يحتفي المسلمون ككل عام في مثل هذا اليوم من شهر رمضان المبارك بذكرى غزوة بدر التي شكلت حدثا مفصليا ومنعطفا حاسما في تاريخ الإسلام وأمته الذي انتقل إلى محطة تاريخية جديدة تتماهى فيها الدعوة والدولة/ الأولى بما تحمله من قيم الصبر والثبات والحكمة وقوة الإيمان، والثاني بما تهيؤه من وسائل القوة المادية والسياسية الكفيلة بحماية الأمة الناشئة ودينها وكسر شوكة القبائل التي لم تزل حجرة عثر أمام انتشارها في وسطها المحلي والإقليمي والعالمي كما هو مقتضاها، إذ بقدر ما كانت الغزوة انتصارا تاريخيا للفئة المستضعفة وهي تشق طريق الإيمان للبشرية بقدر ما كانت هزيمة عسكرية ونفسية وجيو استرتيجية للقوى المعادية الناصبة لها العداء، حيث ستكتسح الدعوة بعدئد بخطى وئيدة الأنفس والمجتمعات، بواقعية إيمانية، وصوت الحق فيها يسير جنبا إلى جنب مع صليل السيوف وبأس الحديد. ولئن سببت هذا عوامل أدبية ومادية موضوعية، فإن المسلمين ما انفكوا يستلهمون من حدثها عبر وعظات وسنن في حركة الدعوات وبناء الدول، ويتفيؤون من عبق أريجها وأنوار مشكاتها منارات هادية يوارثونها جيلا بعد جيل في عزة وافتخار وشكر وثناء لله تعال الذي استمدوا منه النصر. ولا يتسنى هنا استخلاص كل دروسها ودلالاتها غير أننا سنقف عند ثلاثة منها: (أولها): أن النصر من عند الله تعالى كما أكده القرآن الكريم في قوله تعالى: ((وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)) وهذا ما يفسر لنا كيف استطاعت هذه الفئة الضعيفة مقارنة بمن يقاتلها في العدة والعدد والفئات المؤمنة من الأمم السابقة الانتصار في مواطن كثيرة؛ لأن هذه سنة الله تعالى في الأمم والدعوات، فقد قال الله تعالى: ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ۖ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)) وقال أيضا: ((كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)). (ثانيها) أن النصر وإن كان من عند الله تعالى، فإن المؤمنين مطالبون بإعداد العدة وتوفير أسبابه وعوامله الموضوعية المادية والأدبية ولا يركنون للتواكل وانتظار المدد من السماء دون إعداد، فمعية الله تعالى لمن جاهد قدر جهده، وقد طلب الله تعالى من المؤمنين هذا صراحة فقال الله تعالى: ((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ)) وطلب منهم توفير أسباب أخرى أثناء المعركة في قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ)) ،فليست المعارك والحروب في الإسلام محض إقدام وتهور ،والانتصارات التي حققها المسلمون في تاريخهم كان فيها الإعداد المسبق التخطيط الميداني حاضرين؛ بل إن الله تعالى عاقب بني إسرائيل وذم سلوكهم لأنهم حاولوا الاتكال على مجرد مدد الله تعالى دون إعداد العدة ودون قتال فقال الله تعالى: ((قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُوا فِيهَا ۖ فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26))). (ثالثها): إن هذه الغزوة ونتائجها أظهرت بعض الأحكام الفقهية في باب السير و المغازي، ومنه خاصة أحكام الأسر؛ فقد وقع في أيدي المسلمين سبعون أسيرا؛ وكان يمكن لحظتها التنكيل بهم والتشهير بقتلهم ولكن مشاورات الرسول صلى الله عليه وسلم أفضت إلى قبول الفدية منهم رغم أن القرآن الكريم عاتبه في موقف تاريخي كهذا حيث كانت الحاجة إلى مزيد ترهيب للأعداء، فقال الله تعالى: ((مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ))، لكن جاء بعدها الترخيص في قوله تعالى: ((فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ)). وعلى الرغم من أن في الأسرى من سبق له إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وحرض على قتالهم إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما رجع بهم إلى المدينةالمنورة قال لأصحابه: (استوصوا بالأسرى خيرًا)، بل إن أحد الأسرى وهو أبو العاص بن الربيع: (كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ)، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: (وكانوا يحملوننا ويمشون). وقد فدا الرسول محمد الأسرى، بما رضي قومه من المال، ومن ليس لهم فداء، جعل الرسول فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة.وبهذا تكرست أخلاقيات معاملة الأسرى في الإسلام فلا تعذيب ولا قتل؛ بل إحسان وهو ما أخذت به القوانين الدولية الحديثة في القانون الدولي الإنساني؛ بل إن الإسلام لم يشرع حتى محاكمة الأسرى، وكان من حقه ذلك، بل جعل لهم أحكاما خاصة تعلق بالفدية. معطيات حول غزوة بدر: تاريخ المعركة: 17 رمضان 2ه الموافق ل 13 مارس 624م المكان: آبار بدر على بعد 130 كلم جنوب غرب المدينةالمنورة الأطراف المتقاتلة: المسلمون – المشركون من قريش القادة: رسول الله صلى الله عليه وسلم للمسلمين- أبو جهل وعتبة بن ربيعة للمشركين تعداد المقاتلين: 314 رجلا من المسلمين – 1000 مقاتل من المشركين حصيلة المعركة: 14 شهيدا من المسلمين – 70 قتيلا من المشركين و70 أسيرا نتيجة المعركة: انتصار المسلمين