الحواتي، اسم لطالما أرعب جيش الاحتلال الفرنسي و كبار الكولون بحوض سيبوس الكبير بقالمة، و القاعدة الشرقية، بطل من أبطال الثورة الخالدة التي دحرت الحلف الأطلسي و حررت الأرض و البشر المستعبدين الذين عاشوا ليلا طويلا من الظلم و الفقر و الجوع و الأمراض الفتاكة منذ انتزعت منهم الأرض و هجروا إلى الجبال و الأحراش. عاش بن بروق الهاشمي الذي اشتهر باسمه الثوري الحواتي، يتيم الأب في عائلة فقيرة تتكون من أختين و ثلاثة إخوة التحقوا كلهم بالثورة المتأججة بالمنطقة و استشهد منهم اثنان، الحواتي و صالح و كتب للأخ الثالث ان يحضر استقلال البلاد، و يشهد الجلاء الكبير للكولون الذين أجبروا على الخروج من الأرض المغتصبة بعد أن ذاقوا مرارة العمل الفدائي الشجاع، الذي قلب موازين الثورة بسهل سيبوس الخصيب و أجبر محتلي الأرض على الهروب إلى المدن و انتظار ساعة الحقيقة عندما يحين موعد العملية الجديدة للفدائي الشجاع الحواتي الذي تخصص في قنص كبار المعمرين و العملاء، معتمدا على العمل الفردي و حرية المبادرة و التخطيط، بعد أن وافق قادة الثورة على طلب الحواتي بتشكيل فوج من الكوموندوس الفدائي المستقل عن الأفواج و الكتائب التقليدية للثورة. و مازال سكان قالمة يتذكرون الحواتي كلما مروا بجانب مزرعة البرتقال الشهيرة على ضفة سيبوس أين كان يترصد أهدافه بدقة و شجاعة ثم يختفي بين البساتين و يغوص في مياه النهر الكبير هربا من المطاردة و التمشيط الذي يعقب كل عملية. يقول ابنه بن بروق حسين متحدثا للنصر بأن والده الشهيد كان يقضي ساعات طويلة على ضفة سيبوس متظاهرا بممارسة صيد السمك، لكنه في الحقيقة كان يخطط و ينتظر الصيد الثمين، مزارع أوروبي كبير أو قائد عسكري هام أو خائن للثورة لم يستجب للتحذير و الإنذار، و لهذا أطلق قادة الثورة اسم الحواتي على والدي الذي شغل قادة العدو بقالمة و الولاية التاريخية الثانية برمتها، و لهذا كان استشهاده بين خطي شال و موريس في 27 أكتوبر 1960 بمثابة نصر كبير للقادة الفرنسيين بالشمال القسنطيني، و أقام كبار الكولون الاحتفالات و خرجوا إلى مزارعهم بعد هروب دام أكثر من 4 سنوات خوفا من الحواتي الذي كان يضرب و يقنص في الليل و النهار دون رحمة، و كأنه كتيبة بأكملها تخطط و تنفذ و تخوض المعارك الضارية. كل عام يسترجع سكان قالمة ذكرى استشهاد الحواتي بمدينة الشمس هليوبوليس، موطن كبار المعمرين و موطن الجهاد و الفداء و التاريخ العريق، و قد حضرت النصر الذكرى ال60 الأربعاء الماضي و جمعت شهادات حية من عائلة الشهيد و رفقاء الجهاد و الباحثين المهتمين بتاريخ الثورة بمنطقة قالمة التي تعرضت لدمار كبير، و سقط فيها آلاف الشهداء من مختلف الولايات التاريخية، نظرا لموقعها الاستراتيجي، فهي امتداد جغرافي حيوي للقاعدة الشرقية على الحدود التونسية، و ممر استراتيجي لقوافل السلاح و التموين، و معقل لكبار قادة الثورة الذين اتخذوا من جبالها مواقع سرية للتخطيط و التدريب و عقد الاجتماعات المصيرية. حرمه الفقر من الدراسة فصار قائدا لفرقة كوموندو الرعب ولد الهاشمي بن بروق المعروف باسمه الثوري الحواتي في 10 أكتوبر 1936 ببلدية هليوبوليس، و نشأ في عائلة فقيرة تتكون من الأب و الأم و خمسة أبناء، و توفي والده السعيد بن بروق و هو في سن التاسعة و ازدادت العائلة فقرا و بؤسا بعد رحيل المعيل، و وجدت الأم مسعودة بوشعير نفسها امام وضع صعب لتربية 5 أبناء و إيجاد مصادر العيش لهم، و لم تجد من يساعدها لتعليمهم فكبر الحواتي دون دراسة لكنه كان ذكيا فطنا و حاقدا على الاستعمار. و عندما بلغ 14 سنة من العمر بدأ الطفل الصغير الهاشمي بن بروق العمل كأجير لمساعدة عائلته الفقيرة، و ظهرت عليه علامات النضج المبكر و الوعي الوطني، و الموهبة و حسن التدبير و التخطيط، و تصور الأهداف المستقبلية، و كان ينظر إلى كبار المعمرين بمنطقة قالمة كمعتدين على أرض الأجداد، بينهم المعمر الكبير "لافي" و المعمر "قيرو" و المعمر "كاطالا"، و "توتي"، و عندما بدأت الثورة المباركة كان هؤلاء الكولون المستولون على الأرض ضمن أهداف الحواتي الذي كان يتمنى أن تصل الثورة إلى منطقة قالمة و يحقق حلم الالتحاق بها حتى ينهي الوجود الكولونيالي بحوض سيبوس الكبير، و يحرر الأرض المغتصبة. و كان لهجومات 20 أوت 1955 الأثر الكبير على الحواتي، عندما بدأ يرى العمل المسلح و الثوار بأم عينيه، و زاد شغفه بالثورة المباركة عندما سمع بمشاركة أصدقائه في تلك الهجمات التاريخية بينهم فنيدس امبارك، بن حياهم عمر المدعو بوجمعة، و صالح مصمودي و عيسى بن طبولة، حسب ما ورد في وثيقة حصلت عليها النصر من مدير المركز الثقافي بمدينة هليوبوليس عبد الناصر الهاشمي، الذي يواصل جمع الوثائق و الشهادات عن مسيرة الشهيد الحواتي أحد أبطال الكفاح المسلح بالمنطقة. عملية فدائية جريئة.. شرط الالتحاق بالثورة في شهر مارس 1956 قرر الحواتي الالتحاق بالثورة، فاتصل بأصدقائه الذين سبقوه إلى العمل المسلح بمنطقة حمام أولاد علي الواقعة شمالي قالمة، فاشترط عليه قادة المنطقة القيام بعملية فدائية ضد الاستعمار، و أصبح الشاب اليافع بن بروق الهاشمي أمام الحقيقة و الحلم الذي راوده طويلا، و كان المعمر الكبير "فرانسوا كاطالا" الهدف الأول للحواتي الذي وضع قائمة طويلة من المعمرين و العملاء الذين صاروا هدفا لذلك الشاب الشجاع الذي اتخذ من مجرى سيبوس و حقول البرتقال مسرحا للبطولة و الفداء. بتاريخ 3 مارس 1956 نفذ الحواتي أولى عملياته الفدائية عندما قتل المعمر "كاطالا" بضربة فأس وسط مدينة هليوبوليس بمساعدة الشهيد صالح مصمودي، و قرر قادة الثورة قبول الشاب الثائر الذي انضم إلى فرقة يرأسها الشهيد محمد بلحداد، و بقي مع هذه الفرقة أكثر من عام، و شارك في معركة جبل بزيون في 4 ماي 1957 و سميت بعد ذلك بمعركة الماجن حيث استشهد فيها 15 مجاهدا و نجا البقية بينهم الحواتي الذي صار وجها لوجه مع العدو و الرصاص ليلا و نهارا. العمل الفدائي الفردي ضوء أخضر من قادة الثورة بعد معركة الماجن التي فقد فيها الحواتي الكثير من الأصدقاء رفقاء السلاح، زاد حقده على الاستعمار و أدرك بأن درب الجهاد طويل و شاق، فقرر تغيير أسلوب القتال ليشفي غليله، فطلب من قادة الثورة بالمنطقة السماح له بالعمل الفدائي الفردي الحر، و أقنعهم بأن هذا الخيار سيكون فعالا و قاسما لظهر العدو الذي تعود على المعارك التقليدية المفتوحة، و ملاحقة كتائب المجاهدين بالجبال و الغابات الكثيفة بالقصف برا و جوا. وافق القادة على طلب الحواتي الذي صار أول كوموندو فدائي بالقسم الثالث، الناحية الثالثة، المنطقة الرابعة، الولاية التاريخية الثانية، و بدأ موعدا جديدا مع التاريخ الحافل بالانتصارات و البطولات التي أدخلت الرعب بين عساكر العدو و الكولون المسيطرين على أجود الأراضي الزراعية بسهل سيبوس الكبير. نفذ الحواتي أكثر من 23 عملية فدائية استهدفت معمرين و قادة عسكريين، و كللت جميع العمليات بالنجاح باستثناء اثنتين لم يتمكن فيهما الفدائي الثائر من القضاء على الهدف المحدد. و في مخطط تصفية العملاء نفذ الحواتي 9 عمليات ناجحة، و صار اسمه على كل لسان بمنطقة قالمة، و وضع قادة العدو الفرنسي خططا كثيرة للقضاء عليه لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، و كانت حقول البرتقال و الزيتون و مجرى وادي سيبوس الملجأ الآمن له بعد كل عملية فدائية بطولية، و كلما شعر بالخطر يغوص في مياه النهر مستعملا نبات القصب للتنفس من تحت الماء، حتى يزول الخطر. سقط شهيدا بين خطي شال و موريس في 27 أكتوبر 1960 وقع الشهيد البطل الحواتي في حصار للعدو الفرنسي بين خطي شال و موريس قرب جبال بني صالح معقل القاعدة الشرقية الحصينة، و خاض معركة ضارية مع قوات العدو قبل ان يسقط شهيدا و تتوقف مسيرة حافلة بالتضحيات و البطولات. و تصدر خبر مقتله صفحات الجرائد الفرنسية التي كتبت تقول "لقد تم القضاء على قائد فرقة الكوموندو بمنطقة قالمة"، و خرج المعمرون في احتفالات كبيرة بعد نهاية الخطر و الرعب الذي حبسهم خلف الجدران الحصينة أكثر من أربع سنوات لم يذوقوا فيها طعم الأمن فقرر الكثير منهم التخلي عن المزارع الواسعة و الدخول إلى المدن هربا من قناص بارع كان يصول و يجول في ربوع السهل الخصيب يصطاد أهدافه بدقة ثم يتوارى كالشبح. فريد.غ عالجت نفسها بالكي بالنار وسط الغابة وقدرت لها حياة ثانية: أم هاني بوستة.. الشهيدة الحية التي نجت بعد تعذيبها وذبحها عندما تطأ أقدامك منطقة تكوت بولاية باتنة، فإنك في أرض الأبطال، في أرض تروي شموخ الأوراس وأهله الذين صنعوا بطولات خلدها التاريخ لشخصيات عديدة، تمتد إلى ما قبل الثورة، من عهد «الخارجين عن القانون» المناهضين لظلم الاستعمار الفرنسي، ولا عجب في أن ينهض الرجال والنساء بمنطقة تكوت ضد طغيان المستعمر الفرنسي بعد أن ذاقوا الويلات، وهم الذين يحملون جينات ترفض الذل والهوان ففي كل عائلة شهداء و مجاهدون، والمرأة أيضا وقفت وساندت الرجل في الجهاد، ومن بينهن أم هاني بوستة المعروفة بالشهيدة الحية بعد أن شاء القدر أن يكتب لها حياة ثانية، وهي التي تعرضت للتعذيب و الذبح، وقد ظن الجنود الفرنسيون أنهم تخلصوا منها بعد تركها وسط بركة دماء، وهذا بعد أن ذبحوا ونكلوا بزوجها الشهيد أمام ناظريها. خنساء الأوراس أرملة شهيد وشقيقة أربعة شهداء وشهيدة أم هاني بوستة أو الشهيدة الحية من مواليد سنة 1934 بمنطقة الهارة بدوار زلاطو بتكوت، جنوب شرقي ولاية باتنة، من عائلة ثورية ومنطقة ثائرة قدمت العديد من الشهداء من بينهم زوجها وأربعة من أشقائها و شقيقتها، وهي التي نجت بأعجوبة وشاء القدر أن تكتب لها حياة ثانية بعد أن تعرضت للتعذيب والتنكيل والذبح على أيدي عساكر المستعمر الفرنسي، الذين ظنوا أنهم تخلصوا منها بعد أن قتلوا زوجها، إثر ضبطهما في غابة جبل الهارة متلبسين بنقل المؤونة للمجاهدين. وعن بداية مشاركتها في الثورة التحريرية، تقول أم هاني في ردها بانفعال وحماس «كيف لي أن أبقى مكتوفة الأيدي وكل أهل قريتي حضروا للثورة واندمجوا فيها، كيف لي أن أحيد عن مصير أشقائي وشقيقاتي ممن يجاهدون وممن استشهدوا» المجاهدة التي استقبلتنا رفقة رئيس جمعية كافل اليتيم بتكوت، في منزلها البسيط بحفاوة رغم مرضها وتقدمها في السن، راحت تغوص في الزمن مسترجعة ذكريات الثورة التي قالت بأنها لن تمحى من ذاكرتها، خاصة بعد أن كُتبت لها حياة ثانية بعد أن تعرضت للتعذيب و الذبح، وظن جنود الاستعمار أنهم تخلصوا منها، ولأنها لم تكن تقوى على الحديث مطولا كان حفيدها الوحيد نجل ابنتها الوحيدة، عيسى جغروري يشارك في سرد سيرة جدته إبان الثورة التحريرية، مما تلقاه عنها وجمعه من شهادات. وقال عيسى، بأن جدته المجاهدة أم هاني بوستة، نشأت في عائلة تعتمد في عيشها على الفلاحة من زراعة وتربية للمواشي والدها محمد بن علي بوستة، وأمها هنية بوستة، وقال بأن جل أفراد أسرتها شاركوا في الثورة، على غرار القائد البطل مصطفى بوستة، وعلي بن عمار بوستة، وإبراهيم بوستة، ولها ثمانية أشقاء بينهم أربعة استشهدوا غداة انطلاق الثورة وهم بلقاسم، علي، أحمد، صالح ولها أربع شقيقات إحداهن استشهدت، وهي جمعة بوستة إلى جانب ثلاث شهيدات، كن من الأوائل اللواتي استشهدن عقب اندلاع الثورة في حادثة تاريخية معروفة بالمنطقة. الشهيدات الأربع هن جمعة بوستة، منصورة بوستة، فاطمة جغروري، وفاطمة برحايل، حيث انتقم الاستعمار بقتلهن عقب معركة 19 نوفمبر، ويقول عيسى بأن الحادثة زادت أم هاني بوستة شجاعة وقوة وعزيمة لمواصلة النضال، فكانت تقوم رفقة زوجها بعمل لوجيستي، بنقل المؤونة من مواد غذائية ومنتجات فلاحية من تمور وبيض وغيرها للمجاهدين، بالتنقل في كل مرة من منطقة بوستة إلى جبل الهارة، وهو ما أكدته المجاهدة في حديثها إلينا. احتضنت بقريتها زعماء للثورة وتنقل المؤونة للمجاهدين وناهيك عن توصيل المؤونة، كانت تقوم أيضا أم هاني بمساعدة وإيواء المجاهدين والمناضلين الذين هيئوا وحضروا للثورة المسلحة، فكان بيتها العائلي مركزا للجيش لتواجده بمنطقة محصنة طبيعيا بمنطقة بوستة، وقالت بأنها التقت عديد القادة الذين احتضنهم بيت عائلتها من بينهم سي لخضر بن طوبال وآخرون كان يجتمعون بقريتهم، وفي ذات السياق أشار حفيدها، إلى أن بيتها كان مفتوحا على مصراعيه للمجاهدين من القادة فاحتضن مركز بوستة الزعماء 16 للثورة، بعد اكتشاف أمر المنظمة السرية «لوس» بالجزائر العاصمة، ومن بينهم رابح بيطاط، عمار بن عودة، ومحمد بوضياف ومصطفى بن بولعيد إلى أن اندلعت الثورة. وتروي المجاهدة، بأنها لم تبخل على المجاهدين منذ اندلاع الثورة بأي دعم او مساعدة في النهار أو الليل بفتح أبواب مسكنها، وتوفير المأوى والطعام وغسل الملابس و الحراسة، ونقل المؤونة إلى أن وقعت بين أيدي جنود الاستعمار الفرنسي في أواخر شهر نوفمبر من سنة 1956، وتتذكر أنه كان يوما شديد البرودة في أعالي غابة جبل الهارة أحد معاقل الثورة، أين اعتادت على نقل المؤونة للمجاهدين رفقة زوجها محمد جغروري، وخلالها كانت قد رصدت تحركات جنود، لكنها ظنت بأنهم من المجاهدين، في حين أن الأمر كان يتعلق بجنود فرنسيين في مهمة تمشيط وتطويق للمنطقة. ليتم اكتشاف أمر أم هاني و زوجها، فما كان منهما إلا أن لزما مكانهما وهما يحملان على ظهر بغل المؤونة الغذائية للمجاهدين، وحينها لم يتوان جنود الاستعمار في إطلاق النار على زوجها، ومن ثم التنكيل به أمام ناظريها إلى أن توفي بعين المكان، ليأتي الدور عليها حيث تم نقلها إلى بيت مهجور، وهناك قاموا بتعذيبها وضربها متسببين لها في جرح غائر ببطنها، قبل أن يقوموا بذبحها وتركها تسبح في بركة دمائها، ظنا منهم أنها قد ماتت، بعد أن كانت قد فقدت الوعي من شدة التعذيب. نضال وحياة ثانية بعد التعذيب والذبح شاءت الأقدار أن تنجو أم هاني بوستة، وتكتب لها حياة ثانية بعد التعذيب والتنكيل الذي تعرضت له، وبعد أن ظن جنود الاستعمار أنهم تخلصوا منها بذبحها، استفاقت أم هاني بعد ساعات من فقدان الوعي، وتتذكر أنها راحت بعد أن استفاقت تزحف مستندة على يد واحدة، وهي تشعر بآلام شديدة، وهي تنزف. وتقول بأنها عمدت حينها إلى استعمال الأوشحة التي تلف بها رأسها فتضرم فيها النار، وتستعملها في كي جروحها خاصة على مستوى رقبتها ومختلف مواضع جسمها المنهك، وكانت تقوم بهذه العملية عدة مرات كلما استفاقت واسترجعت وعيها. وقالت أم هاني، بأنها نفسها لم تتوقع أن تنجو وربما تمسكها بالحياة كان أقوى بعد أن صارعت الموت، وهي تتحدى أوجاع التعذيب، ونزيف الدماء، وفقدان الوعي، بعد أن ظلت لليلة وهي على ذلك الحال في المنزل المهجور وسط برودة شديدة، قبل أن يتم اكتشاف أمرها في اليوم الموالي من طرف مجموعة من المجاهدين، الذين وجدوا جثة زوجها والعثور عليه في حالة يرثى لها ليتم نقلها من طرف مجاهدين بينهم لمبارك جغروري، وأحمد برحايل، ولمبارك دربالي، وتم الاستنجاد بالممرض محمد أوعمر سليماني، الذي قدم لها الإسعافات الأولية قبل نقلها إلى «كازما» المشفى العسكري بمركز كيمل على مسافة تقدر بنحو 60 كلم. وتقول أم هاني، بأنها استفاقت بالمركز بعد أن أخضعت للعلاج من طرف الطبيب المجاهد سي محفوظ اسماعيلي، وأكدت بأن الطبيب احتار لكيفية تمكنها من مداواة نفسها عن طريق الكي بالنار، لأنه لم يعد ممكن خياطة جرحها بالغرز، حينها قال لها الطبيب مازحا «نأخذ منك الزريعة»، وأمر بتنظيف وعلاج جراحها، وقد ظلت بالمشفى العسكري لقرابة شهرين، وقال حفيدها بأن ما وقع لها كان سببا أيضا في فقدان جنينها الذي تحمله بأحشائها. وبعد أن شفيت أم هاني، عادت إلى ديارها وزادتها الحادثة حماسا وشجاعة لمواصلة نضالها، حيث استمرت في نشاطها مع المجاهدين في الفترة الممتدة من 1957 إلى غاية الاستقلال، وقال حفيدها الذي جمع الشهادات والوثائق عنها بأنها كانت محل بحث، لكنها لم تقع بين أيدي جنود المستعمر مرة أخرى، وأصبحت تعرف منذ تلك الحادثة بالشهيدة الحية. أم هاني بوستة التي ترى بأن نضالها الثوري أمر فطري ضد اضطهاد المستعمر، إلا أنه يحز في قلبها اليوم عدم الالتفات إليها، وهي التي تسكن رفقة ابنتها الوحيدة وحفيدها منزلا ضيقا قديما، بعض جدرانه مهددة بالسقوط، وقد طلبت منا أخذ صور لوضع مسكنها لإبرازها للجهات المعنية، وقالت بأنها تنتظر بشغف وهي التي تتقدم في السن أن تدخل مسكنها الجديد الذي وعدتها السلطات بترحيلها إليه، وهو المسكن الذي شارف على الانتهاء بعد أن وقفت عليه النصر حيث بقيت الروتوشات الأخيرة التي لم تنجز وقد طالت وضعية المسكن الجديد على حاله لسنوات في وقت تتمنى وترجو المجاهدة ترحيلها إليه. وتساءلت أيضا أم هاني، كيف وهي التي فقدت زوجها وأفراد من عائلتها وضحت بنفسها ألا تصنف مجاهدة، حيث أوضحت بأنها تنتظر أيضا تسوية ملفها منذ سنوات على المستوى المركزي، بعد أن صنفت مقاومة وقد تركنا أم هاني في بيتها، وهي تستمع لأخبار الإذاعة بجهاز الراديو الذي لا يفارقها، وقد أدهشتنا باطلاعها على ما يدور في الساحة السياسية والمحلية، وأكدت بأنها تتمنى كل الخير لوطنها الذي ضحى من أجله الشهداء والمجاهدون.