انتصرت أمس العدالة الجزائرية و معها الحق العام، على قوى الضجيج السياسي و الغوغاء الإعلامية، التي أرادت عبثا تأليب الشارع و استعطاف الضعفاء، بعدما أصمّت آذان الرأي العام الوطني طوال أسبوع كامل من التجنّي غير المؤسس و المغالطة المفضوحة، باستعمال الكذب و القذف و تزييف الوقائع و عدم احترام سرية التحقيق، مما يضعها تحت طائلة القانون. العدالة انتصرت لمنطق الحق الذي يحرك أعمالها ، عندما واصلت معالجة قضية وزارة الإتصال التي رفعتها ضد رجل أعمال اشترى جريدة من مالكين غير مفلسين، و بقيت وفيّة و محترمة للإجراءات التي تبقي على هذه القضية، قضية عادية مثل جميع القضايا المطروحة أمامها، و الدليل على ذلك أنها استجابت لطلب التأجيل الذي يلجأ إليه كل متقاض نزيه. إن دخول القضية في مسارها القضائي و أخذ الوقت الكافي لجميع الأطراف المتنازعة و كذا المدخلة في الخصام زورا و بهتانا، سيؤكد أن العدالة الجزائرية و رغم أن البعض من المتنكّرين يريدون الحكم عليها مسبقا، لن تخضع للإبتزاز و الضغط بتجنيد مجموعة من السياسيين و المحرّرين، ترفع شعارات أكبر منها، و تقبع أمام المحكمة. فالحق تمنحه العدالة، و ليس أية هيئة أخرى، و لا أيضا الشارع الذي يهدد بعض المتهوّرين بالنزول إليه، لمنحهم شرعية الإنقلاب على قرارات العدالة و إنكارها في نهاية المطاف من خلال القول كذبا بأن العدالة ستغلق الجريدة أو أنها تتعرض إلى مؤامرة . الجزائريون الذين يتابعون هذه القضية التجارية التي يعمل صاحبها الملياردير و من ركبوا معه الموجة على تسييسها مهما كلّفهم الثمن، واثقون أن عدالة بلادهم التي يلجأون إليها، ستنتصر في النهاية لحرية التعبير التي دافع عليها الصحفيون الشرفاء الذين لا يبيعون و لا يشترون و لا يتاجرون بدماء زملائهم الشهداء، أي حرية التعبير التي موّلتها الدولة الجزائرية من الخزينة العمومية و صانتها بقوانين حمائية تضاهي أكثر الدول ديمقراطية، و الدليل على ذلك أن أي صحفي أصبح بإمكانه اليوم أن يسّب و يشتم و يقذف بكل حرية، و مع ذلك هذه الجناية لن تدخله السجن، و هو امتياز ما منح لأحد من أصحاب المهن النبيلة. و بعد الحكم في هذه القضية و ربما قبل، ستتّكشف الحقائق بكل تفاصيلها و سيعلم ما تبقى من ضحايا حملة التشهير و التزوير المنظمة، أن من يتهدد حرية التعبير، التي هي ليست حكرا على أحد مهما كان، هم الوافدون الجدد من رجال المال و الأعمال الذين لا علاقة لهم بالمهنة و أهلها، و ليس السلطات العمومية التي اقتطعت أموالا من الميزانية العامة و موّلت الصحافة الخاصة و منحتها الإشهار العمومي، فكيف تريد أن تخنقها وهي التي خلقتها ؟. الباحث الجديد عن المال في غيابات الصحافة، كشف عن نظرته و مفهومه لحرية و استقلالية المهنة، عندما اشترط على الذين باعوا ذمتهم المالية الإستقالة الفورية من مناصبهم ، و أن لا يمارسوا الصحافة لمدة ثلاث سنوات كاملة من خلال عدم إنشاء جرائد منافسة، و هذا كله أمام الموثق.! و مع انقشاع السحاب و اتضاح الرؤيا، بدأ الكثير من العقلاء في عدة مواقع، يتساءلون عن الصمت المطبق الذي خيّم على المساهمين المهنيين الذين تنازلوا عن الجريدة لسلطة المال في تصرف غريب يصنف ما أقدموا عليه في خانة في جرائم الصحافة ، و لم ينتصروا للمهنة بالتنازل عن أسهم للصحفيين الذين امتصوا عرقهم لسنوات. ربما يعذرهم البعض لأنهم باعوا حصصهم و توقفوا عن «المغامرة الثقافية» ، لكن الأوفياء لن يسامحوهم لأنهم سمحوا بالإتجار في ذاكرة شهداء الصحافة الجزائرية، و هذا أقسى ما يمكن أن يرتكبه زميل المهنة في حق زميله عندما يغتاله للمرة الثانية. على كل هناك الكثير من المهنيين مازالوا يدافعون بشجاعة نادرة عن هذه المهنة و ذاكرة شهدائها الذين آثروا الموت على الحياة جبنا، في انتظار أن تنصفهم العدالة. و هو الخيار الحضاري الذي يراهن عليه الوزير حميد قرين عندما فضّل اللجوء إلى عدالة بلاده دون أن يشتم صحفيا أو يسّب مالكا أو يقذف هيئة .. و هي فضيلة تحسب له في مواجهة خصومه الذين دعاهم إلى مكارم الأخلاق.