المثقف كائن فريد يعيش العصور كلها يقرّ الروائي عمر مناصرية، بأن خيار الكتابة بعيدا عن الأضواء له عدة سلبيات، ويؤكد أهمية استخدام المثقف للميديا، وفي نفس الوقت يرفض تبديل الورقة والقلم بلوحة تحكم وشاشة كمبيوتر. حاوره: نورالدين برقادي إلى جانب الرواية، القصة والمقال، خضت، مؤخرا، تجربة الكتابة المسرحية، من خلال نص "الإمام عائدا"، الذي نال الجائزة الثانية في مسابقة الإمام الشيخ عبد الحميد بن باديس لسنة 2010، فيم يتمثل الفرق بين الكتابة الأدبية والكتابة المسرحية؟ الكتابة المسرحية مختلفة بعض الشيء، فنحن ننتقل خطوة أخرى نحو الواقعية والشخصنة، حين نمثّل المشاهد والأمكنة والزمان والشخصية أمام المشاهد، وبالمقابل، نحرمه من إمكانية خلق هذا العالم بنفسه كما يحدث في الرواية، أي أننا نصبح حاجزا أمام القارئ، لنغيّر من دوره ليصبح مشاهدا...ولنلاحظ هنا كيف أن الكتابة الأدبية هي انتقال من اللاشعور القوي الذي يمثله الشعر، إلى الشعور والواقع الذي يمثله الفيلم السينمائي، وبينهما القصة والرواية والمسرح كتدرجات من اللاشعور نحو الشعور. نشرت من قبل، رواية "هل بقيت حيا ؟" (سنة2001)، ورواية "عابرو الليل" (سنة 2009) ، ما هو جديد الروائي عمر مناصرية؟ لي أعمال غير مكتملة، وهي كلها مسرحيات للأطفال والكبار وكتب فكرية. بعد تجربة النشر الورقي، كانت لك تجربة في النشر الإلكتروني من خلال عديد مواقع الانترنيت، حدثنا عن التجربة الثانية؟ إن النشر الإلكتروني وادي آخر أصبح ينافس الوادي القديم، وكل من يكتب لا شك سيحاول في هذا الإتجاه، خاصة أن النشر الورقي مكلف، وليست له عائدات مهمة، ومن ميزاته أنك تستطيع أن تتلقى تعليقات على ما تكتب وأن تعرف عدد من يهتمون بما تكتب، وأن تصل إلى كافة الأقطار بسرعة، ولكنه يبقى أقل قيمة من النشر الورقي، لأن الطبع يشبه إنجاب طفل! كتبت في نص "آخر حزن" مايلي: "كانت فتاة في العشرين من عمرها، جميلة الوجه، معتدلة القوام، عيناها في لون الأفق بعد مغيب الشمس بقليل، ليستا بالسوداوين أو البنيتين أو الزرقاوين، إنما هما مزيج من كل ذلك، لون شديد الصفاء يصعب نسيانه، كأنه لون كل العيون التي حولها، ولون جميع الأشياء، ولون السحر الذي يسرف في جذب الانتباه إليه. وكذلك صوتها، رقيق كنبع صغير يتدفق...، هل لا تزال المرأة الملهم الأساس للإبداع؟ لا أعرف لم استطاعت المرأة أن تحتل مكانا في الشعر والرواية أو الفيلم أو حتى في المسرح، ربما يعود ذلك إلى أنها الكل الذي يقف على مسافة ما من الذكر، وكل الذي يقوله، من شعر وقصة ورواية، ما هو إلا لغة يخاطبها بها. تكتب في صمت بعيدا عن الأضواء، هل لهذا الخيار سلبيات؟ أجل، فالقراء مثل الشمس للكاتب، حين ينظرون إليه يستطيع أن يبصر كل شيء. درست علم النفس في مرحلة التدرج وما بعدها، كيف أفادك ذلك في التعامل مع شخوص الرواية؟ علم النفس هو جانب من المعرفة الضرورية كغيرها من المعارف الأخرى الضرورية للكاتب، يجب على الكاتب أن يقرأ كل شيء، لقد قرأت في صغري عن الحشرات والطيور والزلازل وجمعت الحشرات، ثم أغرمت بالفقه والقرآن والعلوم الدينية، ثم أغرمت بعلم النفس، ثم القصة والرواية، وها أنذا في المسرح... اعتبرت أحداث تونس نهاية عهد المثقف الكلاسيكي وبداية عهد المثقف الميدياوي (الانترنيتي)، هل تؤيد هذا الرأي؟ الميديا وسيلة للمثقف، وعليه أن يستثمرها، أشبّه المثقف والكاتب، بكائن فريد، يعيش العصور كلها، من عصر الحجر، حين رسم عليها، إلى عصر الانترنت والفيسبوك، المثقف كائن تطوري، يستخدم كل شيء. بين ثنائية القلم والورقة من جهة، ولوحة التحكم والشاشة من جهة أخرى، ماذا تفضّل؟ أفضل الورقة، لأنها كائن آخر، أما الشاشة، فهي ليست كائنا، لن تستطيع أن تراه ككل كما الكتاب، أو تتملكه وتحمله وتحسه، الشاشة مختلفة، إنها بعيدة نفسيا، ولا يمكن تملكها أو إحاطتها إدراكيا، وهذا هو المشكل الذي يجعل من القلم والورقة، كائنات حنينية للكاتب.