قطاع البناء هو الأكثر تخلفا في الاعتماد على الرقمنة يقدّم المسير العام لشركة "إيدي واب" لتطوير برامج الكمبيوتر، محمد الأمين بوالفلفل، الموجودة بقسنطينة، نظرة من داخل سوق البرمجيات التي تعرف تناميا خلال السنوات الأخيرة بعد أن أصبح اعتماد الرقمنة ضرورة ملحة يفرضها الواقع لتطوير أساليب التسيير ومضاعفة الفعالية. ويحدثنا مسيّر الشركة الذي أجرينا معه هذا الحوار خلال صالون البناء والأشغال العمومية بقسنطينة عن العوائق التي تواجه نشاطه ويؤكد أن قطاع البناء هو الأكثر تأخرا في الاعتماد على تكنولوجيات المعلومات. اعداد: سامي حباطي _ النصر: كيف يمكن أن تعرف لنا شركتكم؟ _محمد الأمين بوالفلفل : "إيدي واب" شركةٌ لتطوير برامج الكمبيوتر لها أكثر من ثلاثين سنة من الخبرة، حيث يقوم نشاطنا على إنشاء البرامج ذات الاستعمال العام مثل تنظيم الأجور والمحاسبة وغيرها، فيما نقدم في شق ثانٍ خدمات التطوير المضبوطة بحسب الطلب الذي تقدمه المؤسسات لتلبية حاجات محددة. خلال النصف الأول من عام 2020، تراجع نشاطنا نسبيا، فأنشأنا فرعا جديدا لشركتنا سميناه "إيدي فاك"، وهو مختص في التكوين والاستشارات في مجال الرقمنة، ونسعى من خلالها إلى مرافقة المؤسسات والشركات التي يبتغي القائمون عليها اعتماد الرقمنة. _ ماذا لاحظتم على الشركات التي اشتغلتم معها في مجال اعتماد الرقمنة؟ _في الحقيقة، يسجل دائما نوع من المقاومة للتغيير، لأن الحاجة إلى الرقمنة تثار في أغلب الحالات من الإدارة، التي ترى فيها ربحا للوقت وفعالية في العمل، في حين يبدي المقاومةَ المستعملُ النهائي للنظام الرقمي، ومن مهاراتنا أن مدير مكتب شركتنا في العاصمة مسؤول على فرع التكوين وهو مختص في قيادة التغيير، لذلك أقول أن شركتنا تقدم خدمات بين التسيير وعلم الحاسوب، ما يسمح لنا بمرافقة الانتقال إلى الرقمنة. المستعمل النهائي ينزع غالبا إلى الفوضى لأنها تجعل الأمور سهلة بالنسبة إليه، فعلى سبيل المثال، نعمل حاليا على مشروع لفائدة مؤسسة كبيرة لخدمات التوصيل في العاصمة، ونجد مقاومة من طرف الناقلين ونحن في مرحلة الدراسة دون أن نبلغ بعدُ مرحلة التطوير، وقد لاحظنا أنهم يميلون إلى العشوائية في العمل والقيام بالمهمات عن طريق الهاتف أو من خلال إرسال العناوين بالرسائل النصية، بينما سيصبح كل شيء واضحا وقابلا للتتبع عند اعتماد الرقمنة. _ولماذا ترون أن المستعمل النهائي ينزع إلى الفوضى؟ _المستعمل النهائي ينزع إلى الفوضى لأنها تغطي على الأخطاء. عند قيامنا بالدراسة نتجه إلى المؤسسة صاحبة الطلب ونعمل مع المستعملين النهائيين للبرنامج المطلوب دواما كاملا حتى نطلع على جميع التفاصيل ونحدد حاجة الزبون بدقة، فمهما اجتهد القائمون على المؤسسات في شرح حاجتهم وطلبهم؛ لا يستطيعون تقديم جميع التفاصيل بسبب العمل اليومي لدرجة أن بعض النقاط تبدو لهم غير مهمة. في المثال الذي قدمته حول مؤسسة التوصيل التي نعمل على إدخال الرقمنة إليها، خلصت دراسة التسيير أنها تتكبد خسائر سنوية تصل إلى 300 مليون سنتيم بسبب العمل بطريقة تقليدية، بينما تكلفة خدمتنا لا تصل 300 مليون وستبدأ المؤسسة في جنيها كفائدة بداية من العام الثاني. أما العائق الثاني الذي نواجهه فهي تكلفة الرقمنة، فأصحاب المؤسسات ينظرون بالدرجة الأولى إلى المبلغ المرتفع الذي سيستثمرونه، بينما نحاول أن نجعلهم ينظرون أولا إلى ما سيجنونه من المبالغ التي ستستثمر في الرقمنة. من جهة أخرى، يعتقد بعض القائمين أنّ الدخول في الرقمنة يكون باقتناء برنامج كمبيوتر وهذا اعتقاد خاطيء، لأن الرقمنة تعني التغيير الشامل لنظام العمل. _إذن فالمشكلة لا تقتصر على المستعمل النهائي فقط، بل تشمل المسيرين أيضا. _دائما ما نواجه الصعوبة مع المسيرين في الجانب المتعلق بالتكلفة، وهذا أمر نابع من عدم فهم للرقمنة وفائدتها. هدفنا تسهيل العمل من خلال رقمنة الأنظمة، وتحويل العمليات التي تستغرق وقتا إلى عمليات آنية، يمكن لأي مستخدم أن يجدها بمجرد النقر عند الحاجة إليها ومن أي مكان. _هل جميع البرامج التي تعرضونها من تطوير شركتكم أم تمثلون علامات برمجيات أخرى؟ _جميع البرامج التي نقدمها من تطوير شركتنا، لكننا في مرحلة التفاوض مع مؤسسات أجنبية لكي نصبح ممثلين عنها في الجزائر، وهذا فيما يخص البرمجيات التي لا يمكننا تطويرها فقط، فهناك بعض الأمور التقنية التي تستعصي علينا، فمثلا نحن نتفاوض مع مؤسسة أجنبية لتمثيل علامتها في برنامج يعمل بالذكاء الاصطناعي، والمهارة في هذا المجال ليست متقدمة في الجزائر. _وماذا عن المورد البشري. هل الكفاءات متوفرة في مجالكم؟ _أكبر مشكلة تواجهني في الشركة هي نقص الكفاءات في مجال التطوير. أواجه صعوبة في توظيف المطورين بسبب نقص المهارة، ويمكنني القول أن عشرة بالمئة فقط من المتخرجين من كليات علوم الحاسوب يتقنون التطوير، أما البقية فتبحث عن مناصب عمل كمختصين في الإعلام الآلي في المؤسسات، ويقتصر دورهم فيها على المهام البسيطة مثل إفراغ الحواسيب من البيانات وحل بعض المشاكل التقنية. في مؤسستنا نعمل بأربعة مطورين، كما وظفنا مؤخرا مطورة جديدة، ونبحث على العموم عن المتخرجين الجدد من الجامعة حتى نصقل مهارتهم معنا ونعمق تكوينهم. _ما هي المواصفات التي تبحثون عنها تحديدا في المطور؟ _ينبغي أن يتوفر في المطوّر القدرة على الإبداع والشغف بما يقوم به، فالعمل في شركتنا يكون بدوام كامل من الثامنة صباحا إلى الرابعة مساء، ومجالنا يتطلب الموهبة، أما أصحاب الخبرة فيكلفون كثيرا ويطلبون أجورا مرتفعة جدا، ومع توفر التغطية بشبكة الانترنيت، أصبحوا يعملون بشكل حر ويتقاضون أجورهم بالعملة الصعبة، لذلك فإنهم لا يقبلون بأجرة خمسين أو ستين ألف دينار شهريا. _ولماذا لا تعملون معهم بالمناولة ؟ _مشكلة المطورين الأحرار Freelancers أنهم اعتادوا الحرية التامة في العمل، ما يجعلهم غير ملتزمين وغير جادين. ورغم ذلك فنحن نتعامل مع مؤسسة مصغرة للمناولة في مجال تطوير البرامج في العاصمة، وهي تضم 5 شبان في بداية العشرينات من العمر، ووجدنا غايتنا معهم لأنهم جادون وملتزمون بآجال الإنجاز، كما أن بيننا عقود خصوصية وملكية للمنتج. وقد سمحوا لنا بمضاعفة طاقمنا دون الحاجة إلى التوظيف، بحيث صار في وسعنا القول أن مؤسسة «إيدي واب» تضم 10 مطورين. خصوصية وملكية المنتج تمثل مشكلة أكبر، فهناك بعض المطورين الأحرار الذين قد يسطون على البرنامج الذي تطلبه منهم، والقانون لا يحمي من الناحية العملية في هذا الجانب، وعند رفع دعوى قضائية أمام العدالة سيكون عليك استظهار الشيفرة المصدرية Code source أمام المحكمة وسيتطلب ذلك اللجوء إلى الخبير المعلوماتي، ما يستغرق وقتا طويلا لا يكون في صالح المؤسسة المطورة، لأن البرنامج يكون قد سوّق. أجريت عشرات المقابلات مع المطورين الأحرار لكني لم ألمس الجدية فيهم. _وكيف يمكن لمؤسسة مثل «إيدي واب» أن تتطور وتوسع نشاطها دون الانفتاح على السوق الخارجي؟ _الدفع هو المشكلة الأكبر. عقد وزير التجارة مؤخرا اجتماعا مع التجمع الجزائري للناشطين في الرقميات لمناقشة هذا الموضوع، ففي الجزائر يمنع تصدير الخدمات نحو الخارج، على عكس السلع، وإذا حاولت تصدير خدمة فإن الجمارك لا تحوز على آلية قانونية للعملية. بحسب ما علمته فإنه يجري العمل على دراسة قانون خاص بهذا الأمر. في تونس أو المغرب أو مصر على سبيل المثال، لا يمكنك أن تبيع برنامجا لأنهم وضعوا قوانين لحماية إنتاجهم في مجال البرمجيات.وقعت لنا قبل بضع سنوات قصة مع مؤسسة عمومية في قسنطينة، حيث علمنا أن إدارتها ترغب في وضع برنامج «تخطيط موارد الشركات» ERP، وهو برنامج مُدمج لتسيير جميع العمليات مثل المحاسبة والأجور والإنتاج وغيرها، وقدمنا إليهم عرضنا لكنهم لم يقبلوا به، وفضلوا اقتناءه من ميكروسوفت في الولاياتالمتحدة بمليون دولار، رغم أنه كان بإمكانهم اقتناؤه من شركتنا أو من شركة أخرى تنشط في الجزائر، ولم يكن ليكلفهم معنا أكثر من 500 مليون إلى مليار سنتيم كحد أقصى. لقد صرفت هذه المؤسسة مليون دولار، أي ما يعادل حوالي 12 مليار سنتيم، لكن المشروع لم ينجح بسبب نقص المعلومات، فضلا عن أن البرنامج لم يكن مكيّفا، وعندما طلبت الشركة من ميكروسوفت تكييفه زادت الفاتورة، لتتخلى عن المشروع في النهاية. دائما ما أنصح عملاءنا بتجنب التعامل مع الشركات متعددة الجنسيات في مجال البرمجيات بسبب عدم إدراكها لخصوصيات مؤسساتنا. الشركات الأجنبية تضبط البرمجيات التي تنتجها بحسب متطلبات التسيير والمشاكل المطروحة في أسواقها، بينما هي لا تعرف السوق الجزائرية ومشاكلها، ورغم ما تبذله من محاولات للاطلاع الدقيق على سوقنا المحلية، فإنها لا تنجح في ذلك. _ما هي القطاعات التي تعرف التأخر الأكبر في مجال الرقمنة بحسب خبرتكم؟ _الجزائر متخلفة كثيرا في مجال الرقمنة على العموم، لكننا نلاحظ أن المؤسسات الناشطة في مجال السياحة هي الأكثر اعتمادا على الرقمنة، لأنها على علاقة مباشرة بالمنصات العالمية، فضلا عن أن المشتغلين فيها وجدوا الأنظمة الرقمية جاهزة. على سبيل المثال، وكالات الأسفار تتعامل مع شركات الطيران التي تحوز نظام معلومات وتمنح للوكالات نافذة خاصة بها للولوج من أجل القيام بالحجز في عملية مرقمنة بصورة تامة. في المقابل، تسجل قطاعات أخرى تخلفا تاما في الرقمنة مثل قطاع البناء الذي أرى أنه لم يبلغ حتى مستوى الصفر، ولو نطلع على طريقة عمل مؤسسات البناء أو الترقيات العقارية، سنجد أن أقصى حد من تعاملها مع علوم الحاسوب هو برامج تسيير المخزون، ومنهم من يسيّر المخزون ببرنامج «إكسل». معنى هذا أنها ما زالت متأخرة، وإذا أخذنا نظام «نمذجة معلومات البناء» BIM سنجد أنه أمرٌ ما يزال غير مطروح تماما لدينا. ويمكنني القول أن القطاع العام ما زال متأخرا أيضا في مجال الرقمنة، وقد تعاملنا مع مؤسسات ووجدنا أن تسيير العمليات الإدارية فيها ما زال يدويا.