تعد صناعة النحاس من بين الصناعات التقليدية والحرف اليدوية التي ينتظرها مستقبل مجهول، بسبب العديد من المعوقات التي باتت تهدّد عشرات الورشات ومئات العاملين إلى تغيير وجهتهم، فهناك اجتياح صيني للأسواق المحلية وارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة تسويقه، وهو ما أجمع عليه بعض الحرفيين الذين يعملون على التمسك بهذه الحرفة وتلقينها للأجيال الصاعدة. تشتهر العديد من المدن العريقة كالعاصمة وتلمسان ووهران وقسنطينة بصناعة النحاس، نظير العادات والتقاليد الاجتماعية التي تفرض الأواني والقطع النحاسية في المناسبات الكبرى كالأعياد وشهر رمضان والأعراس والولائم العائلية، إلا أنه وأمام غزو المنتجات الصينية للسوق المحلية بأسعار جد تنافسية، دفع الكثير من أصحاب ورشات صناعة النحاس ونقشه والعاملين فيه إلى دق ناقوس الخطر أمام كساد بضاعتهم، فرغم جودتها ودقة تصميمها ونقوشها، إلا أن معادلة تكلفة الإنتاج والأسعار تميل بشكل كبير لصالح الصينيين، وهو ما أعرب عنه عمي جمال، المنحدر من قسنطينة. ارتفاع أسعار المواد الأولية من بين أسبابها ومن جهة أخرى، يضيف ذات المتحدث بقوله مهنة صناعة النحاس لم تعد كما كانت في السابق كما أن عدد الحرفيين تضاءل مقارنة بما كان عليه. حيث تم استبدال العمل اليدوي لصناعة النحاس بالآلات، ناهيك عن نقص الإمكانيات التي زادت من الطين بلة، فلم تعد لدينا نفس الإمكانيات التي كنا نتوفر عليها في السابق، كما أن الحرفيين توجهوا نحو مهن يدوية أخرى، علما أن ثمن المادة الأولية مرتفع جدا ، ليسترسل: لقد أصبحنا نجد أنفسنا غير قادرين على التكفل بالأجيال الصاعدة التي تبدي إرادة قوية في تعلم هذه المهنة الشريفة، كما أن صناعة مختلف الأدوات النحاسية من قطع تزيينية أو أوانٍ مطبخية كانت فن عيش ومهنة متجذرة عند آبائنا وأجدادنا منذ القدم . ومن جهة أخرى، أضاف عمي جمال ان النحاس كان لا يغيب عن الموائد الرمضانية في أغلب المدن بالغرب الجزائري حيث كان فطور رمضان لا يقدّم سوى في أطباق من نحاس، ويؤكد المتحدث، وهو يمسك إبريقا يعود تاريخه إلى أكثر من 150 سنة، أنه لا يمكن ارتشاف الشاي إلا من إبريق من النحاس ولا يحلو شرب الماء المعطّر بالياسمين إلا من آنية نحاسية، وبنبرة من الحزن، يقول جمال: لقد أصبحت صناعة النحاس اليوم من الحرف الآيلة للزوال . حرفيون يطالبون بدعم الصناعات التقليدية.. للحفاظ عليها وإذا كانت صناعة النحاس في الجزائر من بين الحرف المهدّدة بالاندثار، شدّد العديد من الحرفيين المنحدرين من ولاية قسنطينة على ضرورة تلقين هذه الحرفة للأجيال الصاعدة، كما يجب على السلطات المعنية ان تدعم الحرفيين من أجل التكفل بها لأنه بدون مساعدة السلطات، فإن هذه الحرفة، التي تعتبر أساسية للحفاظ على التراث الجزائري، ستضمحل إلى الأبد. ومن بين الإجراءات الخاصة بإنقاذ هذه الحرفة، دعا المتحدث إلى إنشاء فروع للتمهين للذكور والإناث على مستوى مراكز التكوين المهني خاصة بصناعة النحاس من أجل بعث هذه الصناعة بين الأجيال الصاعدة.