شواهد عن بدائية الإستدمار.. السجن الأحمر هو أحد أماكن الجحيم الفرنسية الأكثر تعذيبا و اغتيالا للمجاهدين و أبناء الشعب الجزائري بشرق البلاد أثناء ثورة التحرير الكبرى. هذا السجن الذي يكفي ذكر إسمه لمن مر به أو سمع به حتى يرتعد فزعا باسترجاع ذهنه شريط الكوابيس المرعبة التي عاشها أو سمع بها لا زال موجودا بكل أقسامه حتى الآن كما هو بمدينة فرجيوة شاهدا على بشاعة الإستدمار الفرنسي و حقده على الشعب الجزائري. الجيش الفرنسي بنى هذا السجن سنة 1956، السنة الثالثة من ثورة نوفمبر المظفرة وهي الفترة التي إزداد فيها الفرنسيون يقينا بأن الثورة ماضية نحو تحقيق هدفها دون تردد الشيء الذي دفعهم إلى زيادة بطشهم وحقدهم ظنا منهم أنهم يستطيعون بذلك خنقها و ثني قيادتها عن مواصلة الكفاح. المهم أن ما هو موجود في التاريخ قد وقع والكلام عليه ليس مستهدفنا هذه المرة ، إنما الذي نريد التركيز عليه في هذه العجالة هو كيف نتعامل مع هذه المعالم الناطقة بصمت تقدم شهادتها عن بشاعة ما كابده أسلافنا من بطش وتنكيل في سبيل تحقيق الحرية التي ننعم بها اليوم. الحقيقة أن لامبالاة شاملة هي الصفة الغالبة في تعامل مجتمعنا نقول مجتمعنا لكن المعنيين المباشرين يعرفون مسؤوليتهم في هذا المجال مع هذه المعالم التي لا تزال أصوات الألم تصدر من بين جدرانها و دماء الشهداء لا زالت تلطخ أرضياتها لو استمعنا جيدا ودققنا النظر بحدة. والمؤسف في هذه اللامبالاة أنها هبطت تحت عتبة ما يمكن أن نسميه الحد الأدنى من الإهتمام..! وهذا الوضع ليس فقط في فرجيوة أو ولاية ميلة إنما هو نفسه عبر أرجاء التراب الوطني . فهل يعقل أن يجد الزائر هذه الأماكن التاريخية البالغة الأهمية نسيا منسيا...؟ فالمفروض أن معالم مثل هذه تشكل مخابر حقيقية لتعليم الوطنية لأبنائنا و تقديمها كشهادة لأصدقائنا الأجانب ليعرفوا سبب اعتزازنا بثورتنا و شهدائنا و مجاهدينا المخلصين. سألت أحد القائمين على هذا المتحف الثوري، هل يتم تنظيم زيارات لهذا السجن التاريخي ؟ فأجاب: نعم أحيانا. فهل هذه الكلمة " أحيانا " منصفة لإرث تاريخي يشهد على ضخامة تضحيات و مرارة كفاح ؟ ما ينبغي أن يكون عليه هذا المعلم هو تواجد يومي لقوافل من التلاميذ و الطلبة و غيرهم من فئات الشباب من مختلف القطاعات ينتظرون دورهم لأخذ جرعة من إكسير بناء الشخصية الوفية للوطن وتضحيات الأجداد. و يفترض كذلك تواجد مختصين في التاريخ يعرفون كيف يحدثون الزائرين مهما كانت درجتهم العلمية. لكن أن يترك الأمر هكذا لتسير الأمور بعفوية بدائية و كأن الأمر يتعلق بآثار لإنسان ما قبل التاريخ موجودة في الطبيعة فأقل ما يقال عنه شيء مؤسف. و مع هذا فالشكر كل الشكر لبلدية فرجيوة التي تقوم بما لديها من إمكانيات بالمحافظة على هذا المعلم وتفتحه للزائرين. ما يوجه الشكر كذلك للذين بذلوا ما استطاعوا من جهد لتوفير معلومات عن هذا المعتقل، وكتابات أخرى عن تاريخ الجزائر مكتوبة في ملصقات حائطية و كأن الأمر يتعلق بمجلة حائطية لأحد المدارس. و اللوم لن يكون على الذين بذلوا هذا الجهد لأن هذا ما استطاعوا القيام به. لكن اللوم كل اللوم على المعنيين الكبار على المستوى المركزي الذين تركوا الأمور تسير بالصدفة و لم يسندوا الأمر لمختصين يعرفون كيف يثمنوا هذه المعالم ويعطوها حقها.. على الأقل توثيق شهادات المجاهدين الذين مروا بهذه الأماكن في وسائل سمعية بصرية و عرضها على الزائرين. السجن الأحمر و الزوابق جروحهما لا تندمل كان المعتقلون من المجاهدين الذين يزج بهم في السجن الأحمر حسب شهادات متطابقة رواها الذين مروا من هذا المكان يصنفون إلى أربعة أصناف بعد استنطاقهم باستعمال أنواع بشعة من التعذيب. الصنف الأول : هم معتقلو الجرف أي الذين ينقلون إلى هذا المعتقل بولاية المسيلة الذي يعد بمثابة معتقل سياسي. الصنف الثاني: المعتقل العسكري يوجه إلى معتقل الملاحة بعنابة كأسير حرب. الصنف الثالث: يوجهون إلى سجن الكدية بقسنطينة بغرض المحاكمة. الصنف الرابع: الذين يتقرر قتلهم يفصلون عن المساجين الآخرين و يوضعون في زنزانات خاصة و أخرى في ممر ضيق بين الحائط الخارجي للسجن و الحائط الداخلي في انتظار حملهم ليلا في الشاحنات إلى كاف الزوابق( أخدود بين جبلين ) أين يقتلون بطريقة بشعة و هي رميهم مكبلين من أعلى الكاف فرادى و جماعات. ومن أشهر أنواع التعذيب التي كانت شائعة لدى جلادي السجن الأحمر بفرجيوة تذكر شهادات حية ما يلي: قلع الأسنان و الأظافر استعمال الكهرباء بتر أعضاء من الجسم إغراق المعذبين في أحواض مائية حتى الإشراف على الموت ثم إخراجهم و إعادة العملية مرات عديدة ، إضافة إلى جلد المعذب وهو أهون أنواع التعذيب..! و تلك جراح مثلما يذكر الذين عاشوا الأحداث لا يمكن أن تشفى أو تندمل مهما بعدت أزمانها. رحم الله الشهداء الأبرار. بطاقة فنية للسجن الأحمر سمي السجن الأحمر لأنه بني بحجارة محلية حمراء اللون، كما طلي باللون الأحمر و تسميته معبرة و متلائمة مع لون الدماء الطاهرة التي استنزفها جلادو هذا الجحيم من أجساد الجزائريين. بني هذا السجن على مساحة 2000 متر مربع سنة 1956 بوسط مدينة فرجيوة يوجد الآن بحي خزان الماء. عدد زنزاناته 29 . و يتكون من قسمين رئيسيين. القسم الأول خصص كمقر للضابط العسكري و المكاتب الإدائرية من شؤون عسكرية وإعلامية ( مكتب مسير السجن و مخزن الأثاث و الأدوات) القسم الثاني خصص للمساجين و به 29 زنزانة يتفرع إلى مجمعين يحتوي كل منهما على عدد من الزنزانات فردية وجماعية. كما توجد به حجرة خاصة تستعمل للتعذيب و الإستنطاق. و ينقسم المحبوسون إلى فئات المجاهدين ، المدنيين ، النساء و الأطفال.