صنع أولمبي الطارف ملحمة كروية باقتطاعه إحدى تأشيرات الصعود إلى وطني الهواة، لأن هذا الفريق يعد «أصغر» الأندية من حيث التواجد في الساحة الرياضية، لكنه تمكن من بلوغ الدرجة الثالثة من الهرم الكروي الوطني، بعد 6 سنوات فقط من رؤيته النور. هذا الإنجاز، جاء بعد ركود كروي كبير عاشت على وقعه الولاية رقم 36، لأن شباب الذرعان كان السفير الوحيد لهذه الولاية في أعلى الأقسام، بعدما أدرك الوطني الثاني منتصف العشرية المنصرمة، إلا أن أولمبي الطارف كسر هذه «الطابوهات»، وحجز مكانة له مع أندية وطني الهواة، بعد «ثورة» كروية انطلقت مع بداية العهدة الأولمبية الجارية، لما كان الفريق ينشط في الجهوي الثاني، لتكون نهاية العهدة بتحقيق الصعود 3 مرات، ويحط القطار «الأصفر» الرحال في حضيرة الهواة. ولعل أبرز عامل في صنع هذه الملحمة يبقى «الإستقرار»، لأن الأولمبي حافظ على نفس التركيبة الإدارية والفنية على مدار 4 سنوات، تحت قيادة الرئيس وليد لعراب، وإشراف المدرب الشاب عبد الرزاق قصاب، فضلا عن المحافظة على النواة الأساسية للتعداد، غالبيتها من أبناء المنطقة في صورة مصباح، بومعزة، لعناني، العايش، دار زحاف، تحري، بن حليمة وغيرهم، لأن هذه التركيبة شكلت مجموعة منسجمة ومتناسقة، تحدت نقص الخبرة وصنعت الحدث بفضل الإرادة الكبيرة التي أظهرتها ميدانيا. والملفت للانتباه، أن مسيرة «الغزلان» نحو وطني الهواة كانت استثنائية، وميزتها الأساسية نجاح الفريق في تحقيق الصعود بعد احتلاله المركز الثاني، وهذا «السيناريو» تكرر من باب الصدف 3 مرات، والاستفادة من قرارات المكتب الفيدرالي كانت في مناسبتين، لكن ذلك لا ينقص من قيمة الإنجازات المحققة، لأن الصعود لم يكن «هدية» بل ثمرة استراتيجية عمل منتهجة، تتماشى والإمكانيات المادية للنادي، بدليل أن تكلفة الصعود إلى وطني الهواة عبر بوابة المجموعة الشرقية لم تتجاوز 1,4 مليار سنتيم، مع تسجيل توازن كبير في التسيير المالي، ومؤشر الديون التي لا تزال متراكمة على كاهل الفريق يبقى في حدود 300 مليون سنتيم.هذه الانتفاضة الكروية لأولمبي الطارف، ساهمت بصورة مباشرة في إحداث إقلاع رياضي كسر الركود الذي عاشته عاصمة الولاية 36 لسنوات طويلة، لأن النادي كان قد تأسس سنة 1956، ثم توقف عن النشاط، وبعثه بحلة جديدة منتصف العشرية الحالية أعطى «ديناميكية» أكبر، بدليل أن الفريق كسب قاعدة جماهيرية كبيرة، مما جعل مدرجات ملعب زواغي تشهد حركية افتقدتها لعقود طويلة من الزمن. التعداد الكامل للفريق لموسم 2019/ 2020: حراس المرمى: عزالدين لعناني – فاتح فرحاني – لحسن قدادرة. الدفاع: حسين مصباح – أحمد بومعزة – سيف الدين تحري – حامد دار زحاف – نذير علي راشدي– شفيق سناني محمد صياد – يعقوب زمار ياسين مصباح. وسط الميدان: حسين مولة – سيف الدين جعفري – شعيب مدريل – أسامة بوراوي سفيان ليرة محمد العايش لطفي بلقيدوم عمايرية أيمن حسان ضوايفية. الهجوم: عثمان جلطي – كريم بن حليمة محمد لسود – إسحاق داودي – عمار منذر – أويس بهلول كمال العيفاوي هشام بن عمر. رئيس النادي: وليد لعراب رئيس الفرع: أمين بوحدادة. المدرب الرئيسي: عبد الرزاق قصاب. المدرب المساعد: عبد العزيز صواب. مدرب الحراس: محمد علي بوراي. الكاتب العام: طارق حمدي. أمين المال: حسين مصباح طبيب الفريق: توفيق رويبي المسيرون: ياسين العرفي – عزالدين كرفس - عبد الله حمدي – عبد السلام لعراب– لخضر شريط – نبيل عمروسي حمزة داوي شوقي طراد ميلود بن حليمة سامي لعراب بلال مصباح عبد الرزاق سعيدي يزيد شعابنة يزيد طايف عبد الرؤوف غوري علي عاشوري الشريف جبالي مصطفى مواليد وليد جبالي محمد بوفايدة السعيد خوري محمد لمي نلوك الشريف بونوالة. رئيس النادي وليد لعراب: الصعود مستحق وتكلفته لم تتخط 1,4 مليار سنتيم ما تعليقك على الإنجاز التاريخي الذي حققه الفريق، بالصعود إلى وطني الهواة، بعد تجربة لموسم واحد في قسم ما بين الرابطات؟ المتتبعون لبطولة الموسم الفارط كانوا قد اقتنعوا بأن فريقنا يستحق التواجد ضمن قائمة الصاعدين إلى وطني الهواة، بالنظر إلى المستوى الذي ظهرت به التشكيلة، وحداثة التواجد في قسم ما بين الرابطات لم تكن الحاجز الذي اصطدمنا به، رغم أن الانطلاقة كانت متذبذبة، لكن بمجرد كسب اللاعبين الثقة في النفس والامكانيات تحسن الأداء الميداني وكذا النتائج، والصعود كان هدفنا الرئيسي، لأن بطولة الموسم المنقضي كانت استثنائية، والتنافس فيها كان منحصرا على الصعود، مادامت نهاية المشوار تضع الأندية الناشطة في قسم ما بين الرابطات بين خيارين لا ثالث لهما، وهما إما الصعود إلى الهواة أو السقوط إلى الجهوي، وهذه المعطيات أجبرنا على ضبط كل حساباتنا على تجنب العودة السريعة إلى الجهوي، فكان النجاح حليفنا، بعد تأدية مشوار مميز، بدليل أننا كنا بحاجة إلى فوز وحيد في الجولات الخمس المتبقية لترسيم الصعود، والتوقف الاضطراري للمنافسة بسبب جائحة كورونا جعلنا نعيش تحت تأثير الكثير من «السوسبانس»، لأن المخاوف من الموسم الأبيض تزايدت، بعدما طالت مدة التوقف، ولم يكن من المنطقي العودة إلى نقطة الصفر، لأننا تعبنا كثيرا طيلة الموسم المنصرم، فكان قرار المكتب الفيدرالي بالنسبة لنا صائبا، لأنه سمح لنا بقطف ثمار المجهودات الجبارة التي بدلناها. لكن مشوار الفريق في النصف الأول من البطولة عرف تذبذبات كثيرة، والتدارك كان في مرحلة الإياب، أليس كذلك؟ نقص خبرة اللاعبين كان سبب الانطلاقة المتعثرة، ولو أن التعادل الذي عدنا به من ميلة في الجولة الثالثة كان بمثابة الشحنة المعنوية التي أعادت التوازن للفريق، وجنبتنا الانفجار المبكر، رغم أن التشكيلة كانت قد مرت بفترة فراغ في منتصف مرحلة الذهاب، بعد خسارة «الديربي» في الذرعان، ثم الإقصاء من منافسة الكأس على يد ذات المنافس، وبعد ذلك الاكتفاء بنقطتين في 3 مباريات داخل الديار أمام كل من ترجي قالمة، نجم تازوقاغت واتحاد الحجار، فضلا عن الهزيمة التي تلقيناها أمام أولمبي بومهرة، وهذه السلسة من النتائج السلبية جعلتنا نعيش ضغطا رهيبا، سيما وأن عواقبها كانت الخروج من كوكبة النصف الأول من سلم الترتيب، ليكون الفوز الثمين الذي عدنا به من قالمة على حساب نصر الفجوج في آخر جولة من مرحلة الذهاب كافيا لاحتواء الأزمة، ولو أننا تعثرنا مع بداية النصف الثاني من المشوار، بحصد نقطتين في مقابلتين، لتكون الانطلاقة الفعلية للفريق في رحلة البحث عن الصعود منذ الجولة 18، إثر الفوز على شباب ميلة، فتوالت النتائج الإيجابية داخل وخارج القواعد، مما مكننا من تسلق سلم الترتيب بخطوات ثابتة، لنبلغ مركز الوصافة عند توقف البطولة، مع ضمان الصعود قبل الأوان. وما سر هذه الانتفاضة الكروية لفريق يمثل ولاية، لكنه ظل غائبا عن الساحة لسنوات طويلة؟ الحديث عن هذا الأمر يعود إلى تاريخ النادي، لأن الفريق كان قد تأسس سنة 1956، ولازم لفترة طويلة القسم الشرفي ثم توقف كلية عن النشاط، والعودة إلى الساحة كانت سنة 2014 باعتماد تسمية جديدة، وأولمبي الطارف بهذه الحلة انطلق في مشواره من البطولة الولائية، لكن التغيير الذي حصل على مستوى الإدارة في صائفة 2016، تزامنا مع انتخابات تجديد العهدة الأولمبية، كان المنعرج الحاسم في مسيرة النادي، لأننا سطرنا برنامج عمل على المديين القصير والمتوسط، والرهان كان بالأساس على انتهاج استراتيجية واضحة المعالم في التسيير، بالاعتماد على اللاعبين المحليين من أبناء المنطقة، والمراهنة أكثر على التكوين والعمل القاعدي، مع الحرص قدر المستطاع على ضمان الإستقرار في جميع الجوانب، وقد شاءت الصدف أن نكون محظوظين في 3 مناسبات متتالية، لأن الصعود من الجهوي الثاني كان بعد اختلالنا مركز الوصافة، وقد استفدنا من انسحاب نجم الشريعة نهائيا من المنافسة لنعوضه في الرزنامة، ثم كانت لنا تجربة لموسمين في الجهوي الأول، وقد أنهينا البطولة مرة أخرى في الصف الثاني، إلا أن الصعود كان حليفنا بعدما ارتأت الفاف تغيير نمط المنافسة في جوان 2019، بينما كانت المعطيات مختلفة هذه المرة، لأن حسابات الصعود كانت واضحة قبل انطلاق الموسم، وصعودنا كان بعد التواجد في مركز الوصافة، لنبلغ وطني الهواة لأول مرة في التاريخ. وهل لديكم من الإمكانيات ما يسمح لكم بمواصلة المشوار بنفس الوتيرة الموسم القادم؟ كما سبق وأن قلت، فإن تحقيق الصعود 3 مرات خلال العهدة الأولمبية الجارية مكننا من الخروج من الجهوي الثاني إلى وطني الهواة، لكن هذا الإنجاز كان ثمرة سياسة العمل المنتهجة وكذا الاستقرار الكبير الذي عرفه النادي، في الطاقمين الإداري والتقني، وحتى من حيث التعداد، دون تجاهل المجهودات الجبارة التي قامت بها كل الأطراف المحيطة بالفريق، لأن النجاح في السير بريتم منتظم على وقع «ديناميكية» الصعود مكن الأولمبي من كسب قاعدة جماهيرية كبيرة، بعد التأقلم بسرعة مع المستويات التي يتواجد فيها لأول مرة، لأن الإرادة تصنع «المعجزات»، والإصرار على تحقيق الهدف المسطر كان السلاح الذي بفضله تخطينا عقبة المشاكل المالية، على اعتبار أن الفريق تحصل طيلة الموسم على إعانات بقيمة 1,4 مليار سنتيم، وهو نفس المبلغ الذي يمثل المصاريف، مما يعني بأن هناك توازن مالي، لتبقى الديون السابقة مطروحة، بنحو 300 مليون سنتيم، ومع ذلك فإن الحديث عن مستقبل الأولمبي يبقى مرهونا بموقف السلطات الولائية، وكذا انتخابات تجديد العهدة، ومهما تكن الظروف فإن المحافظة على المكسب المحقق تبقى من الأولويات، وذلك بضمان البقاء في وطني الهواة. مدرب الفريق عبد الرزاق قصاب: قطفنا ثمار الاستقرار على مدار 4 سنوات هل كنت تتوقع أن ينجح الأولمبي في الظفر بإحدى تأشيرات الصعود إلى وطني الهواة؟ مما لا شك فيه أن كل حساباتنا كانت مبنية على ضرورة المراهنة على الصعود، لأن حسابات الموسم المنقضي كان واضحة، فوجدنا أنفسنا مجبرين على التأقلم بسرعة مع منافسة لم نكن نعرف خباياها، والمأمورية لم تكن سهلة، سيما وأن أولمبي الطارف اعتمد منذ الوهلة الأولى سياسة مبنية بالأساس على الاستقرار، من خلال المحافظة على ركائز التعداد لمدة 4 سنوات، وثمار هذا الاستقرار كانت تحقيق الصعود 3 مرات، وهذه الركائز كانت قد صنعت الصعود من الجهوي الثاني لرابطة عنابة، ولو أن تدعيم التعداد ببعض العناصر التي لها خبرة كان ضروريا، فكان تشكيل مجموعة منسجمة ومتناسقة مسعانا. لكن المشوار لم يكن سهلا، وقد مرّ الفريق بفترة فراغ كادت أن تقبر حلم الصعود؟ الأكيد أن التمسك بالصعود لا يعني بأن الطريق سيكون مفروشا بالورود، بل أن النجاح يكون بعد تجاوز الكثير من العقبات، وكلمة السر في الإنجاز التاريخي الذي حققناه تكمن في «الاستقرار»، لأنني شخصيا أتواجد على رأس العارضة الفنية منذ 4 سنوات، وهي نفس الفترة التي قضاها الطاقم المسير وكذا الأغلبية الساحقة من اللاعبين، الأمر الذي أدى إلى خلق انسجام كبير داخل المجموعة، ولو أنني كنت في بعض المرات قد أعربت عن نيتي في الاستقالة، بسبب تراجع النتائج، وذلك لم يكن بنية الهروب من المسؤولية، وإنما سعيا مني لفسح المجال أمام الإدارة لإحداث تغيير من شأنه أن يعطي التشكيلة دفعا آخر، لكن كل الأطراف من مسيرين، لاعبين وأنصار كانوا في كل مرة يقنعونني بضرورة مواصلة المهام، بنية الحفاظ على الاستقرار، وضمان الاستمرارية في العمل، وعليه فإن مصير المدرب لم يكن مقترنا بالنتائج، بقدر ما كان مرهونا بتركيبة المجموعة، وهو أمر لم يحدث من العدم، بل جاء نتيجة الثقة الكبيرة السائدة وسط أسرة النادي. وماذا عن مستقبل الأولمبي المقبل على خوض مغامرة تاريخية في قسم الهواة؟ بلوغ هذا المستوى يجبر القائمين على الرياضة بالولاية على التحرك، لأن الإنجازات المحققة كانت بفضل سلاح الإرادة والنيف، مع رغبة اللاعبين الشبان في رفع التحدي وكتابة صفحة جديدة في تاريخ النادي، لكن هذا السلاح لن يكون كافيا في بطولة الهواة، لأن الأمر يتعلق بمنافسة تنشطها أندية لها خبرة طويلة في مستويات أعلى، والجانب المادي يبقى ضروريا لتوفير الأجواء الكفيلة بالعمل في ظروف تتماشى ومستوى النشاط، وعليه فإن الحديث عن مستقبل الأولمبي يبقى مقترنا بحجم المساعدات التي سيتلقاها، لأن التجارب التي خضناها في السنوات الأربعة الماضية مكنتنا من استخلاص العبر والدروس، وإلتفاف الأنصار والمسيرين حول المجموعة كان سر النجاح، لكن الجرة لا تسلم كل مرة، والمعطيات مختلفة كلية الموسم القادم، ومن الضروري الشروع في التفكير مبكرا في الموسم الجديد، لأن وضع القطار على السكة ليس بالأمر الهيّن، والتعداد بحاجة إلى تدعيم، دون تجاهل الظروف التي ستجرى فيها التحضيرات، مادام الهدف المسطر يبقى منحصرا في تفادي العودة إلى الجهوي، لأن ذلك سيجعل المنحنى يأخذ الاتجاه المعاكس، وهذا ما لا نتمناه.