يتحدث أعوان من مديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، للنصر، بمناسبة يومهم العالمي، المصادف للفاتح مارس من كل سنة، عن تجارب قاسية عايشوها في الميدان، و لا تزال عالقة في أذهانهم، مقدمين شروحات عن كيفية ضبط أنفسهم في الحوادث المروعة لإنقاذ الأرواح، كما ذكروا الأسباب و العراقيل التي تحول أحيانا، دون وصولهم إلى مكان الحادث في الوقت المناسب. رصدتها / أسماء بوقرن العون كريمة شخاط: رائحة مخ ضحية حادث مرور طاردتني لثلاثة أيام العون كريمة شخاط، من وحدة بن عطاء الله محمد الشريف بالمدينة الجديدة علي منجلي، قالت للنصر بأنها بدأت العمل في الحماية المدنية منذ نحو 6 سنوات، و كان هذا المجال مقرونا بالعنصر الرجالي في مجتمعنا، و نادرا ما تلجه امرأة، لكنها لا تعتبره حكرا على الرجل، بل بإمكان المرأة أن تعمل فيه إذا توفرت فيها الشروط اللازمة ، مثل حب المهنة و اللياقة البدنية و التضحية في سبيل الآخر. و أكدت المتحدثة بأن عائلتها لم تعارض فكرة انضمامها إلى صفوف الحماية المدنية، و شجعتها على تحقيق طموحها، قائلة بأن ابن خالها كان سباقا لهذا المجال، و قد حفزها ذلك. و بخصوص نظرة المحيط لها كامرأة تمارس مهنة تستدعي شجاعة كبيرة و قدرة عالية على مواجهة المخاطر، ذكرت بأنها في بداية مشوارها المهني كان المحيطون بها يعتقدون بأنها لا تملك كل مواصفات عون الحماية المدنية و لا تستطيع القيام بمهامها كرجل، لأنها ، حسبهم، لا تستطيع التحمل و إنقاذ ضحايا الحوادث الخطيرة ، لكنها تمكنت من تصحيح هذه النظرة و برهنت بأنها بإمكانها القيام بما يقوم به الرجل في الميدان، كما قالت، حيث أنها لا تجد إشكالا في القيام بالمناوبات الليلية ، و قامت بعديد التدخلات في مختلف الحوادث، من بينها حوادث خطيرة جدا، و قد توجت بالمرتبة الأولى في البطولة الجهوية للرياضة المكيفة لعون حماية مدنية في 17 فيفري الفارط. و تذكرت حادثة، ظلت عالقة في ذهنها ، و لم تتمكن من نسيانها، قائلة " كنت في تربص تطبيقي بقسنطينة سنة 2013 ، و كان ذلك في أحد أيام شهر رمضان الفضيل، حيث تم تبليغنا عن وقوع حادث مرور على مستوى طريق عين سمارة، و يتمثل في انقلاب حافلة لنقل المسافرين، و سقوطها في منحدر ، و كنت ضمن فريق التدخل ، و أشرفت حينها على انتشال أشلاء امرأة، كانت جثتها تحت الحافلة مفصولة الرأس، و وجدت رأسها قرب مكان الحادث ، و حملته و وضعته في كيس، هذه الصورة بقيت في مخيلتي ، و رائحة "مخ" الضحية لم تفارقني لمدة ثلاثة أيام"، و أضافت بخصوص إسعافها لمثل هذه الحالات، بأنها كانت تتأثر في البداية، لكنها تعودت على هذه المشاهد في ما بعد، و أصبحت تسيطر على مشاعرها. و بخصوص نظرتها السابقة للحماية المدنية، أوضحت بأنها لم تكن في السابق تتصور طبيعة المهنة و خباياها بالشكل الذي وقفت عليه في الميدان، حيث كانت تعتقد بأن المهنة تتمثل في التنقل على متن سيارة الإسعاف للتكفل بالمريض و نقله إلى المستشفى ليتم التكفل به، لكنها و بعد ولوجها هذا المجال، اكتشفت عديد الأمور، من بينها انتشال أشلاء الضحايا . العون كريمة شخاط، تحدثت عن النظرة السلبية التي يحملها بعض أفراد المجتمع عن أعوان الحماية المدنية، خاصة تأخرهم في التدخل في بعض الأحيان، أكدت بأن مصالح الحماية المدنية تتدخل في حين وصول نداء النجدة ، غير أن الأعوان يصادفون عراقيل أثناء تنقلهم إلى مكان الحادث، بسبب الاكتظاظ المروري، و كذا رفض أصحاب المركبات ترك ممر لعبور سيارة الإسعاف، كما أنهم يتعرضون في بعض الأحيان إلى سوء المعاملة من أقارب المسعف. و ذكرت بأنها تدخلت لإسعاف رضيعة لم تبلغ شهرا من عمرها بالمدينة الجديدة علي منجلي ، فوجدتها في حالة حرجة ، و لم تتمكن من إنقاذها رغم الإسعافات التي قامت بها، لأنها كانت تحتضر و كانت والدتها التي حرمت من الإنجاب طيلة 9سنوات، تحت الصدمة تصرخ و تطلب منها أن تترك لها رضيعتها، حتى أنها حاولت ضربها، غير أنها كانت متفهمة لوضعها . العون أمين بلمعمر: تخصصت في التدخلات بالأماكن الوعرة التي أعشقها عون التدخل في الأماكن الوعرة، أمين بلمعمر، اختار هذا المجال عن رغبة، موضحا بأن شرط الرغبة و الحافز مهمان، و يجب أن يتوفرا في العامل بهذا المجال، موضحا بأنه تمكن من ولوج هذا المجال الذي طالما حلم بالعمل فيه ، سنة 2010 ، و كان آنذاك ضمن الفرق العادية، حيث طلب التخصص في التدخلات في الأماكن الوعرة، ليصبح ضمن الفرقة المختصة في سنة 2014. و عن سبب اختياره لهذا التخصص بالذات، قال العون أمين بأنه يعشقه ، كما أن تضاريس مدينة قسنطينة ، كما أكد، جعلته يفكر في مواصلة مشواره في هذا التخصص، بالإضافة إلى كثرة عمليات الانتحار من جسور المدينة الثمانية المعلقة. العون مرابط هشام: هكذا أنقذت شابة من الانتحار عبر جسر سيدي راشد مرابط هشام، عون حماية مدنية يعمل بالمركز المتنقل بومعزة عبد المجيد ، وسط المدينة ، و هو منقذ شابة من الانتحار من جسر سيدي راشد في 17 جانفي الماضي، تحدث للنصر عن تفاصيل عملية الإنقاذ « عندما كنت ذاهبا إلى مقر عملي عند حدود الساعة الثامنة صباحا، لاحظت بأن فتاة تقف بالجسر و تطل إلى الأسفل و تبدو الكآبة على ملامحها ، ما أثار فضولي و جعلني أراقبها، و خشيت أن تلقي بنفسها من أعلى الجسر، فاقتربت منها و قدمت نفسي إليها و عرضت عليها المساعدة ، فأجابت بأنها لا تعاني من أي شيء ، فهممت بمواصلة طريقي، لكنني لم أتمكن من ذلك ، فقد كنت متأكدا بأنها ستنتحر، ما جعلني أستدير إلى الخلف، فوجدتها تضع قدمها فوق حافة الجسر و بصدد الانتحار ، فأسرعت لإنقاذها ، غير أنها كانت مصممة على الانتحار و قاومتني و هي تصرخ «أتركني أموت، كرهت"، فقمت بتهدئتها، و طلبت في ذات الوقت المساعدة من أحد المارة ليمسك بها معي، و اتصلت بأعوان الحماية المدنية الذين تدخلوا بشكل سريع ". العون هشام قال بأنه منذ الصغر، كان يطمح ليصبح عونا في الحماية المدنية، موضحا بأنه أحب المهنة أكثر، عندما اشتغل فيها و ألم بخباياها، و بخصوص سؤالنا عن أصعب التدخلات التي قام بها منذ بداية مشواره ، رد بأنها تتعلق بحوادث المرور ، حيث و قف على مشاهد مروعة لجثث و أشلاء، كما حضر اللحظات الأخيرة من حياة عدد كبير من الضحايا، و تعتبر الحوادث أصعب بكثير من التدخلات المتعلقة بإسعاف المرضى، غير أنه ، كما أكد، يمتلك الشجاعة الكافية و الاستعداد النفسي و البدني عند القيام بكل أنواع التدخلات، و حتى في بداية مشواره لم يجد صعوبة في التعامل مع الأشلاء و حملها، لكونه خضع لتدريب محكم خلال فترة التربص، أكسبه الاستعداد لمواجه كل طارئ. في ما يتعلق بالاتهامات التي يوجهها المواطنون لمصالح الحماية المدنية عنذ تعذر وصول ندائهم ، قال بأن المواطن يظن أن أعوان الحماية المدنية متقاعسون و لا يلبون النداء حين وصوله، غير أنهم لا يعلمون أن النداء يصل متأخرا أحيانا لفرقة التدخل، فعند اتصال المواطن من هاتف نقال ، يحول النداء إلى مركز التنسيق العملي، ليحول بعدها لأقرب ثكنة، و لا يستغرق ذلك وقتا طويلا ، إذ لا يتجاوز دقيقتين. محمود حمدي طبيب نقيب و رئيس مركز بومعزة عبد المجيد نتعرض للشتم و السب أحيانا من عائلات الضحايا من جهته النقيب و رئيس مركز بومعزة عبد المجيد محمود حمدي ، تحدث عن مهمته كطبيب بالحماية المدنية، قائلا بأنها تختلف تماما عن مهام الطبيب في المؤسسات الاستشفائية، مشيرا إلى أنه اشتغل لمدة 3 سنوات بالمستشفى الجامعي بن باديس بقسنطينة ، ثم انتقل للعمل في مديرية الحماية المدنية سنة 2003 برغبة منه. و أوضح بأن هناك فرق كبير بين العمل كطبيب في المستشفى، و في الحماية المدنية، معتبرا بأن المستشفى بيئة محمية، تمكن الطبيب من العمل في أحسن الظروف، و تسمى بمهمة الطب الاستشفائي ، في حين يعمل طبيب الحماية المدنية في بيئة غير ملائمة، كالشارع و مكان حريق و انهيارات و غيرها ، فيقوم بمهمة الطب ما قبل الاستشفائي، فيحاول من خلاله، تثبيت حالة الضحية لإيصاله إلى المستشفى في أحسن الظروف . و من بين الحوادث التي ظلت عالقة في ذهنه ، انهيار سقف مبنى في طور البناء فوق رجل، ما تسبب في تكسير أطرافه الأربعة، و استدعى استعمال رافعة لرفع السقف و إسعافه، و قد استغرقت العملية ساعة كاملة، كان خلالها يتحدث مع الشخص الموجود تحت الأنقاض ، و الذي كان يتكلم معه بشكل عادي ، طالبا منه إنقاذه، و وعده بإعداد وليمة له إن تم ذلك، و بعد رفع السقف، حقنه في الوريد و قدم له الإسعافات الأولية، و تم نقله في سيارة الإسعاف باتجاه المستشفى، و هو يتحدث بشكل عادي، لكنه توفي فجأة بأزمة قلبية . و بخصوص المشاكل التي يصادفها كطبيب، قال بأنه يتعرض في بعض الأحيان لسوء معاملة عائلة المسعف، كما أنه تعرض للسب و الشتم عبر الهاتف من طرف مواطن طلب منه التدخل فورا ، و لم يترك له المجال للاستفسار عن المريض لاتخاذ إجراءات اللازمة لإسعافه. و أشار إلى أنه اضطر في حالات كثيرة إلى إيداع شكاوى ، إلا أنه تراجع بعد التنقل إلى أماكن الحوادث، و قال بأن الطبيب أو العون ، يعمل تحت الضغط أحيانا، بين إنقاذ مريض من الموت و المعاملة السيئة ، كما أوضح بأن البذلة النظامية تحقق له و لزملائه الهيبة و هي حاجز واق لهم. رئيس خلية الإعلام و الاتصال و العلاقات العامة نور الدين طافر تقديم عناوين خاطئة يؤخر تدخل مصالحنا أحيانا رئيس خلية الإعلام و الاتصال و العلاقات العامة نور الدين طافر أوضح بأن مركز التنسيق العملي بعلي منجلي، ينسق كل التدخلات مباشرة عند تلقي النداء ، و عندما تكتمل المعلومات يقدمها إلى مسؤول القطاع و الخلية المكلفة بالإعلام و و ترسل مباشرة على شكل بيانات إلى وسائل الإعلام. و أرجع في سياق آخر سبب تأخر مصالح الحماية المدنية للوصول إلى مكان الحادث هي النداءات الخاطئة التي تصلها، حيث يقدم المتصلون أحيانا عناوين غير صحيحة ، كما لا يقدمون مؤشرات تسهل الوصول إلى المكان المنشود ، بالإضافة إلى الاختناق المروري، و بخصوص تأخر إرسال البيانات إلى الجهات الإعلامية، قال بأنهم ينتظرون وصول المعلومات الصحيحة عن الحوادث و تتطلب أحيانا انتظار عودة الفرقة التي قامت بالتدخل.