أثمر مسار إصلاح العدالة في الجزائر الذي شرع فيه سنة 2000 بتموقها في المراتب الأولى عالميا في تنفيذ الأحكام القضائية التي تعد معيارا أساسيا في تقييم جهاز العدالة في أي بلد، إضافة إلى اعتماد بعض نصوصها القانونية، قوانين استشارية لدى دول ومنظمات عديدة. ولم يكن تحقيق هذه النتائج صدفة بل اتخذت الدولة جملة من الخطوات على مسار الإصلاح، شرع في تجسيدها منذ عام 2000 مع اتخاذ سلسلة من التدابير الاستعجالية في مجال دعم حقوق الإنسان، تسهيل حق اللجوء إلى مرفق القضاء، إعادة الاعتبار لنظام التكوين والتأهيل. وقد سجلت سنة 2011 عمليات إصلاح هامة على رأسها رفع حالة الطوارئ ورفع التجريم على عمل التسيير وجنحة الصحافة وتوسيع مشاركة المرأة في المجالس المنتخبة. إلى جانب ذلك، تم تسجيل عدد من المشاريع الهامة التي يرتكز عليها إصلاح العدالة أهمها إعداد تشريع وطني منسجم مع المعايير والالتزامات الدولية للجزائر، تنمية الموارد البشرية لقطاع العدالة من القضاة والموظفين ومساعدي العدالة، عصرنة قطاع العدالة بإدخال واستعمال التكنولوجيات الحديثة، إضافة إلى إصلاح نظام السجون وفق المعايير التي تسمح بإعادة تأهيل المساجين وإعادة إدماجهم في المجتمع. وقد استهدفت الخطوات الإصلاحية ضمان استقلالية القضاء، تسهيل اللجوء إلى القضاء بجعل الإجراءات القضائية أكثر بساطة ومرونة، تفعيل دور القضاء وضمان مصداقيته في الفصل في النزاعات في آجال معقولة، وتحسين نوعية الأحكام القضائية وفعالية تنفيذها علاوة على توثيق الصلة بين فعالية العدالة واحترام حقوق الإنسان وتوجيه العمل القضائي لما يحقق التوازن بين مصالح المجتمع وحقوق الأفراد، وكذا تكريس الجانب الإنساني لظروف الاحتباس وتجسيد المبادئ الفضلى لسياسة إعادة التربية والإدماج الاجتماعي للمحبوسين، وذلك وفق مخطط شرع في تطبيقه في السنوات الأخيرة تحت عنوان أنسنة السجون. وقد خصت عملية إصلاح العدالة، بعد دراسة الوضعية واقتراحات اللجنة المنصبة لهذا الغرض، أربعة جوانب أساسية، حيث لا تزال الجهود الإصلاحية مستمرة لاسيما فيما يتعلق بالشق الخاص بتحسين نوعية الموارد البشرية وبمراجعة الترسانة القانونية وترقية الموارد البشرية وتحديث العدالة من خلال تطوير الهياكل والوسائل وأخيرا إصلاح المؤسسات العقابية بهدف أنسنة ظروف الحبس. وركزت مصالح القطاع على ضرورة اتخاذ خطوات استعجالية في مجال حقوق الإنسان، كإعادة الاعتبار لنظام التكوين والتأهيل، وتسهيل حق اللجوء إلى مرفق القضاء، وهو ما شرع العمل فيه سنة 2000 وكانت البداية من إعادة النظر في المنظومة التشريعية.
العصرنة وإزالة الظواهر البيروقراطية
وقد تجسدت عدة مشاريع ترتبط مباشرة بإصلاح العدالة، والمتمثلة في إعداد تشريع وطني منسجم مع المعايير والالتزامات الدولية للجزائر، متمثلة في تنمية الموارد البشرية لقطاع العدالة من القضاة والموظفين ومساعدي العدالة، وعصرنة القطاع بإدخال واستعمال التكنولوجيات الحديثة، كما مس هذا الإصلاح، إصلاح نظام السجون وفق المعايير التي تسمح بإعادة تأهيل المساجين وإدماجهم في المجتمع. كما أعيد في نفس الإطار، تهيئة مختلف المحاكم الموزعة على المجالس القضائية، عبر الوطن، حيث زودت بمختلف التكنولوجيات الحديثة وتم تأثيثها وإعادة تصميمها الداخلي وتوسيعها. وبهذا التغيير الجذري، زالت الصورة القاتمة وأجواء الفوضى والقلق التي كانت تميز ملامح المحاكم الجزائرية سابقا، ليحل محلها جو الاطمئنان والثقة. وفيما يتعلق بالهياكل التي كانت في مجملها موروثة عن الحقبة الاستعمارية والتي كان أغلبها قديما ومتداعيا تم ترميم وإصلاح هذه المنشآت علاوة على إنجاز مجالس ومحاكم جديدة للتكفل بالعدد المتنامي للسكان.. كما أن معالجة القضايا التي ظلت تتم بشكل كلاسيكي تجاوزها الزمن، أصبحت الآن من الماضي بما أن القطاع قد تمت عصرنته منذ عدة سنوات من خلال إنجاز شبكة وطنية للإعلام الآلي تربط مختلف الجهات القضائية مما يسمح للقاضي وهيئة الدفاع والمتقاضي بالاطلاع على القضايا والوثائق القضائية من خلال أي هيكل قضائي ومن كل الولايات.ومن جهة أخرى، تراجعت البيروقراطية بشكل لافت، حيث أصبحت، على سبيل المثال، عملية استخراج صحيفة السوابق العدلية عملية سهلة تتم في ساعات، بعدما كانت تتطلب أياما، وهذا بفضل إنشاء المركز الوطني لصحيفة السوابق العدلية سنة 2004، فيما تم تنصيب كاميرات للمراقبة من أجل مراقبة عمل كل من الموظفين وكتاب الضبط، وهذا بعد أن لمس المواطن تهاونا وتأخيرا في أداء مهامهم، الأمر الذي انعكس إيجابيا على عمل الموظفين حيث أصبح الانضباط يطبع يومياتهم بدل الملاسنات التي كانت تحدث بينهم وبين بعض المواطنين. وبخصوص العنصر البشري، الذي لا يمكن أن يكون هناك نجاح دون وجود رجال ونساء في هذه الإصلاحات وعلى رأسهم القاضي، حيث يتوقع القطاع أن يرتفع عدد القضاة ليصل إلى أكثر من 6.800 قاض في آفاق 2014.
تكييف النصوص وأنسنة المؤسسات العقابية
وفي خضم الإصلاحات كذلك، تمت مراجعة جميع النصوص القانونية تقريبا حتى يتم التكيف بشكل أفضل مع الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي وقعتها الجزائر، فضلا عن الترسانة القانونية التي تعززت بإصدار نصوص جديدة جاءت لتكمل الفراغ القانوني للأوضاع التي نشأت نتيجة التطور الاجتماعي والاقتصادي وعن عولمة لم تبق الجزائر خارج إطارها. كما تمت مراجعة عدة نصوص تجاوزها الزمن بسبب التحولات التي عرفها المجتمع، فضلا عن إصدار نصوص قانونية جديدة تتعلق بالظواهر الجديدة ومن بينها الجريمة الالكترونية وأخرى فرضتها اتفاقيات وقعتها الجزائر مع منظمات دولية. وبخصوص قطاع السجون، فإن الجهود ما فتئت تبذل من أجل توفير أفضل ظروف للحبس، من خلال إنجاز سجون جديدة بهدف تخفيف الضغط والاكتظاظ على المؤسسات الموجودة كما أن أنسنة ظروف الحبس قد تجسدت من خلال التكفل الصحي والتعليم والتكوين الذي أصبح ممكنا لجميع المحبوسين. وكانت إعادة الإدماج الاجتماعي من بين أهداف هذه الإصلاحات بما أن المساجين يستفيدون من متابعة واستشارة منذ اليوم الأول من فترة حبسهم وإلى غاية إطلاق سراحهم، حيث تم إنشاء مصالح خارجية تابعة لإدارة السجون لضمان متابعتهم وتسهيل عملية إعادة إدماجهم في الحياة الاجتماعية. ويرى القائمون على قطاع العدالة أن آثار هذا الإصلاح الشامل للقطاع كانت واضحة عكسها التحسين النوعي للأحكام التي أصدرتها العدالة وترقية المصلحة العامة للعدالة وخدماتها كما تم تسجيل تحسن في حل القضايا والتحكم في النزاعات الجديدة. غير أن قطاع العدالة لا تزال تواجهه اليوم تحديات كبيرة خاصة في مجال مكافحة الفساد وتجسيد الآلية التي تم وضعها لهذا الغرض.
حماية الحريات الفردية وحقوق الإنسان والاقتصاد
وأمام التحديات المرفوعة أمام القطاع في إرساء دعائم استقلالية القضاء، وتطوير المنظومة التشريعية، وترقية الموارد البشرية وتثمينها، وعصرنة قطاع العدالة، من خلال إصلاح المنظومة العقابية وتدعيم التعاون الدولي، شمل إصلاح العدالة أيضا تدعيم التعاون القضائي الدولي استجابة للمتطلبات الداخلية وتجسيدا للالتزامات الدولية، من خلال إعادة النظر في تسيير وتنظيم قطاع العدالة عبر تنظيم الإدارة المركزية، وتكييفها مع المتطلبات وتحديد صلاحيات وزير العدل حافظ الأختام، مع تجسيد المبادئ الدستورية من خلال إعادة تنظيم مرفق القضاء، وتدعيم حق اللجوء إلى العدالة بموجب القانون الجديد للإجراءات المدنية والإدارية، وتدعيم حماية القيم الاجتماعية وتكريس مبدأ المساواة من خلال تعديل قانون الأسرة، وتدعيم حقوق الطفل والمرأة، بالإضافة إلى تدعيم حماية الحريات الفردية وحقوق الإنسان من خلال مراجعة الأحكام المتعلقة بالإجراءات الجزائية، وتكريس ممارسة الشعائر الدينية في ظل احترام حقوق الغير وحرّياتهم. كما شملت الإصلاحات أيضا تعزيز مبدأ حرية المعاملات إلى جانب تدعيم حماية المجتمع من ظواهر الإجرام المتمثلة في تدعيم حماية الصرف، وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، من خلال إصدار الأمر رقم 01 - 03 المؤرخ في 19 فبراير 2003، هذا القانون ألزم وزير المالية بالاشتراك مع محافظ بنك الجزائر بتقديم تقرير سنوي إلى رئيس الجمهورية حول الجرائم التي تمس بالتشريع والتنظيم وبالصرف وحركة رؤوس الأموال من وإلى الخارج، ودعم حماية المجتمع من المخدرات، والمؤثرات العقلية، دعم الوقاية من تبييض الأموال وتمويل الإرهاب ومكافحتهما، وكذا ضمان حماية الاقتصاد الوطني من مخاطر التهريب.
تسوية عادلة لطي ملف العشرية السوداء
وفي خضم الإصلاحات وتحدياتها الكبيرة، كان الملف المتضمن تنفيذ ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ونصوصه التطبيقية من أهم الملفات التي أشرفت عليها وزارة العدل، وتمكن رئيس الجمهورية من إصدار هذا الأمر بحصوله على الضوء الأخضر من الشعب الجزائري الذي زكى هذا المسعى من خلال استفتاء 29 سبتمبر 2005 ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي جمع كل ضحايا المأساة الوطنية والهدف من كل هذا هو تمكين الجزائر من الدخول في عهد جديد كما قال رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة، عهد المصالحة الوطنية الحقة، التي تغلق أشد الملفات التي عرفتها الجزائر منذ استقلالها تعقيدا. علما أن أزيد من 6400 حالة تمت توسويتها.