اعتبر الرئيس السابق لاتحاد الشاوية عبد المجيد ياحي، لجوءه للمراهنة على التقنيين الأجانب، من العواقب الحتمية للوضعية التي تعرفها سوق المدربين في الجزائر، وأكد بأن معظم التقنيين «المحليين» يضعون أنفسهم كرهائن في أيدي «المناجير» الذي يضمن لهم عقد عمل، مع التجرد من أخلاقيات المهنة، وتحمل كامل المسؤولية عندما يتعلق الأمر بالجانب الفني. ياحي، وفي حوار خص به النصر، حاول تبرئة ذمته من تهمة الضلوع في نشاط «الكواليس»، كما صبّ جام غضبه على الحكام، وأكد بأن جماعة حموم قد عاثت في هذا السلك فسادا، كما عاد إلى ذكريات تتويج اتحاد الشاوية بلقب البطولة، واعتبر الصعود إلى الوطني الأول على حساب السنافر يعادل في حلاوته نكهة التتويج. حاوره: صالح فرطاس - نستهل هذه الدردشة بالاستفسار عن برنامج يومياتك في هذه المرحلة الاستثنائية، في ظل تزامن الأزمة الوبائية مع شهر رمضان؟ لكل وضعية معطياتها، والحل الأنجع يبقى الالتزام بالحجر الصحي كإجراء وقائي، وأنا شخصيا لم أغادر البيت إلا في مرات قليلة جدا، منذ تسجيل أولى الحالات في الجزائر، والوضعية بولاية أم البواقي أصبحت خطيرة، بعدما أخذ المنحنى في التصاعد، جراء عدم وعي المواطنين بالخطر الذي يحدق بهم، نتيجة السلوكات التي نشاهدها من ازدحام وطوابير طويلة في الأسواق يوميا، رغم الحملات التحسيسية، وهو واحد من العوامل التي زادت في إصراري على ضرورة التمسك بالحجر المنزلي، ولو أن التعوّد على هذا الريتم الجديد في الحياة اليومية، ليس سهلا بالنسبة لأي فرد من الأسرة الرياضية، لأننا اعتدنا على كثرة النشاط والحيوية في الملاعب، والتنقلات في نهاية الأسبوع، كما أن الأمور في شهر رمضان تأخذ مجرى مغايرا، والصيام هذه السنة افتقد لكامل نكهته، بسبب هذه الظروف العصيبة، إضافة إلى تواجد إبني ناجي في السجن، إذ أن العائلة أصبحت لا تتلذذ حلاوة هذا الشهر إطلاقا. - نعرج الآن للحديث عن النشاط الرياضي، بالتساؤل عن سر انسحابك إداريا من رئاسة اتحاد الشاوية، رغم أنك تبقى المسير الفعلي للفريق؟ انسحابي من رئاسة النادي كانت فعلا مجرد إجراء إداري، لأنني حاولت تسليم المشعل لبعض الشبان من محيط الفريق، سعيا مني لتعويدهم على أجواء التسيير، فكانت البداية بتولي لخضر معروف منصب الرئاسة، وقد بقيت إلى جانبه على مدار موسمين، ثم جاء الدور خلال الصائفة الماضية على ابني طارق، الذي يقود حاليا الإتحاد، لكن الإشكال الذي يواجهه الفريق يبقى دوما شح مصادر التمويل، لذا فإنني أجد نفسي مجبرا كل موسم على البقاء على صلة بالطاقم المسير، لأن أموالي الخاصة تكون في غالب الأحيان الحل الذي يتم اللجوء إليه لتجاوز الأزمات الخانقة، ولو أن من شغلوا منصب الرئاسة بعدي من المحسوبين على نفس المجموعة، في ظل العزوف الجماعي عن تحمل مسؤولية تسيير النادي، ولو أن انسحابي من الرئاسة «إداريا»، كان بمثابة موقف اتخذته كرد فعل شخصي، بعد الظلم الذي تعرض له فريقنا في قضية السقوط من الرابطة المحترفة الثانية، سيما بعد اقتراح معاقبتي بالإقصاء من الساحة الرياضية مدى الحياة من طرف المكتب الفيدرالي السابق، وهي العقوبة التي خفضتها المحكمة الرياضية إلى سنتين نافذتين، رغم أن هذه العقوبة لا تهمني، بقدر ما تأثرت بالموقف الغريب لمسؤولي الفاف والرابطة المحترفة آنذاك عند معالجتهم تلك القضية، والتي تبقى بمثابة «الفضيحة» التي تلطّخ سمعة كرة القدم الجزائرية على مدار التاريخ، والموسم القادم سأعود بحول الله لرئاسة النادي، سيما بعد ضمان العودة إلى الرابطة الثانية بنسبة كبيرة جدا. - ولماذا لم تتجرأ على الترشح لرئاسة الاتحادية كممثل لرؤساء الأندية، قبل أن يتكفل زطشي بهذه المهمة؟ رئاسة الفاف أو التواجد على مستوى إحدى الهيئات الكروية ظل خارج دائرة اهتماماتي، لأن الفرصة كانت متاحة لي قبل سنة 2001، لما تقرر استحداث قائمة خبراء الوزارة، وانتقاداتي للطريقة المنتهجة في تسيير الاتحادية، كانت مبنية على أسس صحيحة، لأن الجمعية العامة للفاف فقدت قيمتها، ومصير الكرة الجزائرية أصبح يتقرر في مدة زمنية لا تتجاوز 15 دقيقة، وهذا عار على رؤساء الرابطات والأندية، لأنهم تنازلوا حتى عن حق مناقشة أي نقطة في الأشغال، في الوقت الذي كانت في دورات الفاف في أواخر تسعينيات القرن الماضي ساخنة جدا، وأتذكر جيدا موقف المرحوم كزال، الذي غادر القاعة باكيا، بعد رفضنا المصادقة على حصيلته، بسبب الهزيمة الثقيلة التي تلقاها المنتخب في مصر سنة 2001، كما أنني شخصيا كنت ذات مرة قد طلبت من السعيد عمارة توضيحات بشأن تذكرتي سفر على متن الطائرة لزوجته من ميزانية الفاف، وتلك القضية كانت وراء عدم حصوله على التزكية، كما أن أشغال الجمعيات العامة للفاف كان تمتد على مدار يومين، لأن الأمر يتعلق بقرارات حاسمة تخص وضعية كرة القدم الجزائرية والتي تتطلب التشريح، وليس المصادقة في ظرف قياسي، دون المبادرة إلى النقاش أو التحفظ. - لكن المعروف عن ياحي أنه ينتقد دوما الحكام، ويوجه لهم اهتمامات بالرشوة، فهل كنت تتوفر على الأدلة المادية التي تبرر بها تصريحاتك؟ التحكيم الجزائري بلغ أعلى درجات «الفساد» في عهد خليل حموم، لأن معيار الكفاءة تم وضعه جانبا، وتم اعتماد نظام «الكوطة» للمحسوبين على جناحه وجناح روراوة، واتحاد الشاوية كان من أكبر المتضررين من التحكيم في تلك الفترة، والجميع يتذكر قرار احتساب ضربة جزاء ثم التراجع عنها بأم البواقي، لأننا رحنا ضحية تصفية حسابات، والاتهامات التي كنت أوجهها للحكام ثابتة، لأن الأسماء التي كانت تنشط في الكواليس تتكفل بمهمة التفاوض نيابة عن الحكام، ليتولى الحكم تنفيذ الأوامر التي تعطى له، باتخاذ قرارات غريبة فوق أرضية الميدان، لكنه في الحقيقة على دراية بكل ما يحدث من ورائه، لأن الانطلاقة تكون باستشارته من طرف المسؤولين عن التعيينات حول مدى قدرته على التكفل بالمعمة التي سيكلف بها، واختيار الحكام لإدارة المباريات لم يكن بحسب قدراتهم الميدانية، وإنما وفق حسابات الكواليس، وهي المعطيات التي جعلت المكتب الفيدرالي الحالي يرث «قنبلة» لم يتمكن من تفكيكها إلى حد الآن، لأن التحكيم متعفن بمحيطه، ولا يمكن تطهيره بين عشية وضحاها، مادامت رؤوس الفساد مازالت تتحكم في الكثير من الحكام. - إلا أن المتتبعين للشأن الكروي يضعون ياحي في خانة أول من افتعل «الكولسة» والمتاجرة بالمباريات؟ هذه الحكاية تعود إلى موسم 1991 / 1992، لما كنا في صراع مع شباب قسنطينة على تأشيرة الصعود إلى الوطني الأول، حيث أصبحوا يصفونني بالمختص في الكواليس، رغم أن فريق اتحاد الشاوية في ذلك الموسم صعد لأول مرة إلى القسم الثاني، وبصفتي رئيس النادي لم أكن أعرف حتى مقر الفاف أو الرابطة الوطنية، وسياستي في التسيير كنت تزعج الكثير من رؤساء النوادي، خاصة وأنني أضع منافسي على الصعود تحت المهجر أسبوعيا، حتى في التدريبات، كما أن تعداد فريقنا يتشكل من لاعبين يبحثون عن فرصة للبروز، وهي الاستراتيجية التي كللت بالنجاح، حيث كانت وراء تتويجنا بلقب البطولة الوطنية في ثاني موسم لنا فقط مع الكبار، وذلك التتويج كان بطعم خاص، لأنه تحقق في آخر ثانية من عمر البطولة، لما انقلبت الموازين رأسا على عقب، وانتزعنا اللقب من جيل برج منايل في «سيناريو» دراماتيكي، والتكلفة آنذاك لم تتجاوز 2,1 مليار سنتيم، كما أن الصراع على الصعود مع شباب قسنطينة في الوطني الثاني وكسب الرهان مرتين يبقى أيضا من الذكريات، التي لا يمكن أن ينسى حلاوتها أحد، لأنها كانت مليئة بالمغامرات والإثارة، خاصة سنة 2003، وتحقيق هذه الانجازات في ظرف وجيز كانت وراء اتهامي بالكولسة. - هل لنا أن نعرف سبب مراهنتك في أغلب الأحيان على المدربين الأجانب، ومن أفضل التقنيين الذين تعاملت معهم طيلة مشوارك؟ سوق المدربين في الجزائر افتقد للكفاءة، والأغلبية أصبحت تبحث عن مناصب عمل في الأندية من أجل كسب المال فقط، دون تكليف أنفسهم عناء المبادرة لتطوير القدرات باستعمال التكنولوجيا الحديثة، ومواكبة التطورات التي تشهدها الكرة من جميع جوانبها، لأنها أصبحت علوما وأبحاثا، وليست فقط تدريبا في الملاعب، فضلا عن بقاء الكثير من التقنيين كرهائن في قبضة «المناجرة» الذين يضمنون تنقلهم بين الفرق كل مرة، لأن هذه المعادلة تلقي بظلالها على الخيارات التكتيكية للمدرب في المباريات، وإلزامه بتنفيذ تعليمات «المناجير» الذي يسعى بدوره لمنح الفرصة للاعبين المحسوبين كموكليه، ليبقى الشطر الآخر من هذه الوضعية «كارثي»، خاصة وأن بعض التقنيين أصبحوا يتعاملون مع اللاعبين بنسبة من المستحقات المالية عند ضمان الإمضاء في الفريق، وهي المعطيات التي جعلتني أصرف النظر عن المدربين الجزائريين، رغم أنني أعترف بجدية وصرامة المرحوم كرمالي وبوعلام شارف من بين التقنيين الذين تعاملت معهم، وعليه فإن اللجوء إلى الخيار الأجنبي كان حتميا، لأن المستقدم من الخارج يتكفل بمهمة متابعة الفريق باستمرار، على مدار يوم كامل، كما أنني أتعامل مع الأجانب بانضباط كبير، وأحاسبه في نهاية المطاف، والجزائر تفتقر حاليا لمدربين محليين قادرين على البروز قاريا، لأنهم جميعا ولدوا من رحم الهواة، ولم يبلغوا بعد درجة «الاحتراف»، بينما يبقى بلماضي النموذج الحي على التقني الناجح، كونه محترفا منذ كان لاعبا، لأن الاحتراف ينطلق من الذهنية، وتجربتي مع الرومانيين أنجيليسكو دان وبيتر جيجيو سمحت لي بالوقوف على ذلك، لأنهما فقدا الكثير من الميزات بعد غوصهما في سلوكات اللاعب والمدرب الجزائري.