تشهد أرياف ولاية تبسة، منذ ظهور وباء كورونا، هجرة جماعية غير مسبوقة، لبيوت كانت إلى وقت قريب خالية من السكان لسنوات، لتبرز ظاهرة هجرة جماعية عاجلة نحو الأرياف من جديد، أعادت الحركية إلى بعض المناطق النائية وبعض القرى والمساكن المهجورة، وبعثت الروح إلى مساكن كانت مقفرة. و غيّر فروس كورونا نمط الحياة وقلب بعض المعادلات ولو مؤقتا، إذ بات التباعد الاجتماعي أو الجسدي يطرح نفسه حلا للوقاية أكثر من هذا الفيروس، فابتعاد الإنسان بجسده عن الإنسان الآخر حقيقة وقائية فرضها اليوم وباء كوفيد-19، فعزز هذا التباعد وتفادي الاكتظاظ الهجرة العكسية نحو الأرياف بحثا عن الأمان من هذا الوباء. عرف الرّيف قبل سنوات هجرة بعض السكان له رغم خضرته وهدوئه نحو اكتظاظ المدينة وضجيجها، سواء بصفة وقتية أو نهائية بحثا عما يسدّ الرمق أو طلبا للعلم أو ربّما تأثرا بحياة التمدّن، وقد ارتفعت وتيرة هذه الهجرة الداخلية طيلة السنوات الأخيرة، وخلّفت اختلالا في توازن التوزيع العمراني، فغصّت المدن الكبرى بالهاربين من حيف الفقر والباحثين عن العمل، فيما بقي الريف وطنا هامشيا لمن لا يزال يقطنه وفضاء ترفيهيا لزواره الوقتيين، رغم ما وفرته الدولة من مرافق مساعدة على الاستقرار، من سكنات ريفية، مزودة بالماء والكهرباء، وشق الطرقات. ومن خلال حديثنا مع الكثير ممن آثروا العودة إلى الريف، أكدوا أنهم خيّروا العودة مخافة إصابة عائلاتهم بالوباء ، فطالما الهجرة إلى مكان دون اكتظاظ أو تزاحم قد تحميهم من خطر الإصابة بهذا الفيروس، و لم يؤجلوا الفكرة خاصة وأن المدّة قد تطول، وهي فرصة أيضا لتغيير الجو والابتعاد عن ضغط المدينة. وفي هذا الصدد يقول» حسان ق « للنصر» أنه هجر الريف منذ سنوات، ويزوره فقط في بعض المناسبات القليلة، لكنّه عاد في الأسبوعين الأخيرين إلى بيت جده، فهو لم يحتج إلى الكثير من الأثاث أو أي شيء من الكماليات، مكتفيا ببعض الأثاث البسيط الموجود، مبينا أنه يكفيه ما حمله من ملابس له ولعائلته، وزاده من المواد الغذائية الأساسية التي قد تكفيه لعدة أيام». سليمان وزوجته بدورهما، تعودا على قضاء أغلب العطل في الرّيف، سيما في عطلة نهاية الأسبوع والعطل الموسمية، وقد اختار، بعد توقف الدروس والعمل وفرض الحجر المنزلي، العودة إلى بيت العائلة، ولم يحتج للكثير ليحمله معه فقط بعض الحاجيات الضرورية والمواد الغذائية، ويقول ل»النصر» إنّه قرر التنقل في هذا الظرف الخطير ليحمي عائلته من خطر الوباء، لاسيما وأنّ منزل والده في الريف يقع في منطقة تقلّ فيها الزيارات واللقاءات، كما يوجد ما يحتاجه من مواد غذائية وخضر، وأكد أن الظرف الحالي لا يدفع المرء إلى التفكير في بعض الكماليات، مشددا أنه يكفي حاليًا تأمين بعض ما يسد الرمق ويفي بالحاجة إلى أن ينتهي خطر الوباء وتعود الحياة إلى مجراها الطبيعي». و حرّك فيروس «كورونا» رحلات العودة إلى الريف، فتوقف الدروس إلى جانب توقف العمل في العديد من المؤسسات وغلق أغلب المؤسسات، إلى جانب صعوبة التنقل لتوفير بعض المواد الغذائية، كانت أسباب هروب الكثيرين إلى الأرياف والمكوث مع الأقارب، مخافة الإصابة بالعدوى أو هروبا من الملل وعدم القدرة على تحمّل البقاء في فضاء مغلق طيلة أسابيع أو حتى أكثر، وقد اختارت بعض العائلات هذا الخيار خاصة بعد توسع دائرة المصابين بهذا الفيروس. الكثير ممن اختاروا حياة الريف، يتابعون باستمرار ما ينشر من أخبار حول انتشار الفيروس في العالم، مؤكدين أنه في ظل تواصل انتشار هذا الوباء، كان خيار العودة إلى الريف أفضل خيار بالنسبة إليهم، ويبدو أنهم محظوظون لأنّهم يملكون منازلا في الريف، حيث لا قلق ولا ملل من سجن وقتي بين جدران المنزل. لعل من بين إيجابيات كورونا، أنها حوّلت الريف اليوم من مكان منبوذ لدى البعض بسبب عزلته إلى مكان محبّذ هربا من الوباء، ومن مكان طرد إلى مكان جذب، فكم يتمنى كل شخص اليوم في الحجر الصحي المنزلي أن يسكن بيتا ريفيا متواضعا، لأنه حاجته اليوم لا تتعدى بعض الزاد والهواء النقي بعيدا عن تزاحم المدينة وضيق مساكنها.