المتجول مساء في شوارع العاصمة يبدو له وكأنه في مدينة مهجورة غريب جدا أمر عاصمتنا، فبمجرد أن يبدأ النهار في إسدال ستاره عنها تبدأ هي كذلك في إنزال ستارها، لتبعث إشارات إنذار لكل من يتواجد في شوارعها إلى ضرورة العودة إلى بيته، ولكن الأغرب من هذا أن تكون في عاصمة البلاد ويدركك وقت المغرب ولا تجد حتى وسيلة نقل تقلك، أو تبحث عن محلات لاقتناء حاجاتك فلا تجد كذلك، أو تجد بشق الأنفس، وتصبح تلتفت يمينا ويسارا وكأنك تنتظر حدوث أي سوء، وإذا لم يساعفك الحظ وتخطيت حدود الساعة المسموح بها، فلن تجد في طريق سوى معطيات صعبة وحلولها أصعب، ولكنه بالرغم من ذلك هو واقع يعايشه سكان العاصمة كل يوم في انتظار الفرج، ارتسمت محياه مع التفاؤل بانتهاء مشروع المترو الذي طال انتظاره، والتراموي الذي من شأنه أن يخفف من حدة هذا الإشكال، ولكن وإلى أن يأتي هذا الفرج فإنه وما عدا شهر رمضان الكريم لا أمل في حياة تعج بالحركة ما بعد المغرب في العاصمة، وهو ذات الوقت الذي تبدأ فيه عواصم العالم العربي منه والغربي العد لفضاء واسع قد يستثمر لمواجهة ضيق وقت النهار والاستمتاع رفقة العائلة بوقت ممتع،تنسيهم متاعب اليوم ويستعدون لغد أفضل ولكن الأغرب من كل هذا وذاك كيف يمكن لأكثر من ثلاث ملايين ونصف جزائري يقطنون العاصمة أن ينهون حياتهم اليومية قبل أن يسدل الليل أولى ستائره؟ النقل·· الحلقة الغائبة قد نضطر يوميا للخروج من المنزل ساعات قبل مواعيد العمل والدراسة، ويصادفنا أن نبقى لأكثر من ساعتين في مسافة لا تتجاوز 02 كلم، وكثيرا ما نتأخر عن مواعدنا، أما أن نأمل في تجاوز الساعة السابعة مساءا تحت أي ظرف ممكن فلا مجال للمجازفة، لأنه وبكل بساطة فمن دون سيارة خاصة فذلك يدخل في إطار أنك تعرض نفسك للتهلكة، وللوقوف على هذه الوضعية بالذات تنقلت ''السياسي'' عبر عدد من محطات المسافرين التي تعرف إقبالا واسعا للمواطنين وفي مقدمتها محطة 2 ماي ومحطة تافورة، فبمجرد أن تدق الساعة الخامسة وجدنا أعداد كبيرة من المواطنين الراغبين في العودة إلى منازلهم والاكتظاظ والتدافع نحو الظفر بمكان في حافلة قد تجاوز عمرها 03 سنة، بعد ساعة تماما تبدأ الحافلات في التوافد السريع يعطيك الأمر انطباع أن الأمور تسير على أحسن ما يرام، لكن الأمر يتعلق برحلة دون إياب، حيث أن كل ناقل يبحث عن ملأ وحشر أكبر قدر ممكن من المسافرين في آخر رحلاته، خاصة بالنسبة لاتجاهات المؤدية لزرالدة برج الكيفان وغيرها، وكأنها رحلة على الجنة والمساومة غير مقبولة، وما إن وصلت الساعة السابعة حتى صارت الحافلات تشح بشكل متدرج إلى أن انقطعت تماما، وفي هذا الوقت بالذات سألنا سائقي الحفلات عن سبب ذلك، فكانت الإجابة شبه موحدة، لا وجود لمسافرين في هذا التوقيت، ونحن أيضا عمال لا بد لنا من الراحة، وفي وقت تجد الوجوه المتأخرة شاحبة ومتخوفة ترى في بروز حافلة من بعيد فرحة عارمة، وطوق نجاة يغني عن مشاكل ضخمة· المحلات تسدل الستار على السابعة مساء خلال تجولنا في شوارع العاصمة بعد نهاية الحياة اليومية غير الممتدة ليلا ما كان لنا سوى أن نتأسف لأن أغلبية المحلات التي تفتح أبوابها ليلا هي الملاهي، والحانات فقط، وهو ما ظهر لنا جليا عندما اقتربنا من نواحي ساحة البريد المركزي التي تعرف ازدحاما كبيرا في النهار، فيما تشكل المطاعم والمقاهي، ومحلات الأكل الخفيف نسبة ضئيلة بالمقارنة مع ذلك هذا صيفا أما شتاءا فالعدد اقل من ذلك بكثير، في وقت يعتبر فيه وجود محلات مفتوحة هو الحلقة الأهم في معادلة بعث الحياة في العاصمة ليلا في حدود عادات وتقاليد مجتمعنا، حيث لم نصادف في جولتنا سوى بعض محلات الأكل الخفيف في أودان وعدد أقل منه لصالونات الشاي، أصحاب المحلات في حديثهم ل''السياسي'' يشتكون من عدم وجود زبائن ليلا، ويطرحون مشكل بعد المسافة بين محلاتهم وأماكن إقامتهم·ف 08 بالمائة من المحلات الموجود في شارع حسيبة بن بوعلي هم من أطراف العاصمة إلى لم يكونوا من خارجها، هو ما يظهر جليا في فترات الأعياد والمواسم، وتبادر في أذهاننا ونحن نتجول ليلا في العاصمة وكأنك في مدين مهجورة، كيف لا وأنت ترى الصيدليات تسدل ستارها مبكرا لا بد في البعض منها التي لا تتجاوز الساعة السابعة كأقصى تقدير· الطلبة لا يدرسون الساعة الأخيرة من اليوم لا يمكنك أن تقنع الطالب في العاصمة على الانتظار لدراسة الساعة الأخيرة من اليوم والتي تنتهي في حدود الساعة الخامسة والنصف، لأنه وبكل بساطة لا يوجد نقل، بل لا توجد حياة في هذا الوقت، في حين يتخوف فيها طلبتنا من الساعات الأخيرة التي تصل إلى 5 ونصف، ويطلبون من الأساتذة تغيير التوقيت وإيجاد الحلول، وإن كان الأمر يتعلق بأحد قاطني العاصمة لا غير، وبعد مرور السابعة ونصف بالنسبة للصيف أما الشتاء فالأمر لن يتعدى السادسة ونصف كأقصى تقدير ممكن، فذلك يعني الوجهة غير المرغوب فيها وإن وجدت، سيارات التاكسي التي تتحول إلى سكلوندستان'' أو سيارات غير قانونية وذلك لأن السائق يستغل الفرصة لتضيق الخناق وطلب أكبر الأثمان في ظل توقيفه لعمل العداد لأن لا مجال لمناقشته في '' كورسة''· شهر رمضان يصنع الاستثناء أغلب البائعين وأصحاب المحلات التي اقتربت منهم ''السياسي'' يؤكدون عدم وجود زبائن ليلا خاصة منها الخاصة بالملابس إلا في شهر رمضان الذي يبقى الشهر الذهبي لسهرات متميزة وتقليدية لا يزال بعض العاصمين يحافظون عليها ولحسن حظ العاصمة، فيما اعتبروا أن العاصمة ليلا هي ملجأ للمجانين وسكارى، مع تركيز أغلبهم على التخوف من السرقات وكل هذا في قلب العاصمة الجزائر ولا نتحدث عن مدنها المجاورة أو على أطرافها لأن الحياة فيها منعدمة وليست موجودة ليلا، وفي سؤالنا عن أوقات الفتح والغلق كانت الإجابات شبه موحدة وتعطيك الانطباع أن الأمر يتعلق بموظف وليس بأعمال حرة يفترض فيها أن يكون عامل الوقت إضافي في المدخول وليس ثابت· رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة: المشكل في انعدام التنظيم أكد حسين آيت ابراهم رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة ل''السياسي'' أن التوقف المبكر لسيارات الأجرة راجع بالدرجة الأولى لعدم التنظيم الحاصل بصفة عامة في قطاع النقل، حيث أشار على الغياب والنقص الكبير لوسائل النقل بما فيها سيارات الأجرة وقت الذروة مع التوافد الكبير للمواطنين، ومن بين أهم أسباب غياب توفر سيارات الأجرة في هذه الأوقات، مشكل ازدحام السير الذي أصبح حسب ذات المتحدث يؤرق عمل سائقي سيارات الأجرة، مستدلا بالوقت الذي يأخذه مثلا في نقل زبون نحو شرق العاصمة مثل باب الزوار وحجم الوقت الضائع، من جهة أخرى اعتبر حسين آيت براهم رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة أن العامل الثاني متعلق بتشجيع السائق على العمل مستدلا بنزول الزبائن في حالة وجود اكتظاظ، وفي ذات السياق دائما اعتبر حسين آيت براهم أن عدم الأمن والاعتداءات التي أكد أنها تعرف منحى تصاعدي على سائقي الأجرة هي سبب التخوف من العمل ليلا، مشيرا إلى وجود العديد من الحالات المتعلقة بسرقة سيارات الأجرة ليلا مما يعني احتراز سائق الأجرة الجزائري من الوقوع في الفخاخ التي عادة ما تنصب للظفر بسيارة من طرف عصابات سرقة السيارات، أما عن انتشار ظاهرة سالكلوردستان'' في الساعات المسائية من طرف سائقي الأجرة فقد أكد ذات المتحدث أن لجوء العديد من السائقين إلى القرصنة وعدم استعمال العداد ورفع ثمن الرحلات يعود للفوضى التي يعرفها هذا القطاع والقادمة من الإدارة حسب رئيس الاتحادية الوطنية لسائقي سيارات الأجرة، حيث يلجأ سائق الأجرة إلى تغليب مصلحته والبحث بكل السبل الممكنة لتغليب مصلحته، لذا طالب آيت براهم بضرورة فتح الحوار البناء بتقديم الحلول الجذرية في ظل سكون الوزارة الوصية وعدم الرد على مطالب النقابات · وفي انتظار إيجاد الحلول المطلوبة يبقى المتضرر الأكبر هو المواطن الذي حرم من طعم الراحة لمجرد أنه لم يتمكن من دخول منزله في وقت ما كان ليكون محددا لو أن الأمر يتعلق بالعاصمة الجزائر· الطيب زيتوني ل ''السياسي'': سكون العاصمة ليلا يعود لعدة أسباب·· شرح الطيب زيتوني رئيس بلدية الجزائر الوسطى في حديثه ل ''السياسي'' ظروف غياب الحياة الليلية في قلب العاصمة، حيث أكد أن غلق المحلات هو خيار خاص من طرف أصحابها، في ظل عدم وجود قانون يجبرهم على فتح محلاتهم ليلا، من جهة أخرى اعتبر طيب زيتوني سبب نقص وسائل النقل بعد وقت المغرب في العاصمة ناجم عن عدم وجود حركية، حيث أكد أن عمل حافلات الشركة العمومية للنقل تبقي على الخطوط داخل العاصمة لكن بخدمة محدودة، حيث أشار ذات المتحدث مثلا إلى تقليص عدد الحافلات المتوجهة من ساحة أودان إلى حيدرة من 5 حافلات إلى حافلة واحدة فقط، مؤكدا في ذات السياق أن هذه الخدمة المحدودة تبقى لغاية الساعة 11 ليلا لكن عدم وجود حركية للمواطنين حسب ما أضاف رئيس بلدية الجزائر الوسطى يؤدي إلى عدم تشجيع زيادة عمل هذه الحافلات· وفي ذات السياق دائما تمنى طيب زيتوني عودة الحياة لمدينة الجزائر الوسطى التي تعاني من السكون الرهيب بالمقارنة مع بلديات اسطوالي وزرالدة مثلا في فصل الصيف، بسبب وجود مرافق مشجعة على توافد المواطنين، وهي الأمور التي تجلب عدد هام من المواطنين الباحثين عن الراحة حسب ذات المتحدث، فحين تتميز شوارع قلب العاصمة بالعدد الكبير للمحلات، التي لا تفتح أبوابها ليلا· العاصمة ليلا مرتعا للمجانين والمنحرفين هو سيناريو لا يختلف كثيرا بين البارحة، اليوم، وغدا لأن العاصمي وبعد كل تلك السنيين العجاف أصبح ببساطة لا يعرف مرادفا صحيحا لمعنى الترويح عن النفس خاصة بالنسبة للعائلات، أما الشباب فهم عادة ما يلجؤون للالتقاء في جماعات والتسامر، وهذا ما يدل على غياب تمكنهم من إيجاد القبلة المناسبة لتجمعهم، وفي خطوة منا لمحاولة الوصول إلى لب الإشكال فإن أغلبية الشباب وخاصة الشباب اللواتي يفضلن دائما عدم المغامرة في عملهم وتأكد دائما من ضمان وقت مناسب للخروج من العمل لتفادي مشاكل النقل، أجمعوا على التخوف من الاعتداءات والسرقات ولا يتعلق الأمر بشبكات منظمة بل بأبنائنا الذين اختاروا طريق غير سوي للوصول إلى مصدر لعيشهم، حيث أكد لنا أحد الشباب أن العاصمة بعد الساعة 21 ليلا هي بؤر متراوحة للفساد المتخفي عن أعين الشرطة ، هي مفارقة غريبة في الصباح قد لا تجد مساحة للسير في عدد من شوارع العاصمة كديدوش مراد والعربي بن مهيدي وحسيبة بن بوعلي وساحة أول ماي وساحة الشهداء وحي باب الوادي، ولكن وبمجرد سماع صوت آذان صلاة المغرب يدق ناقوس الخطر ويتهافت المواطنون للدخول السريع لمنازلهم حتى لا يضطروا لمواجهة أي حسابات كما لن يتأخروا في تأجيل قضاء حاجاتهم لوقت لاحق لان لا مجال لذلك· العاصميون·· ياحسراه على وقت زمان إن إشكالية قصر يوم العاصمي ليست مرتبطة بجانب دون آخر فهي وضعية تترابط عواملها بعضها ببعض، فالمكلفون بالنقل يرجعون ذلك إلى امتناع المواطنين عن الخروج ليلا، والمواطن يرجع السبب ع ليهم، وكذلك الأمر بالنسبة للمحلات، فيما يرجع القائمين على شؤون العاصمة الأمر إلى انعدام ثقافة السهر وعيش حياة الليل إلا في مناطق معينة من الجزائر، فمثلا بعض المدن الساحلية تعج بالحركة، على غرار سطاولي، زرالدة، أو حتى بومرداس، فلما يغيب ذلك عن أهم المدن، أو المدينة رقم واحد في الجزائر، ولماذا لا يتم القضاء الكلي عن كل الشوائب التي تقف في وجه عودة الحياة إلى عروس المتوسط؟ وتبقى العاصمة تنتظر الفرج، لتعود الحياة إليها ليلا كباقي العواصم الأخرى، في وقت لا تعرف فيه عواصم العالم مذاقا للنوم، تستمتع فيه العاصمة بالهدوء الغريب، برمج فيه المواطنون حياتهم على منبهات صلاة المغرب ولا مجال لأي مجازفات ولو من درب الحديث عن جولات ليلية