تنزف شبكة الطرقات بالجزائر كل يوم دماء، نظرا للعدد المرتفع من حوادث المرور الأليمة التي تقع بها، و يمثل الطريق السيار شرق – غرب حلقة جديدة من المآسي، حيث بات يحصد 50 بالمائة من عدد ضحايا حوادث المرور ببلادنا، لأن أي تجاوز أو تهاون في قواعد السير يمثل تجني على حياة مستعمليه . في الوقت الذي استبشر مستعملو الطرقات بدخوله حيز الخدمة منذ حوالي 7 سنوات، إلا أن سوء استغلاله يتجلى في جملة الحوادث القاتلة التي باتت تحدث بشكل مستمر على شكل اصطدام جماعي، مما يوحي بأن أي تجاوز أو تهاون بقواعد السير يمثل اللحظة الفاصلة بين الحياة و الموت. يقول محمد ع، 44 عاما، أحد مستعملي الطريق السيار:»لقد أضحى يشكل متاعب كبيرة، فقبل دخولك مساره عليك أن تشهد و تكبر مرتين، لأن الموت قد يتربص بك من كل جانب بسبب السرعة القياسية لمختلف المركبات، والتهور والمناورات الخطيرة لبعض السائقين، ما يجعل من مشروع القرن مسرحا للحوادث، بينما من المفروض أن يكون عاملا لتقليص مدة السفر و الحفاظ على الأرواح»، متسائلا كيف لطريق به ثلاثة أروقة و خط استعجالي و مسار واحد، أن يخلف هذا الحجم الهائل من القتلى لو التزم كل سائق بالحذر و احترم القوانين و القواعد الصحيحة في السياقة. سليم منصور، شاهد عيان عن حادث تفحم أربعة أشخاص و إصابة أربعة آخرين بجروح خطيرة بمنطقة زدين بولاية عين الدفلى، قال بأن الحادث وقع إثر اصطدام بين 6 سيارات سياحية و شاحنة ذات صهريج كانت تحمل مواد كيميائية خطيرة لصناعة مواد التنظيف، ما أدى إلى احتراق الشاحنة و تسرب السائل الكيميائي، الأمر الذي دفع مصالح الحماية المدنية للتدخل في عملية تنظيف هذه المادة الخطيرة لمدة تجاوزت الساعة و النصف من الزمن. و تذكر صديقه حادثا مماثلا وقع في نهاية شهر جانفي الماضي خلف قتيلا و إصابة 8 أشخاص بجروح بليغة و ذلك إثر اصطدام جماعي بين 6 شاحنات و 5 سيارات بالمكان المسمى الخوادة، ببوقادير بولاية الشلف، على مستوى الطريق السيار شرق – غرب باتجاه مدينة وهران . قصدت النصر محطة تعبئة الوقود بيلل بغيلزان لأخذ قسط من الراحة، بعد حوالي ثلاث ساعات من السفر من تلمسان، باتجاه ولاية عين الدفلى على الطريق السيار، فسألنا بعض سائقي الوزن الثقيل عن الحوادث التي شاهدوها عبر هذا المسار. فقال لنا أحدهم و هو السائق محمد في الخمسينيات من العمر من ولاية البويرة، بأن تكوين و سلوك الفرد، و كذا التهاون و اللامبالاة في القيادة، خصوصا لدى بعض الشباب من العوامل الأساسية التي تؤدي إلى وقوع الحوادث، خصوصا إذا كانوا يقودون شاحنات من الوزن الثقيل. و أضاف بأنه شاهد الكثير من الحوادث القاتلة على هذا المحور، من بينها حادث اصطدام جماعي ل19 مركبة بالياشير، ببرج بوعريريج في الصائفة الماضية، مما أدى إلى إصابة 5 أشخاص بجروح متفاوتة الخطورة،حسبه ، و طالب محدثنا بتكثيف أجهزة الرادار و تثبيت كاميرا المراقبة على الطريق السيار. أما الشاب فؤاد فوصف الطريق السيار بطريق الموت لما يحمله من مخاطر، مشيرا إلى حادث وقع له ليلة الخميس 11 مارس الجاري على الساعة التاسعة و النصف ليلا، بالمكان المسمى واد السلي بالشلف باتجاه العاصمة، حيث اصطدم بحاجز من الحجارة تسببت في إصابة سيارته السياحية بأضرار بليغة، إلى جانب عدد من المركبات التي توقفت على الفور. و قد تم إبلاغ الدرك الوطني على الرقم 1055، و كادت هذه المتاريس التي يجهل لحد الآن إذا تم وضعها من طرف أشخاص مجهولين أم سقطت من شاحنة أن تؤدي إلى وقوع حادث خطير. أعوان الحماية المدنية في مصيدة المتهورين بالرغم من الإجراءات الوقائية التي يتخذها أعوان الحماية المدنية، إلا أن الخطر يتربص بهم من حين لآخر، بسبب بعض السائقين المتهورين و من بين ضحاياهم عون الحماية المدنية المدعو خالد داودي الذي يستعمل حاليا كرسيا متحركا في تنقله. لقد كان في مهمة إسعاف لأحد ضحايا حادث مرور خطير بمنطقة بوراشد، على الطريق السيار الذي يعج بالحركة ليلا و نهارا، عندما تعرض لحادث، و لم يدرك خالد خطورة وضعه الصحي، إلا بعد أسابيع طويلة،حيث اكتشف بأنه أصيب بإعاقة حركية. خالد لا يفوت أية فرصة لتقديم النصائح و الإرشادات اللازمة للمواطنين، داعيا الجميع للتعقل و الحذر لدى قيادة المركبات. و يتواجد عون آخر اسمه كاشر محمد أمين في فترة نقاهة، إثر تعرضه لحادث مرور خطير في نهاية شهر فيفري الماضي. كان على متن مركبة مهمتها تأمين الطريق السيار. كان بصدد إجلاء سيارة من المكان المسمى الحجاج –واد تكيزال –بعين الدفلى، فتعرض لحادث كاد أن يودي بحياته. لقد نقل إلى مستشفى مكور حمو بذات المدينة لتلقي الإسعافات اللازمة، و أصيبت السيارة بأضرار بليغة، و استنادا إلى مصادر مطلعة، فإن ثمن المركبة يتجاوز 600 مليون سنتيم، دون احتساب التجهيزات التي تضمها. فبالرغم من التحذيرات المسبقة عن طريق الأضواء و الإشارات العاكسة التي تتراءى على مسافة تتجاوز 3 كلم، لتوجيه السائقين للتقليل من السرعة وتفادي الممر الاستعجالي، إلا أن العديد منهم قد يتسببون في حوادث، فتجد رجال الدرك الوطني و عمال النظافة الموزعين على الطريق السيار شرق – غرب في حالة دائمة من الخوف من مخاطر الاصطدام المفاجئ للسيارات و المركبات . رئيس أمن الطرقات العقيد محمد تريكي: نسعى لتقليص حوادث المرور بنسبة 30 بالمائة كشف العقيد محمد تريكي رئيس أمن الطرقات بقيادة الدرك الوطني بالشراقة عن مخطط عمل للسنة الجارية يرمي لتكثيف الجهود في الميدان، مع تثمين المؤشرات الايجابية التي تمثل نحو 16 بالمائة، لكن ينبغي عدم التوقف عند هذا الحد أو تجاهل معدل حوادث المرور يوميا، إذ تحصي قيادة الدرك الوطني حوالي 55 حادثا يوميا، يخلف 10 قتلى 100و جريح عبر التراب الوطني ، ويبقى الهدف الأساسي،حسب العقيد تريكي، تقليص حوادث المرور إلى نحو 30 بالمائة، وهي بداية حراك إيجابي يهدف لتغيير ثقافة المرور و إنضاج الرأي العام. في ذات السياق كشف ذات المتحدث عن مشاريع جديدة ضمن الإستراتجية الوطنية للتقليل من حوادث المرور، من بينها تعميم الرادارات و ضمان انتشار السيارات المموهة، مع تفعيل البطاقة الوطنية لرصد المخالفين، كما شرع في 16فيفري الفارط في تفعيل رخصة للراجلين، تستهدف فئة التلاميذ الذين يدرسون في السنة الخامسة ابتدائي عبر 6 ولايات، كنماذج ينتظر تعميمها لاحقا باعتبار الطفل هو سائق الغد. نفس المسؤول أوضح بأن المشروع طبق بالتنسيق مع وزارة التربية الوطنية في الولايات المعنية، في انتظار أن تنطلق عملية ثانية خاصة بالوزن الثقيل في السداسي الثاني من السنة الجارية، فالإستراتجية المتبناة حاليا من طرف قيادة الدرك الوطني يلخصها العقيد محمد تريكي في 4 محاور أساسية تتعلق بتحسيس مستعملي الطرقات، التركيز على النشاط الردعي، وتحسين الخدمة المرتبطة بالأمن المروري، إلى جانب تكثيف الاتصال، بالتنسيق مع شركاء السلامة المرورية لتوقيف و الحد من المجازر المرتبكة عبر شبكة الطرقات، خاصة الطريق السيار شرق –غرب الذي أضحى مصدر قلق ينبغي تكثيف الجهود لإنقاذ الأرواح التي تزهق فيه. للإشارة فقد سجلت قيادة الدرك الوطني 20.361 حادث مرور في 2015، أي بتراجع نسبته 51ر16 % مقارنة مع سنة 2014، وأسفرت الحوادث عن سقوط 3.801 قتيل و36.657 جريحا، و هذا يعني تراجع في عدد الحوادث والقتلى والجرحى بنسب 51ر16 % عبر التراب الوطني. وبالرغم من هذا التراجع، فإن الظاهرة تبقى تبعث على القلق، بالنظر إلى الخسائر التي تتسبب فيها والتي تعود أسبابها إلى عدم احترام السائقين لقانون المرور، كما أكد العقيد محمد تريكي. الدكتور عز الدين مداني باحث في سياسات النقل و حوادث المرور: الرقمنة و العمل عن بعد من شأنهما تخفيف تنقل المواطنين وتقليص حوادث المرور قال الباحث في سياسات النقل و حوادث المرور و الاختناقات في الطرقات الدكتور عز الدين مداني لدى تحليله لكافة الأرقام و البيانات التي قدمها الدرك الوطني حول حوادث المرور ببلادنا، بأن العامل البشري يمثل حوالي 93.23 بالمائة بالجزائر من أسباب الحوادث . و قد تم اكتشاف بأن 1.59 بالمائة من السائقين المتسببين في الحوادث في حالة سكر أو تعاطوا المخدرات وتتوزع باقي النسب في عدم احترام إشارات المرور، فضلا عن سلوك السائق، فبعض السائقين ذوي سلوكات غير سوية و مضطربين نفسيا و لا يحترمون قوانين المرور، و يعبرون عن انفعالاتهم و اضطراباتهم السلوكية بالقيادة المستهترة. و طرح الباحث عدة تساؤلات بخصوص وضعية اللوحات التوجيهية و إشارات المرور، و دواعي تنقل المواطنين و دور رقمنة الوثائق الإدارية و مدى مساهمتها في التخفيف من أعباء التنقل و فك الضغط المروري، و اقترح تفعيل ما يسمى بالعمل عن بعد، باستخدام وتوظيف تكنولوجيات الاتصال كما هو معمول به في عدة دول متقدمة في اختصاصات معينة، للتقليل من تنقل الموظفين. و شدد على ضرورة الاهتمام و العناية بإنجاز الطرقات وفق المعايير الدولية التي تضمن الأمن و السلامة و تهيئتها داخل المدن لحماية الراجلين وعلى الخصوص فئة كبار السن و الأطفال، مع تفعيل إجراءات التدخل لإنقاذ وإسعاف الضحايا كالتدخل الجوي عن طريق الحوامات بالطرق السريعة، لتفادي الازدحام وعرقلة المرور وتكثيف كاميرات المراقبة . الباحث يرى بأن حصيلة حوادث المرور جد مرتفعة بكافة دول العالم إذ تشير المؤشرات الواردة عن منظمة الصحة العالمية إلى وفاة أزيد من مليون ونصف المليون خلال 2015 و تمثل الجزائر، كعينة من بلدان القارة السمراء، حسب توزيع النسب لذات الهيئة العالمية، 26,6 بالمائة لكل مئة ألف نسمة، في حين لا يتجاوز عدد قتلى حوادث المرور في أوروبا حدود 9 بالمائة. وترتبط نسبة ارتفاع حوادث المرور، حسب ذات المتحدث، إلى عاملين رئيسيين هما زيادة السكان بنحو 4 بالمائة، إلى جانب حظيرة السيارات بنسبة 16 بالمائة، و تعد الشاحنات والدراجات النارية بالجزائر، كما قال، من بين وسائل النقل التي سجلت أعلى الحوادث من غيرها من الوسائل الأخرى، حيث تسببت الشاحنات في 3754 حادث مرور، فيما بلغ عدد حوادث الدراجات النارية 3877 حادثا و حافلات النقل الجماعي 1490 حادثا. أما الدراجات الهوائية ب 271 حادث خطير، في العام الفارط، و معظم هذه الحوادث كانت قاتلة. و أشار الباحث إلى أن حوادث المرور طالت حتى الراجلين الذين تزيد أعمارهم عن 50 سنة ب 1118 حادثا و الأطفال أقل من 14 سنة ب 729 حادثا، مما يتطلب التحسيس و الأخذ بعين الاعتبار الإجراءات الأمنية اللازمة لحماية هذه الفئة، خاصة فئة المتمدرسين. علما بأن البيانات الإحصائية تشير إلى أن 4010 أشخاص لا يحملون رخصا للسياقة، تسببوا في إزهاق أرواح بريئة. 100 مليار دج خسائر ناجمة عن حوادث المرور وصف كمال عمر، الأمين العام للمركز الوطني لأمن الطرقات، الظاهرة بالإجرامية، نظرا للأرقام المفزعة المسجلة مؤكدا «كل نفس تزهق عبر الطريق تؤرقنا و الخسائر المادية المسجلة تستنزف الخزينة العمومية، حيث بلغت الخسائر خلال السنوات الأربع الماضية حدود 100 مليار دج، وعليه فإن المركز الوطني يسعى إلى تجسيد إستراتيجية تحسيسية تمس 14 ولاية». و أضاف محدثنا بأن الحملة التحسيسية، ستتبع بمبادرة أطلق عليها «إنقاذ النفس البشرية من الموت»، مذكرا بعدد القتلى، على سبيل المثال لا الحصر، بولاية عين الدفلى التي سجل بها 139 قتيلا، و وقعت بالطريق السيار شرق غرب، 53 بالمائة من إجمالي عدد الحوادث القاتلة، و هي الثانية بعد ولاية المسيلة، حسب إحصائيات سنة 2016،مشددا خلال الأسبوع التحسيسي الذي احتضنته مؤخرا ولاية عين الدفلى، على عملية التحسيس و التوعية من طرف الجميع، فالأمر لا يقتصر على هيئة بعينها، و إنما يشمل الأمر كافة المؤسسات الاجتماعية والتربوية، بداية من الأسرة ،المسجد ،والمدرسة وصولا إلى الهيئات الرسمية للدولة، كمصالح الأمن والدرك الوطني والجمعيات الناشطة في السلامة المرورية.