* جمال فوغالي «الوالعْ بالتبْر صابْ كنزه ملايمْ حل الوردْ تنسَّمْ العطرْ منْ نواره غير أنايا منْ وجيعتكْ صرتْ عادمْ ماذا من وجيعْ بْرا وذهبْ شراره رشمْتي قلبي مجرَّحْ خدامه...» الهاني بن ڤنُّون:يا ظالمة(1) ولي الجسْران، وهما الأمجدان، في التاريخِ والذاكرة، وهما في بهاءِ التعالي الرفيقان، وهذا الاخضرارُ دونهما لي والندى في شغفِ البيلسان، وهما في ألقِ الروحِ يخفقان، والشمسُ آيةُ هذا الصباحِ في ذا التَّوهُّج، وهاتيكَ السماءُ لي أزرقها والمدى إذْ هما يتعانقان... هذا «بابُ القنطرة»، بابُ القلبِ في اتساعِ الحياة، العبورُ إلى المجاز، إذ ينفتحُ قدامي مديداً، وقدْ تطهَّرَ في لغةِ الغمام، والخفقُ في اشتعالِ المُنى، فأراني في الرؤيا، يرافقني الفرحُ الصديق... أكنتَ يا الفرحُ الحبيبُ تلاعبُني، والوردُ منَ الربيعِ منفتحٌ والبتلاتُ اكتمالٌ والرحيقُ نثارُ الحريق؟ وأحبُّني في الذكرى بكَ، وأحبُّ الذي سيجيءُ منها، والخفقُ في الشفقِ العليِّ وأتبعُهُ، وأعبرُ الجسرَ في خببِ الشعرِ فيحدثُني عنْ حنيني إليهِ في مدِّ اليقينِ منْ عرشِ المحبةِ وقدِ استوى في الضياء... يرقصُ النبضُ إذ ألجُ سيرتا العليَّة في مباهجها والأعراس، إنِّي المريدُ في الحضْرة والشطحُ في إيقاعِ الدُّفوف، والروحُ اشتعال، والوجيبُ ابتهال... هذا بابُ الروضةِ انفتاحُ الشوق، وقدْ جئتها عاشقاً منْ بونةَ الصَّفيةِ العاشقة،كأنِّي على آثارِ دمِ «البوغي»، وقالتْ، وهي توصيني،لا تنسَ دمهُ العاشقَ في الشعرِ وفي الموسيقى، والبحرُ يدفعني موجُهُ في المدِّ من المددِ الرحيم، يا العاشقُ في الكتابة، إنهُ كانَ محبًّا شهيداً في الغابرينَ منَ المحبين، وكانَ وحيداً،سلِّمْ على عشقِهِ وقدْ أينعَ زهوراً في احمرارِ الصخورِ المُخضَّبةِ بدمِ الشهيدِ في الغسَقِ الذبيح، فيما بين الجسريْن في الأفقِ المُدمَّى بالبيْن... سرْ إليها، ريحُ الصَّبا آيتكَ الكبرى والهوى والصَّبابات، وقد اعتلى الشوقُ علياءَ هذي الحنايا، إلى سينها العسليِّةِ في المشتهى منَ الشهوةِ الماردةِ أَلْتسكنُ في السُّويداء، وقدْ تسامى أنينُهُ في الصَّدرِ احتراقاً.... وكنتُ هنا ذات ولَهٍ مكين، وكنتُ وحدي أرعى حقلَ الزهورِ وقدْ ترامى أحمرارُهُ ذاهلاً في الرَّقصِ منْ حفلِ العطور،كأنَّ الرذاذَ يهمي،كأنِّي أحتويهِ إليَّ، ولمْ يكنْ معي أحدٌ سوايَ،ولا ظهيرَ لي غيرُ قلبي، وقد تعالى نبضُهُ في حريقِ الهوى، ولي سرُّها،فيستعرُ الجوى، فيفيضُ وادي الرمال ماءً حفيًّا، ويعرفُ نارَ الشوق، إنِّي المُبتلى بهِا،وغيضةُ الغضا في دمي تشهد،هذي حرائقُها تتشظَّى،يا ماءَ الفيض حنانيك،كأنهُ لا يسمعني، أو كأنهُ لمْ يسْطِعْ أنْ يطفئها، وأنَّى لهُ... يجيءُ صوتُ الشيخِ(2)منْ سماءِ الموسيقى، يطيرُ النَّسر، هذا الكمانُ في وجيعةِ الأوتارِ والقوسُ جارح، والعودُ في الجراحِ من الطبوع، هذي السيكا في عناقِ الزيدان، والإصبهانُ في حريق الرَّهاوي في الأقاصي منَ الحنايا... وصوتُ الشيخِ شجيًّ، حزين، والعشُّ في الأعالي، فوقَ المكانِ منِّي وفيما وراءَ الزمانِ منهُ، في شجنِ العاشقِ وقد اكتوى، ورجعُ الصَّدى في الصَّهدِ آهةُ الآهات: «آه،يا ظالمة ما ودِّيتيني بخيرْ ظاهرْ، بحْسانكْ قدَّامْ المولى انْحاسبكْ، آه،يا ظالمة وعْليكْ انخلِّي ولادْ عرشي يتامى»... وعْليكْ، يا ظالمة، نبضي يخلِّي جرحي المجروحْ في الجرحْ يبكي وينازعْ والدَّمْ فيهْ يئنْ... فأراني أغُصُّ باسمها الحاني، سيرتا السَّميَّة في السينِ منْ «تيديس» البهيَّة إلى السينِ في السفرِ البعيد، ويشْرِقُ النبضُ ألماً في الصَّدر، ويْكأنَّ الصَّدرَ اختناق... وقدْ عبرتُ جسرَها الثاني، إنِّي في كينونةِ الشطحِ والدَّوران، والحُرْقةُ تدعو دعاءها في الشهقةِ العاشقة، هذا احتراقها عندَ «سيدي امسيدْ» وقد ابتلاني والجرحُ غائرٌ وهو الشاهدُ والأمارة، والحنجرةُ بين يديّ النطاسيِّ الصديق، والمِشرطُ يغوصُ في اللَّحمِ البريء، والتفاحةُ عويلٌ جريح، والدَّمُ يتفصَّدُ ساخناً مِدْراراً، والصَّلصالُ منِّي مسجًّى في شهيقِ الدَّهشة، إنِّي أنا في سكرةِ الموتِ العصيَّةِ مدَّثراً بالاخضرار، والنبضُ الحبيبُ غادرَ، مثلما حلَّقَ النسرُ في أعاليه، إلى عشقِه، وهو الآن في الأقاصي منَ البياض، عندَ هاتيكَ السينِ من سدرة الوجْدِ في الأنوار منَ الوجدانِ عندَ حضرةِ الأنسِ في ملكوتِ الرِّضوان، وقدْ تجلَّى في سرِّ الأسرارِ من اسمها السَّديميِّ في معْمعانِ الأكوان، إنِّي في الهيلمان، هذا الصولجان، فبأيِّ آلاءِ هذا الحبِّ وقدْ استوى في السينِ منْ هذي السماءِ تستفتيان... ------------------------------- (1)الهاني بن ڤنُّون،يا ظالمة...عليكْ انْخلِّي ولادْ عرشي يتامى،قراءة وتحقيق الدكتور الباحث بوجمعة هيشور. (2)الشيخ الحاج محمد الطاهر الفرڤاني،عميد المالوف وصرحُهُ الخالدُ في أبديةِ الموسيقى العارفة.