيرة وعندما أخذناها إلى المستشفى قال الطبيب إن الأمر طارئ وأن العملية يجب أن تتم في تلك الليلة، ولكن الطبيب كان محرجا لأن المستشفى لم يكن به أي كيس من أكياس الدم في الفئة ”أو سلبي” (وهي زمرة دم أختي)، ومن حسن الحظ أني أحمل الفئة نفسها، وعندها أخبرنا الطبيب بمدى صعوبة الحصول على متبرع ل”أو سلبي”. وتضيف: ”لو لم أكن إلى جانبها تلك الليلة لكانت أختي قد ماتت، وقد عرفت حينها مدى صعوبة الأمر، كما سمعت عن حادثة وقت قبل ذلك بفترة قصيرة، فقد أجرت إحدى العيادات الخاصة في ولاية تيبازة عملية قيصرية لسيدة تحمل زمرة ”أو سلبي” ولم يتوفر متبرع، فماتت بعد العملية مباشرة، فقررت أن أتبرع بشكل منتظم لذلك المستشفى ولكل من يحتاج إليه، ممن ينشرون نداءاتهم عبر الفيسبوك.. كما اتفقت مع إدارة المستشفى على أن أحصل على بطاقة متبرع منها، وأعطيتهم رقمي وصاروا يتصلون بي كلما احتاجوا إلى الدم”. من جهته، يبقى نقص الضمانات الصحية للمتبرع العائق الوحيد في وجه هذه العملية الخيرية، وهو ما يتحدث عنه جمال (41 سنة)، إذ يقول: ”تبرعت أكثر من مرة بالدم أو باللويحات لمريض ما، كنت أجد هذه الإعلانات في الفيسبوك، وقد كنت ألبي ما كان منها في العاصمة، ولكني أعترف أنه لا ثقة لي في الجهات التي تنقل دمي، بمعنى أني أخشى أن لا تكون الأجهزة قد تم تعقيمها من قبل، وقد سمعت عن حالات عدوى تمت عبر نقل الدم، لذلك فأنا لا أتبرع إلا بعد ضمانات قوية وفحوص مسبقة”. ويضيف: ”لقد ذهبت أول مرة إلى مستشفى الدويرة للتبرع بالدم، لكنني عدت قبل أن أقوم بما ذهبت لأجله، لقد رأيت أن الأسرّة كان عليها بقايا دم جاف، وهالني منظر أكياس القمامة ملقاة في الأروقة وأمام مدخل قاعات العلاج وغرف المرضى، فتوجست من التبرع وخشيت أن تصيبني عدوى ما، فعدت إلى منزلي ولم أفكر بالتبرع مرة أخرى فيه، ولم أعد أفعل إلا بعد معاينة المكان الذي أتبرع فيه، وأتأكد من مدى النظافة فيه”.