خرج سكان مدينة قالمة مساء السبت في مسيرة شعبية صامتة، جابت شوارع المدينة القديمة عبر المسار التاريخي، الممتد من ساحة الكرمات منطلق المظاهرة التاريخية قبل 76 عاما، وصولا إلى موقع سقوط أول شهيد في واحدة من أبشع المجازر المرتكبة في حق الشعب الجزائري إبان الاستعمار الدموي، الذي مارس التطهير العرقي و الإبادة الجماعية، في حق السكان العزل على مدى 132 عاما. المسيرة الصامتة التي أصبحت تقليدا سنويا لسكان المدينة التاريخية، شاركت فيها السلطات المدينة و العسكرية، و أعداد كبيرة من المواطنين، تتقدمهم فرق الكشافة الإسلامية، التي قادت المظاهرات التاريخية يوم 8 ماي 1945، و خلفهم النساء بالزي الأسود، تعبيرا عن الحزن و ألم المأساة الدامية، التي مازالت آثارها إلى اليوم، يتامى و مفقودين، و قتلى مازالوا مقيدين كأحياء في سجلات الحالة المدنية على مدى 76 عاما، رغم النداءات المتكررة لإنصافهم و اعتبارهم شهداء للمقاومة الوطنية، و جبر أهاليهم الذين شاركوا في المسيرة التاريخية، لتذكر تضحيات هؤلاء الأبطال الذين دفعوا أرواحهم فداء للوطن و الأمة، و مقوماتها الثابتة كالدين و اللغة و الوحدة. و رفعت النساء المشاركات في المسيرة الأعلام الوطنية و لافتة كبيرة عليها عبارة « أمهات و أخوات... ضحايا مجازر 8 ماي 1945» و لوحة فنية مكونة من العلم الوطني و بقع الدم و لباس الحزن، الذي أطبق على قالمة على مدى 3 أشهر كاملة تحولت فيها القرى و المدن و المشاتي و الأودية و مزارع القمح، إلى ميادين للاختطاف و الإعدامات الجماعية. و أغلقت الكثير من المتاجر أبوابها بشارع عنونة التاريخي الذي مر منه الأجداد في الثامن ماي 1945 و دوت الزغاريد من على أسطح المنازل و الشرفات، كرمز لشجاعة المرأة الجزائرية التي كانت تزغرد عندما يسقط شهيد و يشيع إلى مثواه الأخير. و قد لعبت المرأة دورا كبيرا في مظاهرات 8 ماي 1945 بقالمة و بعدها، عندما بدأت آلة القتل الجهنمية تشتغل بالمدن و القرى و أفران الجير و المحجرة و الثكنة القديمة، و كاف البومبة و الجسر و المزرعة الميزابية، و بالقرى النائية التي تعرضت للقصف و الحرق و الدمار الكبير. و منذ تلك المأساة الإنسانية تحول لباس الملاية بقالمة ، إلى رمز للحزن و التنديد بأفعال الجناة. و قد تصدرت نساء قالمة أمس السبت المشهد في المسيرة الشعبية الصامتة، في رسالة قوية إلى فرنسا الاستعمارية بأن المرأة الجزائرية لم و لن تنسى الضحايا من الرجال و شباب الكشافة و النساء اللواتي دفعن ثمنا غاليا في تلك المجازر الدامية، و مازالت الشهيدة البطلة فاطمة الزهراء رقي رمزا للمرأة المقاومة بمدينة قالمة، مدينة الذاكرة الوطنية التي ظلت تحتضن المقاومة و رموز الحركة الوطنية، إلى غاية مجاز ماي الأسود التي تحولت إلى منعرج حاسم في مسيرة التحرر، و كسر القيود و تبديد ليل الاستعمار الطويل.