تواصل السياسي نشر سلسلة ملفاتها حول الإنجازات المحققة في الجزائر خلال 16 سنة الأخيرة، حيث ارتأت، بعد أن سلّطت الضوء على عودة الأمن والاستقرار، والنجاحات المحققة في المجال الدبلوماسي والمشاريع السكنية والبنى التحتية المحققة، إبراز مدى أهمية التقدّم المحقق في مجال برنامج عصرنة قطاع العدالة. تعتبر مواصلة إصلاح قطاع العدالة أحد التحديات الكبرى التي يواصل رفع راهنها رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، بعد مرور سنة من عهدته الرئاسية الجديدة، حيث يطمح، في كل مرة، من خلال جملة من الإجراءات، لتتويج مسار ترسيخ الحكم الراشد وبناء دولة الحق والقانون، وذلك بتعزيز تواصل تطبيق برنامج الإصلاح في العدالة والمكاسب المحققة، حيث ساهم في تمكين القطاع من تأدية مهامه بشكل أفضل والإسهام، بشكل كامل، في تدعيم مقومات الدولة وتمكينها من فرض سلطتها. إجراءات متتالية لإصلاح أحد أهم القطاعات شرع برنامج رئيس الجمهورية في مسار إصلاح قطاع العدالة منذ سنة 2000، حيث كان يهدف من خلال ذلك الوصول لشروط مواتية لعدالة أكثر احترافية وأكثر حيادا واستقلالية في أحكامها، وكان التركيز والأولوية لتقليص فترة معالجة القضاء لملفات المواطنين، مع العمل على تكثيف الجهود في التكوين والتخصص التي يستفيد منها القضاة وأعوان العدالة، حتى تستجيب أعدادهم لمتطلبات العدالة من السرعة والإنصاف، وحتى تساعدهم معارفهم على التحكّم في ملفات الجرائم والجنح والنزاعات الجديدة. ويعتبر الأخصائيون أنه من بين المكاسب التي تحسب لبرنامج إصلاح قطاع العدالة الذي يعتبر الدعامة الرئيسية لإرساء الحكم الراشد، تدارك القطاع التأخر الذي كان مسجلا في مجالي التشريع والفصل في القضايا المتعلقة بالمرأة والأسرة، وكذا فيما يتعلق بمراعاة احترام حقوق الإنسان فيما يخص الحجز المؤقت والحبس الاحتياطي، علاوة على تحقيق انسجام في التشريع المتصل بقواعد اقتصاد السوق وحرية النشاط وحماية حقوق المستهلكين ومحاربة الجرائم التي تفشت حديثا في المجتمع الجزائري. وقد قطع قطاع العدالة، بفضل سياسة الإصلاح، أشواطا هامة في مجال مراجعة العدة التشريعية الوطنية التي أثريت بعدد هام من النصوص الجدية، سمحت بتكييف التشريعات مع الاتفاقيات الدولية ومسايرة التطورات الاجتماعية للبلاد، حيث تعد مراجعة قانون الأسرة وقانون الجنسية وتمكين الطفل من اكتساب الجنسية الجزائرية عن طريق الأم، مكسبا هاما وإجراء فريدا من نوعه في البلدان العربية والإسلامية. وتعززت المنظومة القانونية، منذ بداية الإصلاح، بتشريعات جديدة، ورؤية متجدّدة حول كيفية التعامل مع الأشكال الجديدة للإجرام، كما تم اتخاذ سلسلة تدابير لتمكين العدالة من التقرب إلى المواطن، وفي مقدمتها، الصيغ العصرية لاستخراج شهادة السوابق العدلية وشهادة الجنسية، وكذا التشريع الجديد الخاص بالمساعدة القضائية. وفي مجال التكوين وتنمية الموارد البشرية، فقد تم، وفقا لتعليمات رئيس الجمهورية، الرفع من عدد القضاة الممارسين ب50 بالمائة، ليصل إلى 3600 قاض، بعد أن كان العدد لا يتجاوز ال2500 قاض سنة 1999، فيما تم تدعيم الجهاز بمزيد من المساعدين القضائيين من كتاب الضبط، ومحضرين قضائيين وموثقين. تعميم النظام الآلي في متابعة الملفات القضائية وتم تعميم النظام الآلي لتسيير ومتابعة الملف القضائي على سائر الجهات القضائية، مع الإشارة إلى أن القطاع، الذي استفاد من مقرات جديدة منها مجالس قضائية ومحكمات جديدة، يكاد يكسب رهان السرعة في الأداء القضائي، بعد أن بلغت نسبة تنفيذ الأحكام والقرارات القضائية سنويا إلى نسب متقدمة وصلت إلى 90 بالمائة على مستوى كل التراب الوطني، وتقلصت مدة الفصل في المحاكم والمجالس القضائية، وقد رافق تحسين الأداء القضائي للمحاكم ترقية ظروف الاحتباس بفضل السياسة المتبّعة في إصلاح السجون، المتضمنة لبرنامج بناء مؤسسات عقابية جديدة، منها مؤسسات بطاقة استيعاب تصل إلى 19 ألف مكان، علاوة على إنجاز مؤسسات عقابية مفتوحة تتسع ل5000 محبوس مؤهل للتكوين في أساليب حرفة الزراعة، مع التذكير بأبرز النتائج التي توجت بها هذه السياسة والمتمثلة في تسجيل ارتفاع في عدد المساجين المسجلين لتلقي تعليم في مختلف الأطوار وفي دروس محو الأمية. كما شرع القطاع، بفضل الإصلاحات، في تطبيق برنامج إعادة إدماج المساجين في المجتمع، وهو البرنامج الذي تجلت ثماره في النتائج المحققة في امتحانات شهادة البكالوريا والتعليم المتوسط. تكييف التشريع الوطني مع المقاييس العالمية من بين الأهداف المتوخاة من إصلاح العدالة، تكييف التشريع الوطني مع المقاييس العالمية وعلى الخصوص تبني المعايير الدولية في مجال حقوق الإنسان، ومطابقة التشريع الوطني مع الالتزامات الدولية للجزائر، وتكييفه مع مقتضيات التطور الاقتصادي والاجتماعي، وقد ظهر جليا ضرورة اعتماد منهج تدريجي في مراجعة التشريع عن طريق التكف،ل في مرحلة أولى، بالمسائل ذات الطابع الاستعجالي وإعداد نصوص أخرى مرحليا، وفي هذا الخصوص، تم اعتماد برنامج تشريعي استعجالي في 30 أكتوبر 2000، تضمن مراجعة المنظومة القانونية المتعلقة بتأطير الحريات والحقوق الأساسية واستقلالية القضاء وتحسين أداء الجهاز القضائي، بما يسمح بتقريب العدالة من المواطن وجعلها أكثر نجاعة وسرعة، وتم في هذا الإطار، تعديل القوانين منها قانون الإجراءات الجزائية حيث تم التكفل بالمسائل التي اعتبرت ذات أولوية بفعل تأثيرها على ممارسة السلطة القضائية والحقوق الأساسية للمواطن، والتي تتعلق خاصة بتعزيز السلطة السلمية للقضاء على ضباط الشرطة القضائية، وتعزيز قرينة البراءة، وحقوق الدفاع، ومراجعة ظروف الحبس المؤقت، والتعويض على الخطأ القضائي والحبس المؤقت غير المبرر، كما تم تعديل قانون العقوبات، وقانون الإجراءات المدنية، والقانون المتعلق بالمساعدة القضائية. تقريب العدالة من المواطن بإعادة النظر في التنظيم القضائي وكانت البداية في إطار تقريب العدالة من المواطن بإعداد عدة قوانين تتعلق لاسيما بالتنظيم القضائي والإجراءات المدنية والإدارية، بإلغاء قانون التنظيم القضائي الذي يعود لسنة 1965 واستبداله بالقانون العضوي رقم 05-11 المؤرخ في 17 جويلية 2005، الذي كرس مبدأ ازدواجية القضاء المنصوص عليه دستوريا وحدّد كيفيات تنظيم وسير الجهات القضائية وتم الاحتفاظ بمبدأ التقاضي على درجتين ومبدأ الفصل بقاض فرد على مستوى الدرجة الأولى والفصل بتشكيلة جماعية على مستوى الجهات القضائية الأخرى، وتم تحديد تشكيلة كل جهة قضائية وكيفيات عملها، وأعيد النظر كلية في شكل ومضمون قانون الإجراءات المدنية. ومن أجل مطابقة الواقع الاجتماعي والاقتصادي، تم تعديل عدة قوانين لاسيما قانون الأسرة وقانون الجنسية وقانون المساعدة القضائية، كما بادرت وزارة العدل بمراجعة القوانين الأساسية التي تحكم المعاملات المدنية والتجارية ويتعلق الأمر بالقانون المدني والقانون التجاري. أما فيما يتعلق بحماية المجتمع من الإجرام، فقد تم تجريم أفعال جديدة في قانون العقوبات وإعداد نصوص قانونية خاصة تتعلق ببعض الجرائم الخطيرة، من بينها تعديل الأمر رقم 96-22 المؤرخ في 9 جويلية 1996 المتعلق بقمع مخالفة التشريع والتنظيم الخاصين بالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، وكذا الأمر المتعلق بمكافحة التهريب. تسهيلات إدارية في استخراج الجنسية وشهادة السوابق العدلية من ضمن الخطوات التي تحظى بترحيب كبير لدى المواطنين، التسهيلات الإدارية في استخراج الوثائق بما فيها استخراج الجنسية والسوابق العدلية، حيث أنه بإمكان المواطنين حاليا استخراج شهادة الجنسية بمجرد تقديم وثيقة تثبت هويته ودون الحاجة إلى تشكيل ملف جديد لاستخراج هذه الوثيقة، كما أنه يمكن لكل مواطن استخراج شهادة الجنسية من أي محكمة عبر التراب الوطني. ويندرج هذا الإجراء في إطار برنامج العصرنة في شقه المتعلق بتحسين الخدمة العمومية، كما يمكن لكل مواطن أن يطلب صحيفة السوابق القضائية رقم 03 الخاصة به عن طريق الأنترنت، بتعبئة نموذج موجود على الموقع الإلكتروني لوزارة العدل، ويمكن سحب الوثيقة بالمحكمة المختارة، الواردة في القائمة المبينة في الموقع الإلكتروني، وهنا لا بد من الإشارة للتطور الحاصل في الاعتماد على الأنترنت وعصرنة المواقع الإلكترونية وفق احتياجات وانشغالات المواطنين. ويرتقب أن تستمر الدولة، طبقا لتوجيهات الرئيس، عبد العزيز بوتفليقة، الذي يجعل من إصلاح المنظومة القضائية أحد أهم الركائز التي ينبني عليها برنامجه الخاص بالسنوات الخمس المقبلة، في الحفاظ على حركية مسار الإصلاح، ودعمه بعمليات جديدة في سبيل عصرنته، والمضي قدما في رقمنة الأرشيف ورقمنة سجلات الحالة المدنية على مستوى المجالس القضائية.