كرم المجلس الأعلى للغة العربية مشكورا الدكتور محي الدين عميمور.. والمهم في الأمر ليس هذه اللفتة الكريمة من هذه المؤسسة نحو إعلامي مميز ظل يحترق كالشهاب الراصد ليرجم كل من يستحق الرجم من كل وسواس خناس.! الجميل في هذا الحفل أن الذين حضروا وتكلموا في مناقب وحتى مثالب الرجل.. تكلموا من منطق أن المحتفى به كان بالفعل ظاهرة إعلامية.. فعميمور هو الإعلامي الجزائري الوحيد الذي تقلب في مناصب المسؤولية وفي مواقع حساسة في الإعلام ولكنه لم يتخل أبدا عن قلمه.. فكان يكتب باسمه الكامل عندما يتطلب ذلك الإفصاح عن الرأي.. ويكتب بأسماء مستعارة عدنما يكون الوضع لا يتطلب أن يخرج رأسه للناس.! ولكنه كان دائما يكتب.! وبذلك فند الدكتور عميمور مقولة أن المسؤول ينبغي أن يخضع لعملية "إخصاء" ثقافي إسمه واجب التحفظ.! كان الدكتور عميمور لوحده في الرئاسة مؤسسة إعلامية قوية.. كان عبارة عن رئيس جوقة أو رئيس فرقة سمفونية إعلامية حقيقية صنعت ذلك التناغم بين الإعلام بمختلف قنواته ومنابره، وبين المشروع الوطني للبناء الذي كان اللحن الخالد لتلك المرحلة.! الدكتور عميمور كان يرى وسائل الإعلام بمختلف فروعها عبارة عن آلات عزف في فرقة واحدة. كان يرى في التلفزة عبارة عن طبلة كبيرة، ويرى في الإذاعة الوطنية زرنة بوعلام تيتيش، وفي وكالة الأنباء جوقا كبير.. وفي الصحافة المكتوبة قصبة الجرموني والشيخ حمادة وعين تادلس وخليفي أحمد.. عميمور في هذا السياق يقدم دائما نفسه عبارة عن رئيس جوقة لفرقة الإعلام الوطني الذي يشرف عليه، ولذلك كان دائما يلبس الألبافة ويمارس الأناقة عند قيادته للفرقة الموسيقية الإعلامية الوطنية. كان عميمور يمكّن الطبل من إحداث الدوي المطلوب في الفرقة، إذ كان اللحن المطلوب عزفه إعلاميا يتطلب التطبيل المسموع بقوة.. وقد يعطي الأولوية للناي إذا كان الأمر يتطلب الشدو بما ينبغي أن يشدو به الإعلام الوطني..! وباختصار عميمور لم يكن مدير الإعلام للرئاسة.. بل كان قائدا بارعا لفرقة موسيقية تسمى الإعلام الوطني.. وعندما غادر عميمور الرئاسة، حدث ذلك الخلل الرهيب في الأداء الإعلامي، فأصحبت الفرقة الإعلامية تعزف ألحانا نشازا.. فلم يعد الفحل فحلا ( الجواق) ولم تعد القصبة قصبة.! ولم يعد الطبل طبلا ولم تعد الزرنة زرنة.! وأصبح كل عازف يغني على لبلده.! فعرفنا الألحان الإعلامية التي هي أقرب إلى الرأي الممحون منها إلى الإعلام الوطني الذي يحمل قضية.. وأتذكر أن الزميل كمال بلقاسم قال في أحد الإجتماعات التي عقدت لدراسة تدهور الأداء الإعلامي وانسجامه قال: إن الأمر يتحقق بغياب رئيس جوقة إعلامية.. فالبلاد بها عازفون.. وفيها لحن جميل.. ولكن لا يوجد عازف ماهر كي يجعل أعضاء فرقة الإعلام يعزفون النوطة المناسبة في الوقت والمكان المناسبين وبالصوت والأداء المناسبين. وقدلا أكون جانبت الصواب إذا قلت إن أزمة الإعلام الجزائري ما تزال قائمة إلى اليوم، وهي أزمة غياب قائد جوقة وليس ندرة العازفين أو اللحن، وحتى عندما أسندت مهمة رئاسة الجوقة الإعلامية للدكتور ثانية لم ينجح.. لأنه طُلب منه أن ينجز فرقة إعلامية بالآت الساكسو والطنبور والطرنبيطا.. وذلك لم ينجح كما نجح أول مرة.! والأمر هنا لا يعود لفساد اللحن بل يعود إلى عدم انسجام آلات العزف مع الواقع المعزوف.! بقي أن نقول هنا إن تكريم الدكتور عميمور في الأوراسي من طرف المجلس الأعلى للغة العربية ذكرني بسنوات نهاية الستينيات عندما كان الدكتور يكتب عن قرار بومدين بتعريب الجزائر سنة 1971.. كان يكتب عن عملية اقتراب الموعد الذي حدده الرئيس للتعريب بطريقة العد التنازلي.. أي بطريقة العد لانطلاق المركبة الفضائية أبولو.! وفي ذلك تنبيه للغافلين.. كما كان يقول.!