"عود يا بودود لدودك، وعودي يا عيشة لجرودك" أي عودي يا عائشة لأثوابك الرثة، هكذا هي العاصمة بعد مغادرة الضيف المبجل الرئيس ماكرون الذي استقبلته نساء العاصمة بالحايك مذكرين إياه بزمن الفاطمات، عندما كانت الجزائرية خادمة في بيوت الأسياد المعمرين، وليس لتذكيره بمعركة الجزائر مثلما فهم البعض، فلتلك المرحلة رجالها، ولهذه رجالها أيضا. ليت ماكرون يحل بيننا كل يوم، فقد كانت العاصمة يوم زيارته جميلة ومبتهجة وفيها شيئا من رائحة باريس بمقاهيها المفتوحة على الأرصفة وبشرفاتها وأرصفتها المزينة بالزهور والأشجار، يا الله ما أجملها عاصمتنا! يعجبني ماكرون، وهو واثق من نفسه ومن نجاح مهمته التي قادته إلى الجزائر، وكأن إرادته أوامر لن تلقى حواجز أمام تنفيذها، فقد قال في تغريدة له أنه من حق الرجال والنساء الذين ولدوا في الجزائر أن يعودوا إليها مهما كان تاريخهم، وهو يقصد بذلك الحركى وحقهم في العودة إلى الجزائر، فقد حاول الكثير من السياسيين قبله افتكاك هذا الحق لكنهم لم ينجحوا، أما ماكرون فسينجح، بل وسيتطلع الحركى والأقدام السوداء إلى ما أبعد من ذلك، ومن يدري قد يجد بعض كبار القوم أنفسهم مجبرين على مغادرة بيوتهم لأن أحفاد المعمرين الذين أجبروا على الفرار بعد الاستقلال يعودون، وقد وافقت المحاكم على استرجاع أملاكهم، مثلما طالبت من أيام حفيدة أحد المعمرين أراضي تدعي أنها ورثتها من والدها، وننسى أن انتصار الثورة كان لاسترجاع أملاك الجزائريين الذين افتكتها منهم فرنسا الاستعمارية. شيء جميل أن نستقبل ماكرون بحفاوة، فهذه شيمة الجزائريين، لكن لماذا لم نستقبل لا بوتين ولا مادورو الذي زارنا مرتين خلال الصائفة الماضية، ولا غيره من الرؤساء بهذه الحفاوة، لا أعتقد أن الفيزا وحدها كانت وراء حرارة الاستقبال، وهو يقول لهم بما معناه أبقوا في بلادكم فنحن لسنا بحاجة لكم وأن إجراءات منح الفيزا ستعرف التضييق من جديد. لست ناقمة على ماكرون ولا ناقمة على زيارته، فبلدانا محكومين بتاريخ مشترك حتى وإن كانت لا تزال تنزف صفحاته دما، ومحكومون بثقافة متقاربة، لكن ما يحز في نفسي أن الجهة المضيفة كانت متنحية تماما، لا بيانات ولا أخبار تسر وتطمئن الجزائريين أننا بخير وما زلنا نذود عن مصالحنا أمام أطماع فرنسا المتعاظمة. لست ضد صداقة مع ولا ضد لتعاون مع فرنسا، ولست أتنكر لثقافتها، فكم التهمنا من كتبها القيمة، وتنورنا بلغتها، لكن ما يؤلمني أننا نتنحى ثقافة وشعبا وهوية أمام الطرف الفرنسي، حتى مسؤولونا لا نراهم يبتسمون إلا وهم يستقبلون فرنسيا حتى لو كان عمدة آخر قرية فرنسية. هنيئا لفرنسا بكل ما تجنيه منا!