وقد ورد في صحيح مسلم عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأولين بفاتحة الكتاب وسورتين ويسمعنا الآية أحياناً. وكان يطول الركعة الأولى من الظهر ويُقصر الثانية وكذلك في الصبح". فقوله:"كان يُسمعنا الآية أحياناً" فيه بيان جواز الجهر في القراءة السرية. وأن الأسرار ليس بشرط لصحة الصلاة. هذا وقد ورد أن سبب نزول قوله تعالي:" وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً "(الإسراء 110) أن هذه الآية نزلت والرسول متواري بمكة. كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع المشركون ذلك سبّوا القرآن وسبّوا من أنزله ومن جاء به. فقال الله تعالى لنبيه - صلى الله عليه وسلم:(ولا تجهر بصلاتك) أي بقراءتك حتى لا يسمع المشركون (ولا تخافت بها) أي عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن. (وابتغ بين ذلك سبيلاً). وجاء في بعض الروايات:"فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك. يفعل أي ذلك شاء". وبهذا يتبين أن الجهر في المغرب والعشاء والصبح، وأن الإسرار في الظهر والعصر استصحاب لوقت المشروعية الأول حين كان المسلمون لا يجهرون بالقرآن نهاراً خشية عنت المشركين. وأما الجهر في الجمعة والعيدين وصلاة الاستسقاء وغيرها فلأنها شرعت في المدينة بعد الهجرة وقت أن كان للمسلمين السلطة والدولة.