مع تعديل الدستور، كثر الحديث عن النظام السياسي الذي هو في واقع الأمر الطريقة التي يتم بها توزيع السلطة وتحديد العلاقة بين الهيئتين التشريعية والتنفيذية. ومن هنا يتم تصنيف النظم السياسية حسب المختصين إلى ثلاث أنظمة. فإذا تم الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن شكل النظام يكون رئاسيا كما في الولاياتالمتحدة. أما إذا تم الدمج بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن النظام يكون برلمانيا كما في بريطانيا، وفي حالة الأخذ ببعض مميزات النظام الرئاسي وبعض مميزات النظام البرلماني فإن النظام الناتج يطلق عليه تسمية النظام شبه رئاسي كما في فرنسا وسويسرا وفنلندا والبرتغال، وكثير من الدول العربية والإسلامية مثل إيران. السلطة المطلقة للرئيس في النظام الرئاسي، حسب القانون الدستوري ،الرئيس هو المسؤول الوحيد كونه منتخباً من قبل الشعب، والوزراء مسؤولون سياسيا أمامه فقط وليس أمام البرلمان. تعتبر الولاياتالمتحدة حاضنة هذا النظام وقد انتهجته منذ وقت طويل. ويقول المتابعون لتطور الأنظمة بأن "النظام الرئاسي الأمريكي صمم بطريقة تمكن كل سلطة من السلطات من الحد من قدرة السلطتين الأخريين على اتخاذ القرارات على نحو منفرد". فالسياسات التي يقترحها الرئيس في الولاياتالمتحدة لا بد من موافقة الكونجرس عليها وإصدارها على شكل قوانين. ولا يخرج قانون من الكونجرس حتى يقره مجلسا الكونغرس (النواب والشيوخ) بنفس الصيغة. ولا يصبح القانون نافذا حتى يتم "الموافقة عليه" من قبل الرئيس الذي يمكنه استخدام حق الفيتو ضد القانون و يرفض التوقيع عليه. وكون النظام الرئاسي يتميز بأنه يقوم على مبدأ فصل السلطات، فإن السلطة القضائية في الولاياتالمتحدةالأمريكية تتمتع بحق إلغاء القوانين التي يسنها الكونغرس والقرارات التي يصدرها الرئيس إذا وجدت أنها مخالفة للدستور . وتتألف السلطة التنفيذية في هذا النظام من الرئيس فقط الذي يعمل كرئيس للدولة وللحكومة في الوقت ذاته. فليس هناك رئيس وزراء، والرئيس هو الذي يشكل الحكومة، ويكون الوزراء مسئولين أمامه. ولا يمكن في النظام الرئاسي، الجمع بين عضوية أكثر من سلطة في نفس الوقت، ومن هنا لا يمكن أن يكون أحدهم نائبا في البرلمان ووزيرا في نفس الوقت، كما لا يستطيع الرئيس حل البرلمان و لا يستطيع البرلمان إسقاط الرئيس إلا في حالة الخيانة العظمى . ومن الأمور التي تؤخذ على النظام الرئاسي أنه يفرز نظاما يأخذ فيه الفائز بكرسي الرئاسة كل شي، وهو بالتالي لا يسمح بتمثيل مختلف الجماعات الموجودة على الساحة، ويؤدي إلى تركيز السلطة وخصوصا إذا تم تبنيه في دولة غير فدرالية. وعندما يكون هناك حزب واحد فقط يسيطر على الحياة السياسية. والملاحظ أن عدد الدول التي تتبع النظام الرئاسي قليل، فإضافة إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية هناك كولومبيا، كوستاريكا، وفنزويلا. رئيس الوزراء هو السلطة الحقيقية أما النظام البرلماني فيتم فيه دمج السلطتين التنفيذية والتشريعية معا، وينسب هذا النظام إلى بريطانيا كونه نشأ فيها، وهو الأكثر انتشارا في العالم حيث يتعدى عدد الدول التي تعمل به عشرون دولة مثل كندا، استراليا، نيوزلندا، الهند، وهي مستعمرات بريطانية ،إضافة الى دول أخرى تنتهج هذا النظام مثل اليابان والدانمرك والنرويج والسويد وهولندا .... في النظام البرلماني عادة مايكون رئيس الوزراء أو رئيس الحكومة أو المستشار كما يسمى في بعض الدول الأوروبية، عضوا في البرلمان ورئيسا للحزب صاحب الأغلبية، يشكل حكومة ائتلافية ويختار وزارءه في غالب الأحيان من بين أعضاء حزبه في البرلمان أو من أعضاء الأحزاب المؤيدة له. وتتوزع السلطة التنفيذية في هذا النظام على رئيس الدولة ورئيس الحكومة، فرئيس الدولة رئيسا أو ملكا عادة ما يمارس سلطات اسمية ورمزية، ورغم هذا فإن الأنظمة البرلمانية لا تتعامل جميعها بنفس الطريقة مع الرئيس حيث تختلف مهامه حسب طبيعة اختياره، فإذا تم انتخابه بطريقة مباشرة من الشعب فإن ذلك يعني أن الرئيس يتمتع ببعض السلطات الفعلية كما في النمسا. أما إذا كان الرئيس منتخبا بطريقة غير مباشرة، أي من قبل البرلمان أو من مؤسسات أخرى فإن مهامه تصبح محدودة كما هو الحال في الهند وألمانيا. وتبقى ممارسة السلطة بطريقة فعلية لرئيس الوزراء أورئيس الحكومة وللوزراء الذين يقومون بتدبير وتسيير الشؤون العامة، وتعتبر الحكومة مسئولة أمام البرلمان، فإذا أخطات يترتب عن هذا إمكانية سحب الثقة منها من قبل البرلمان. ولتفادي هذا يلجا الوزراء الذين أخطؤوا إلى تقديم استقالاتهم .. ويرى فقهاء القانون الدستوري أن الأنظمة البرلمانية تساعد في الحفاظ على تماسك الدول التي يتصف تركيبها السكاني بالتعددية ( قبائل، مذاهب، مناطق، أعراق) وذلك من خلال قدرتها على تمثيل مختلف الفئات الاجتماعية في العملية السياسية، وبالتالي الحفاظ على الاستقرار السياسي. إصلاحات ديغول و تعايش ميتران وبخصوص النظام شبه الرئاسي فهو خليط بين النظام الرئاسي و البرلماني، يكون فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء شريكان في تسيير شؤون الدولة. ويختلف هذا النظام عن النظام البرلماني في أن رئيس الجمهورية يتم اختياره من قبل الشعب. ويختلف عن النظام الرئاسي في أن رئيس الوزراء مسؤول أمام البرلمان ويمكن للبرلمان محاسبته وسحب الثقة منه .. نشأ هذا النظام في أحضان النظام البرلماني، حيث اتجهت بعض النظم البرلمانية المعاصرة إلى تقوية السلطات الضعيفة لرئيس الدولة التي تمارسها عنه الحكومة، وقد بدأ في فرنسا بدستور 1958 حيث تم العمل لأول مرة بنظام يسيطر فيه الجهاز التنفيذي وأصبحت لرئيس الجمهورية سلطات واسعة فاقترب النظام الفرنسي والذي هو برلماني أصلا من النظام الرئاسي، وسمي ما وقع بالنظام شبه الرئاسي. والذي قام بتجسيد الفكرة هو الرئيس الفرنسي شارل ديغول الذي وضع دستور جديد عرضه على الاستفتاء الشعبي عام 1958 وكان ديغول يرى أن نظام الأحزاب تسبب في فشل الدولة، وهذا ما يستدعي منه إصلاح مؤسساتها، وتم ذلك على مراحل بداية بدستور عام 1958 الى غاية عام 1962 حيث تم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب .. قوة رئيس الجمهورية في هذا النظام تكون بقوة الأغلبية التي يحصل عليها، والتي تقاسمه نفس التوجه. وقد وصلت قوته الى أنه يقيل الحكومة رغم أن الدستور لا يخول له ذلك نصا ، وموازاة مع هذا يحافظ هذا النظام على قوة الحكومة التي تنبع هي أيضا من الأغلبية البرلمانية ، وقد استمر النظام شبه الرئاسي في فرنسا على هذا الحال في الستينيات والسبعينيات ومنتصف الثمانينيات، لكن تم إنهاء هذه الازدواجية عندما فقد الرئيس فرانسوا متيران الأغلبية اليسارية التي ينتمي إليها في الجمعية العمومية - البرلمان - عام 1986 وهذا ما أجبره على اختيار رئيس وزراء من اليمين هو جاك شيراك ، وعرف هذا فيما بعد ب" حالة التعايش". وفي مثل هذه الحالة التي لا يتوفر فيها الرئيس على الأغلبية يفقد صلاحياته ويترك بعضها للحكومة التي تكون صاحبة المبادرة وتواجه مصيرها مع البرلمان. من إيجابيات النظام الشبه الرئاسي هو إعطاؤه الحكومة حق إصدار القرارات التي لها فاعلية القوانين بشرط موافقة رئيس الجمهورية عليها. ومنحها أيضا الحق في اقتراح القضايا التي يجب مناقشتها في مجلس الشعب و يعطي هذا النظام الحق لرئيس الجمهورية في حل مجلس الشعب، ومن جهة ثانية يمكن للمجلس أن يسحب الثقة من رئيس الوزراء أومن أي وزير آخر . لكن يبقى العائق الكبير الذي يواجه هذا النظام هو عندما تتصادم مصالح رئيس الجمهورية مع مصالح رئيس مجلس الوزراء الذي يمثل الأغلبية في البرلمان. ومن المآخذ على هذا النظام استخدام رئيس الجمهورية لقانون الطوارئ لسنوات طويلة، وإساءة استخدامه لحق الاستفتاء، وبعض هذه الحالات سائدة في كثير من الدول الآن .