يسود هدوء حذر العاصمة اللبنانية، غداة يوم من المواجهات العنيفة بين المتظاهرين وقوات الأمن في بيروت خلّفت عشرات الجرحى، في انتظار تصعيد جديد مرتقب اليوم أمام مقر البرلمان، تمت الدعوة إليه عبر مواقع التواصل الاجتماعي تنديدا بالتأخر في تنفيذ مطالب الشارع. وذكرت تقارير إعلامية، أن هدوء نسبي يطبع الأجواء في بيروت بعد يوم من الاشتباكات العنيفة بين المتظاهرين الذين نظموا مسيرة إلى مقر البرلمان، وقوى الأمن اللبنانية، على خلفية التأخر في تنفيذ مطالب المحتجين ورفض الشارع للتشكيلة المتداولة للحكومة المرتقبة برئاسة حسان دياب، معتبرين أنها تمثل استنساخا للحكومة المستقيلة وتلتف على الإرادة الشعبية للاحتجاجات المستمرة منذ 17 أكتوبر الماضي. وقالت التقارير، أن قوات الأمن مدعومة من الجيش اللبناني استعادت السيطرة على الوضع بعد الاشتباكات المحتدمة التي كان وسط بيروت ومحيط مقر البرلمان مسرحا لها، ولعدة ساعات مساء اول أمس. وذكر مراسلون صحفيون، أن وسط بيروت بدى امس وكأنه منكوب جراء انتشار الحجارة في الشوارع والحطام وأثار التدمير الواسعة والحرائق والقنابل المسيلة للدموع وتحطيم الأشجار واللافتات الإعلانية والأعمدة المرورية وتهشيم واجهات مجموعة كبيرة من المباني والمحال التجارية والمؤسسات والسيارات. وحسب آخر حصيلة مؤقتة للمواجهات أصدرها الصليب الأحمر اللبناني وهيئة الدفاع المدني، فان 377 شخص بين عناصر أمنية ومتظاهرين أصيبوا في الاشتباكات تلقى بعضهم العلاج في عين المكان وتم نقل آخرين إلى المستشفيات. واستنكر رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، سعد الحريري، مشهد المواجهات والحرائق وأعمال التخريب في وسط العاصمة، واصفا إياه بأنه مشهد مجنون ومشبوه ومرفوض، ويهدد السلم الأهلي وينذر بأوخم العواقب، مشددا في تصريح بأنه لن يتم السماح لأي كان أن يعيد العاصمة اللبنانية كساحة للدمار والخراب، في إشارة إلى مظاهر الحرب الأهلية التي شهدها لبنان ما بين أعوام 1975 إلى 1990. وضم الحريري صوته إلى الرئيس اللبناني ميشال عون، بدعوتهما القوات الأمنية، التدخل لحماية بيروت ودورها وكبح جماح العابثين والمندسين، على حد قولهما. وغداة التوتر الذي شهدته بيروت على نحو غير مسبوق منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للطبقة السياسية الحاكمة في 17 أكتوبر الماضي، أطلق ناشطون عبر مواقع التواصل الاجتماعي دعوات للتجمهر مجددا أمام مقر البرلمان في إطار مسيرة تحت عنوان لن ندفع الثمن ، احتجاجا على استمرار تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية وللضغط من أجل الإسراع في تشكيل حكومة اختصاصيين بعيدة عن الأحزاب المتهمة بالفساد. تعثر تشكيل الحكومة وازدياد حدة الأزمة المالية ويقول المحتجون، إن مواصلة التحرك يأتي للتأكيد على مطالبهم بعد مرور 93 يوما على انطلاق التحركات الاحتجاجية، جراء تردي الأوضاع المعيشية بالبلاد والتأخر في تشكيل حكومة تكنوقراط، خلفا لحكومة سعد الحريري التي استقالت في 29 أكتوبر الماضي، تحت ضغط الشارع. وتزداد نقمة اللبنانيين على الطبقة السياسية والمصارف التي تشهد يومياً إشكالات مع المودعين الراغبين بالحصول على أموالهم، في خضم أزمة سيولة حادة تنذر بتصعيد الاحتجاجات، وسط دوامة تعثّر تشكيل الحكومة وازدياد حدّة الأزمة الاقتصادية والمالية. وعرقلت الصراعات السياسية الاتفاق على تشكيل حكومة جديدة، في حين فقدت الليرة اللبنانية حوالي نصف قيمتها، فيما أدى الغضب من القيود التي تفرضها البنوك إلى مشاحنات وعنف في بعض الفروع. ويضع رئيس الوزراء المكلف حسن دياب، وفق ما نقلت وسائل اعلام محلية، اللمسات الأخيرة على صيغة حكومية يعتزم تقديمها قريباً إلى رئيس الجمهورية ميشال عون، حيث تحدثت وسائل إعلام وصحف لبنانية الخميس الماضي عن إعلان وشيك عن الصيغة النهائية لحكومة إنقاذيه شكلها حسان دياب الذي تعهد حين تكليفه بأن تكون مصغرة ومن التكنوقراط. وقبل الاعلان عنها رسميا وفي خطوة استباقية، أعلن المتظاهرون رفضهم للحكومة المقترحة بعد تسريب أسماء شككوا في نزاهتها وحيادها. ويتهم الشارع اللبناني الطبقة السياسية الحاكمة بالفساد ويحملونها مسؤولية تدهور الوضع الاقتصادي وعجزها عن تأهيل المرافق وتحسين الخدمات العامة الأساسية، ويطالبون بحكومة تكنوقراط من غير السياسيين في أسرع وقت ممكن تضع خطة إنقاذ للاقتصاد المتداعي، حيث خسر عشرات آلاف اللبنانيين وظائفهم أو جزءاً من رواتبهم جراء أسوأ أزمة اقتصادية في البلاد في تاريخها الحديث. وأمام هذا التعثر، اعتبر رئيس حزب القوات اللبنانية ، سمير جعجع، أن المخرج الوحيد للأزمة القائمة في لبنان يتمثل في إجراء انتخابات نيابية مبكرة بعد أن فشلت الأغلبية الحاكمة في إيجاد الحلول للأزمة الراهنة. واتهم جعجع، في تصريحات صحفية الأربعاء الماضي، الأكثرية الحاكمة بأنها لا تعرف كيف تحكم ولا تدع الآخرين يحكمون، والناس عالقة في المشاكل، على حد قوله. وبعد إشارته إلى أن حزبه يتواجد في صلب الحراك الشعبي القائم، اعتبر المسؤول اللبناني أن الناس عادوا إلى الشارع لأنهم رأوا أن المؤسسات الدستورية التي انتظروا منها أن تصحح الأوضاع بأفضل الحالات لا تفعل شيئا، وفي أسوأ الأحوال هي تساهم في تعميق الأزمة. ومنذ 17 أكتوبر الماضي، يشهد لبنان احتجاجات شعبية للمطالبة بمكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين ورحيل الطبقة الحاكمة في بلد يعاني أسوأ أزمة اقتصادية منذ الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990.