يُعد تأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد أربع سنوات من اندلاع الكفاح التحرري حدثا تاريخيا بارزا في مسيرة الثورة الجزائرية، وخطوة جريئة أقدم عليها قادة الثورة حيث أصبح لزاما على لجنة التنسيق والتنفيذ أمام ألاعيب الساسة الفرنسيين، ومناورات الجنرال شارل ديغول، و هو الامر الذي اشترك في التأكيد عليه مجاهدون و باحثون و مؤرخون تزامنا مع الذكرى ال58 لتأسيس حكومة فرحات عباس. يمثل تاريخ 19 سبتمبر 1958 رقما هاما في معادلة استقلال الجزائر، أين تقرر تنفيذا لقرارات المجلس الوطني للثورة الجزائرية في اجتماعه المنعقد بالقاهرة من 22 إلى 28 أوت 1958، تشكيل الحكومة الجزائرية المؤقتة استكمالا لمؤسسات الثورة ، وبهذا الحدث وُضعت السلطات الفرنسية أمام الأمر الواقع، وهي التي كانت تصرّح دائما أنها لم تجد مع من تتفاوض. و عن دوافع التأسيس أوضح منشور حديث على الموقع الرسمي للمركز الوطني للدراسات و البحث في الحركة الوطنية و ثورة أول نوفمبر 54، إن رغبة قادة الثورة في دحض ادعاء الحكومة الفرنسية في عدم وجود طرف جزائري مفاوض على رأس الدوافع، خاصة أن نية التفاوض قد اتضحت معالمها لدى الطرف الفرنسي، بعد وصول الجنرال ديغول إلى الحكم في فرنسا في أوائل جوان 1958. و ثانيا حاجة قادة الثورة إلى جهاز فعّال لكسب التأييد الدولي في خضم التضامن الدولي مع الحركات التحررية،و بالنظر أيضا الى الصعوبات التي أصبح يواجهها الثوار من الناحية العسكرية، إذ سجلّت سنة 1958 منعطف حاسم للقضاء على الثورة الجزائرية، على إثر الخناق العسكري لسلطات الاحتلال على الحدود الشرقية والغربية. و حسب نفس المنشور الرسمي الذي اطلعت عليه السياسي فقد تمّ الإعلان الرسمي عن تشكيل الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية في القاهرة بتاريخ 19 سبتمبر 1958. وفي نفس اليوم صدر أول تصريح لرئيسها فرحات عباس، الذي حدّد ظروف نشأتها والأهداف المتوخاة من تأسيسها والتي حصرها في تحقيق الاستقلال واسترجاع السيادة المغتصبة وذلك من خلال: تشكيل هيئة دبلوماسية تمثل البلاد في المحافل الدولية. وإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول. و من ثمة إرغام فرنسا على التفاوض مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية. والعمل بعدها على تحقيق الاستقلال التام وتمكين الجزائر من طرح قضيتها في المحافل الدولية. و حسب ذات الهيئة الرسمية فقد عرفت الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية ثلاث تشكيلات من 1958 إلى 1962. و ضمت أبرز قادة الثورة مثل فرحات عباس الذي عين رئيسا لها لمرتين قبل أن يخلفه في التشكيلة الثالثة بن يوسف بن خدة. و كان نبأ إعلان الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية له صدى واسعا لدى الشعب الجزائري، حيث استقبله بفرح بالغ، فأقام في كل جهة من التراب الوطني، الحفلات فرحا بميلاد الحكومة وأطلق عليه عيد الجمهورية. أما صدى تأسيسها في الخارج فكان بخلاف ما توقعته الحكومة الفرنسية، إذ سارعت الأقطار العربية وأغلبية دول أسيا وافريقيا بالاعتراف بها . شهادات حية قال رئيس جمعية قدماء وزراء التسليح والاتصالات العامة المالغ ، دحو ولد قابلية، أول أمس، خلال نزوله ضيفا على فوروم المجاهد بالعاصمة، أن الثورة التحريرية الجزائرية كانت عظيمة عظمة رجالاتها ولاشيء مغاير ، مذكرا في ذلك أن قادة الثورة التحريرية وإطارات الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أخضعوا الجمهورية الفرنسية الخامسة وعلى رأسها شارل ديغول للمطالب الشرعية من أجل استرجاع السيادة الوطنية للجزائريين. و خلال ندوة تاريخية نظمت بالتنسيق مع جمعية مشعل الشهيد بحضور عدد من المجاهدين والمؤرخين، بمناسبة الذكرى ال58 لتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية وتكريم كل من الراحلين عمر أوصديق ومصطفى سطمبولي والمجاهد لمين خان، ذكر رئيس جمعية قدماء المالغ أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية أول حكومة بعد حكومة الأمير عبد القادر في الجزائر المكافحة لاسترجاع سيادتها الوطنية ، مشيرا إلى أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية تحمل معاني محددة وتؤكد أن الجزائر جمهورية وليس مملكة ونظامها محدد. وأضاف ولد قابلية أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية لدى تأسيسها في 19 سبتمبر 1958 لاقت ترحيب من الدول المناهضة للاستعمار، بالمقابل، عديد الانتقادات من بعض الأطراف التي كانت تدعم سياسة فرنسا الاستعمارية ضد الشعب الجزائري الذي لم يمل من قضيته الوطنية في سبيل استرجاع سيادته واستقلاله. و بعد تذكيره أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية كانت لها نظرة سياسية وفلسفية إضافة إلى التسيير والتنظيم، أكد رئيس جمعية قدماء المالغ أن الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية نادت إلى الحرية والعدالة والتحرر الاجتماعي ، بالإضافة إلى مسؤوليتها في قيادة الشعب والجيش إلى غاية استرجاع سيادة الوطنية ، مذكرا في ذلك أن الحكومة المؤقتة التزمت بوعدها أن الشعب الجزائري صاحب الكلمة والمخول في بناء أسس الدولة الجزائرية . من جهته، أعرب المؤرخ زهير إحدادن عن أسفه بخصوص تصريحات بعض المؤرخين والأستاذة التي تمس بالتاريخ الجزائري. بدوره، أكد مصطفى البليدي أن الثورة الجزائرية شريفة ، مستغربا في ذلك من بعض ما يقال هنا وهناك عن الثورة التحريرية واستغلال الأحداث التاريخية لأسباب تمس بالسيادة الوطنية ومؤسساتها، مؤكدا في ذلك أن الأجيال الصاعدة تسمع أشياء غير حقيقية عن الثورة الجزائرية، داعيا في ذلك إلى رفع المستوى من أجل عدم إلحاق الضرر بالوطن .