لقاح كورونا لن يُسوَّق لكل العالم قبل 2021 * متفائل باستحداث وزارة للصناعات الصيدلانية بالجزائر يرى الدكتور عمر عيمر المستشار في اليقظة الدوائية لدى مخابر بكندا، أن لقاح كورونا قد لا يكون متوفرا لكل سكان العالم قبل نهاية العام المقبل، و يُفسر ذلك بأن عملية تصنعيه بكميات كبيرة لمعالجة عدد كبير من الأشخاص، ليست أمرا هينا وتقتضي وقتا أطول، كما يؤكد ابن مدينة سعيدة أنه لا يؤمن بنظريات المؤامرة في عالم الدواء، لكنه لا ينفي وجود تسابق بين الدول لإيجاد علاجات تخدم البشرية وتضمن لها الريادة، ليتطرق الصيدلي إلى مزايا توظيف الذكاء الاصطناعي في هذا المجال والحلول المقترحة للخروج نهائيا من مشكلة ندرة الأدوية بالجزائر، إضافة إلى مواضيع أخرى تطالعونها في هذا الحوار الذي أجرته معه النصر. حاورته: ياسمين بوالجدري نبدأ من جائحة كورونا التي قلبت الموازين على عدة أصعدة في العالم، ومنها الصناعات الصيدلانية فقد أصبحت الدول تتسابق لإيجاد لقاح أو دواء للفيروس المستجد. ما الذي سيتغير في صناعة الدواء في عالم ما بعد الجائحة؟ ما سيتغير في مجال صناعة الأدوية ليس ببعيد عن ما سيتغير في المجالات الأخرى عموماً، فسيعاد النظر في منظومات البحث و التطوير، وسياسات الأبحاث السريرية و خصوصا أنه سنرى إعادة تأميم صناعة المواد الصيدلانية الاستراتيجية التي تم نقل تصنيعها من أوروبا و أمريكا، إلى الصين و الهند و بعض الدول الناشئة الأخرى، فقد رأينا الجهود الدبلوماسية التي بذلتها الدول لاستيراد مواد كانت هي مصدر تصنيعها في الماضي. الذكاء الاصطناعي صار ضروريا لتحليل المعطيات الصحية كثر الحديث عن «لوبيات» دواء تحارب استخدام أدوية مستعملة سابقا لأمراض أخرى، في علاج فيروس «كوفيد 19». هل نحن فعلا أمام حرب دواء عالمية أم أن الأمر مجرد ترويج لنظريات مؤامرات غير مُثبتة؟ شخصيا، لا أؤمن البتة بقصص المؤامرات في المجال الصيدلاني خصوصا في ظل هذه الجائحة، لكن هناك تسابق نحو تطوير لقاح وعلاج لهذا الوباء. المخبر و الدولة التي ستطور علاجا لهذا الوباء ستثمن ريادتها علمياً و سياسياً و دبلوماسياً و تمنّ على العالم خروجه من الأزمة الحالية و سوف تكون أول من يخرج منها و أول من يعود إلى التسابق الاقتصادي. تتطلب صناعة الأدوية وفق البروتوكول المعمول به دوليا، 10 سنوات على الأقل تجرى خلالها العديد من الأبحاث والاختبارات على الحيوانات وكذا التجارب السريرية، لكن الجائحة أظهرت حاجة العالم إلى سرعة التصرف في مثل هذه الأزمات، حتى أن هناك من دعا إلى التخلي عن بعض هذه القواعد تماشيا مع الظروف الجديدة. ما رأيك؟ هناك قواعد لا يمكن التخلي عنها لتطوير أدوية ذات جودة وذات ميزان «منافع/ مخاطر» ملائم لتوقعات المرضى و عمال الصحة من أطباء، صيادلة و ممرضين، إلا أن منظمة الصحة العالمية والمجلس الدولي لتنسيق المتطلبات التقنية للمستحضرات الصيدلانية للاستخدام البشري و وكالات الصحة الوطنية و الإقليمية، أصدرت في بداية الجائحة إجراءات طارئة تعطي الأولوية للبحث و تطوير علاج سواء كان لقاحا و مضادا فيروسيا، لمرض كوفيد-19، و تسريع الإجراءات بما في ذلك التجارب السريرية وكذا دراسة المنافع و المخاطر التي بموجبها يقرر قبول تسويق الدواء و استعماله أم لا. أعلن علماء من الصينوأمريكا و روسيا و ألمانيا، بأنهم يعكفون على تطوير لقاحات ضد فيروس كورونا. هل تتوقع أن تكون متوفرة فعلا في غضون الخريف المقبل؟ البحث و التطوير عن علاج الوباء بدأ منذ ظهور الجائحة، سواء لتطوير علاج جديد أو بتجريب أدوية مستعملة من قبل لعلاج أمراض أخرى، و الدول و المخابر في سباق ضد الساعة لتمكين العالم من الخروج من هذه الأزمة الصحية. نعم هناك بوادر تصنيع لقاح في نهاية العام و لكن هذا لا يعني أن كل البشرية ستتلقى اللقاح قبل نهاية العام، فاكتشاف دواء أمر و تصنعيه بكميات كبيرة لمعالجة عدد كبير من سكان العالم، أمر آخر و ليس بالهين و يقتضي وقتاً أطول، و في نظري أن هذا لن يكون قبل نهاية العام المقبل و الله أعلم. لا وجود للخطر 0 في مجال الإنتاج الصيدلاني من مهام اليقظة الدوائية، وهو تخصصك، الإبلاغ عن الآثار الضارة للأدوية والتحقق من سلامتها ومدى خطورتها، ونحن نرى اليوم كيف يتم تحويل عقاقير موجهة لحالات مرضية بعينها، إلى استعمالات أخرى لعل أخطرها تعاطي المخدرات. هل ترى حلا جذريا في الأفق؟ اليقظة الدوائية تتدخل طوال دورة حياة الدواء من تطويره إلى التخلي عنه أو منع تسوقيه بموجب ميزان المنافع/المخاطر الذي تتم دراسته باستمرار. الحل الجذري أو ما يسمى بالخطر 0 لا يوجد و إنما التحسين و التحكيم الدائم لاستعمال الأدوية خاصة بعد تسويقها، وذلك من وصفة الطبيب إلى الاستعمال مرورا بالتوزيع و النصح ضمن معايير علمية صارمة يضمن احترامها المصنع و وكالات الأدوية لتفادي الأخطار التي قد تكون وخيمة. أنت من الباحثين المهتمين باستعمال الذكاء الاصطناعي في اليقظة الدوائية. ما هي المزايا التي يمكن أن تتحقق من خلال توظيف التكنولوجيا في صناعة الدواء؟ استعمال الذكاء الاصطناعي في المجال الصيدلاني قد أتى متأخراً بعض الشيء و لو أنه في صالحه لأن تجربته و تحسينه مر من قبل بمجالات أخرى مثل الهواتف و السيارات. أما عن اليقظة الدوائية، فمنذ انطلاقها الفعلي في الستينيات و لو أن ظهورها قديم بقدم وجود الأدوية، فإن المعطيات الصحية في تزايد كبير في قواعد المعطيات للأعراض الجانبية للأدوية لوكالات الأدوية (FDA. EMA, Health Canada). الجائحة جعلت الدول تسعى لتحقيق الاستقلالية في صناعة الدواء هذا الكم الهائل من المعطيات الذي أصبح يفوق عشرات الملايين، لا يتم تحليله و الاستفادة منه إلا باستعمال الذكاء الاصطناعي و هذا ما قامت به أكبر المخابر الدولية بالتعاقد مع شركات الذكاء الاصطناعي وأغلبها في السيليكون فالي بكاليفورنيا الأمريكية. ينتقد المجتمع الطبي الاستعمال المفرط للأدوية، بالأخص المضادات الحيوية و مضادات الالتهاب التي قررت بعض الدول وضع قيود على شرائها بعد أن بينت دراسات أنها تضعف مناعة الجسم ضد هجمات البكتيريا والفيروسات. ما الحلول التي تقترحها في هذا الخصوص؟ محاولات إيجاد الحلول موجودة. ترشيد استعمال الأدوية قامت به و تستمر فيه الدول المتقدمة و قد ينعكس هذا حتماً بالإيجاب على الصحة العمومية و الاقتصاد الوطني. يمكن ذلك بسياسات مُحكمة و خاصة بتطبيقها على حيز الواقع من الجهات الحكومية و أخص بالذكر وكالة الأدوية و وزارة الصحة و كذلك المتعاملين الاقتصاديين و الجمعيات العلمية و حتى الجامعة من خلال تكوين الأطباء و الصيادلة والممرضين و غيرهم. تتوفر الجزائر على العديد من شركات صناعة الأدوية ومن بينها مجمع صيدال الذي قطع شوطا لا بأس به في هذا المجال، لكن مشكلة ندرة الأدوية ما تزال تسجل من فترة إلى أخرى، كيف يمكن الخروج منها برأيك؟ مشكل ندرة الأدوية مشكل عالمي و لا يخص الجزائر فقط و ذلك لأسباب اقتصادية و تقنية عديدة، لكن تتفاوت درجة هذه الندرة و أسبابها من بلد لاخر و يمكن تفادي حدتها بتحكيم و تطبيق سياسات رشيدة. أنا متفائل باستحداث وزارة مستقلة للصناعة الصيدلانية لأول مرة في تاريخ الجزائر، وأتمنى أن ننتهز من خلالها الفرصة لتأطير هذا القطاع الحساس في مجال تنوع المواد المصنعة خاصة للأمراض المزمنة محلياً و تحقيق اكتفاء ذاتي و استقلالية لأبعد حد ممكن، و هذا التحدي الذي تعلمته و الذي ستعمل على تحقيقه معظم الدول بعد هذه الأزمة الصحية العالمية. بحكم خبرتك الكبيرة في مجال الصناعات الصيدلانية وتدريسك سابقا بالجزائر، ألا تخطط لنقل معارفك إلى بلادك؟ غادرت الجزائر بعدما درست و عملت في المجالين الجامعي و الصحي و أعرف مدى قدرات الإطارات في الجزائر. لا أزال أشعر بأنني واحد منهم و أنا على اتصال ودي دائم مع بعض من الزملاء، لكن لا توجد حتى الآن و للأسف، ولا أعمم ذلك، أية رغبة من جهات رسمية داخل الوطن في التعاون و الاستفادة و لست الجزائري الوحيد في هذا المجال بالخارج. مستعد لمساعدة الوكالة الوطنية للأمن الصحي دُعيت و أُدعى للمشاركة في مؤتمرات في الولاياتالمتحدةالأمريكية و أوروبا و من طرف دول مغاربية غير الجزائر، و مع ذلك قمت بالاتصال مع جمعيات طلابية لإقامة محاضرات تطوعياً عند رجوعي للعطلة في الجزائر. آمل في تقديم يد المساعدة في مجال اليقظة الدوائية للوكالة الوطنية للمواد الصيدلانية التي عُين على رأسها البروفيسور كمال منصوري، و الوكالة الوطنية للأمن الصحي المُستحدثة برئاسة البروفيسور كمال صنهاجي، و ذلك لتحسين و إصلاح منظومة الصحة و تقديم خدمات ذات جودة للمواطن. لا يخفى على الجهات الرسمية أن للجزائر ذخيرة كبيرة من الإطارات المتواجدة في ربوع العالم، والتي لن تتوان عن تقديم يد المساعدة في الإنجازات و التحديات التي تواجه الوطن في الوقت الحالي و في المستقبل. ي.ب من هو الدكتور عمر عيمر؟ خريج تخصص الصيدلة بجامعة السانية في وهران سنة 2000. التحق بعدها بجامعة الجزائر و تخرج منها بدكتوراه في علم الأدوية سنة 2004. عمل عقب ذلك بالمخبر الوطني لمراقبة المواد الصيدلانية و كأستاذ مساعد بالجامعة، ثم انتقل إلى المستشفى الأوروبي جورج بومبيدو بباريس أين عمل على اليقظة الدوائية و متابعة الأعراض الجانبية الخطيرة لدى المرضى الذين خضعوا لزراعة القلب، الرئتين و الكلى. تحصل بالموازاة مع ذلك على ماستر في الصيدلة الحيوية و الصناعية و ماستر قي اليقظة الدوائية بجامعة باريس ديكارت، ثم انتقل إلى مستشفى ريمون بوانكاري التابع لمستشفيات باريس و درّس كأستاذ بماستر الأبحاث السريرية بجامعة فارساي. تنقل الدكتور عمر عيمر إلى كندا منذ سنوات أين يعمل كمختص ومستشار لليقظة الدوائية لدى مخابر الصناعة الدوائية، وهو ينشط أيضا كمحاضر و يكتب عن مستقبل استعمال الذكاء الصناعي في اليقظة الدوائية و حماية المريض في مؤتمرات عالمية بالولاياتالمتحدة و أوروبا. عضو في الجمعية الدولية لليقظة الدوائية. تحصل مؤخراً على شهادة تحسين الصحة العالمية في مجال التركيز على الجودة والسلامة من جامعة هارفارد الأمريكية.