تشهد قسنطينة، خلال السنتين الأخيرتين، تغيرات ملحوظة في مناخها، الذي بات حارا جدا و عالي الرطوبة صيفا، وهو ما عقد يوميات سكانها وضاعف معاناة المرضى المزمنين، خصوصا من يعانون من الحساسية و الربو و ضغط الدم و أمراض القلب، ويتوقع مختصون في مجالي المناخ و الصحة، بأن قسوة صيف المدينة، ستزداد في الأيام القادمة و ستشتد أكثر بمرور السنوات، بسبب التغيرات المناخية المترتبة عن الاحتباس العالمي، و تأثير المسطحات المائية المحيطة بالمنطقة، على غرار سد بني هارون، داعين إلى ضرورة التأقلم مع الوضع، من خلال التحلي بثقافة صحية أكثر انضباطا ، خصوصا في ظل استمرار جائحة كورونا. العطل المرضية للهروب من لهيب الصيف يشكو الكثير من سكان مدينة قسنطينة، من الارتفاع القياسي و غير المسبوق لدرجات الحرارة هذه الصائفة، مؤكدين، بأن ذروة حرارة الفصل، حلت قبل أوانها، خصوصا وأننا عشنا أياما جد قاسية، مع تسجيل موجات حر قوية ومتكررة بين شهري ماي و جوان، بالمقابل تعرف نسب الرطوبة ارتفاعا مستمرا ، لدرجات خانقة أحيانا، فالمدينة لا تتنفس جيدا ابتداء من الساعة العاشرة صباحا و تعاني من لهيب حارق، انطلاقا من الواحدة إلى غاية السادسة مساء، الأمر الذي أرهق الأصحاء و المرضى على وجه الخصوص، منهم مرضى الربو والحساسية و ارتفاع ضغط الدم و الشرايين، الذين يلجأون في الكثير من الأحيان إلى العطل المرضية، لتخفيف وطأة الصيف و الهرب من مشاكله. أكدت نسيمة، قابلة بالمستشفى الجامعي، مصابة بالربو، أن الصيف أصبح أقسى في العامين الأخيرين، خصوصا مع زيادة نسبة الرطوبة، وهو ما اضطرها مرارا، إلى الجمع بين عطلتها السنوية و عطلة مرضية إضافية، للتقليص من مشاكلها التنفسية وتجنب النوبات المتكررة، خصوصا و أن المصلحة التي تعمل بها مغلقة و تستقبل أعدادا كبيرة من الناس يوميا، وهو ما يضعها في مواجهة خطر حقيقي، مع اضطرارها لعدم التخلي مطلقا عن ارتداء الكمامة للوقاية من كورونا. أما الهادي، قابض ببنك التنمية المحلية، فقال بأنه اضطر لشراء مكيف محمول صغير صيني الصنع مقابل 7000دج، ليستخدمه خلال عمله في البنك، مؤكدا بأنه ينوي تمديد عطلته السنوية هذه السنة، لتشمل شهري جويلية و أوت، تجنبا لأية مشاكل صحية، خصوصا و أنه مصاب بضغط الدم و يعاني من أمراض الحساسية في الصيف. هكذا تغير مناخ المنطقة عن طبيعة التغيرات المناخية التي تعرفها المدينة، أوضح باسم شلي، رئيس قسم التنبؤات بالمديرية الجهوية للأرصاد الجوية، بأنها انعكاسا لعوامل الاحتباس الحراري العالمي، و ليست استثناءا محليا، وهي تغيرات تبرز من خلال تداخل الفصول و قسوة الطقس، بما في ذلك شدة التساقط المطري شتاء و الحرارة القياسية صيفا، علما بأن الظاهرة تبينها بوضوح النماذج الرقمية التي تعكس المعادلات الفيزيائية للغلاف الجوي، التي يغيب عنها الاستقرار والدقة بسبب التقلبات المستمرة، فالحرارة الحالية أثرت، حسبه، على النماذج الرقمية، وهو أمر يتطلب، كما قال، ضبط نظريات مناخية جديدة في كل مرة، لتوقع الأحوال الجوية بشكل أدق. و يشمل الأمر أيضا، كما قال المتحدث، الأمطار الموسمية التي باتت تتساقط بشكل كثيف و متطرف، إن صح الوصف، لدرجة يمكن معها تسجيل 80 ميليمترا في ظرف ساعة واحدة بمنطقة معينة، وهو بالعموم ما يؤدي إلى الفيضانات ، على غرار ما شهدته المدينة سابقا. حسب الأخصائي، فإن مقارنة بسيطة بين النماذج البيانية القديمة والحديثة، تبرز بوضوح وجود تغيرات مناخية غير مسبوقة، فالتساقط المطري كان منتظما من قبل و بكميات مستقرة عادة، وذلك بداية من شهر سبتمبر، عكس ما نرصده الآن، كما أن الحرارة أصبحت تتعدى معدلاتها الفصلية قبل الأوان، إذ سجلنا ، كما أكد، درجات غير مسبوقة وصلت حتى40 إلى 24 درجة مئوية خلال شهر جوان و قبله، مع أنها درجات يفترض أن تسجل بالعموم خلال شهري جويلية و أوت، وهو تداخل يصعب ضبط النماذج الرقمية للرصد الجوي، على حد قوله. في ما يتعلق بالرطوبة، أوضح المتحدث، بأن الأمر يعود بنسبة معتبرة إلى تأثيرات سد بني هارون القريب، الذي زاد نسبة التبخر، كما أن لهذه الوضعية علاقة مباشرة بارتفاع درجات الحرارة و بالرياح كذلك، فقوتها واتجاهاتها تساعد على انتقال الرطوبة من السدود و المسطحات المائية إلى الداخل، مع الإشارة إلى أن الوضعية الجوية الحالية، نشطت حركة الرياح الجنوبية الغربية الناجمة عن منخفض جوي متمركز في البرتغال وإسبانيا منذ قرابة أسبوعين، و سيرت تيارات وصلت إلى غاية الجنوب الغربي للجزائر، و عادت محملة بالأتربة و الغبار. من جهة ثانية، يذكر بأن هناك دراسة جامعية، حديثة أجريت بمركز عبد الحفيظ بو الصوف الجامعي لولاية ميلة، من طرف كل من الأستاذة ليندة شباح و الأستاذ عبد السلام كبور ، حول حجم التغيرات المناخية في معدل التساقط و متوسط درجات الحرارة بالمناطق المحيطة مباشرة بسد بني هارون، في الفترة بين 1998 و 2015، كشفت عن اختلالات أو تشوّه في طبيعة المناخ، من خلال تحليل النّظام الحراري والمطري على الصعيدين الشهري و السنوي، في الفترة السابقة لملء السد بالمياه وبعدها. وخلُصت الدراسة أيضا، إلى أن أثر سد بني هارون على المناخ واضح جدا، فقد أثر بوضوح على المقاييس المناخية للمنطقة المحيطة به، وعلى رأسها ارتفاع معدل التساقط السنوي في المناطق الأقرب من السد. * الطبيبة العامة لامية محلول هكذا يمكن التأقلم مع الحرارة والرطوبة العاليتين تؤكد الطبيبة العامة، الدكتورة لامية محلول، بأن فصل الصيف بقسنطينة أصبح أكثر قسوة على المرضى المزمنين، خصوصا في السنوات الأخيرة، و ذلك بفعل ارتفاع درجات الحرارة و زيادة نسب الرطوبة الناجمة عن زيادة تأثيرات سد بني هارون.و أضافت الطبيبة بأن هذه الملاحظة وليدة المعاينات اليومية على مستوى مصالح المستشفيات التي تعرف تضاعفا في وتيرة الفحص الخاص بالمرضى الذين يعانون من أزمات صحية هذا الموسم، خصوصا بسبب الرطوبة التي تلي عادة تهاطل الأمطار الرعدية في الصيف. حسب المتحدثة، فإن أول مشكل يطرح في هذه الحالة، يخص صعوبات التنفس التي يعاني منها الكثيرون، خصوصا مرضى الحساسية و الربو والتهاب القصبات الهوائية المزمن، لأن الرطوبة تساعد، كما أوضحت، على تكاثر الميكروبات و الطفيليات، التي تتسبب في التعفن في حال الإصابة بالتهابات، و تؤدي إلى مضاعفات صحية غير محمودة، تبدأ بالإصابة بالحمى و تنتهي باستخدام أدوية قوية، كمضادات الالتهاب. وعليه تنصح الطبيبة، هؤلاء المرضى، بتقليص أوقات تواجدهم خارج البيت، خصوصا أثناء فترات الذروة، فالخروج في هذه الأيام تحديدا، مع استمرار تفشي الوباء، يحتم عليهم ارتداء الكمامة من أجل الوقاية من كورونا، وهو ما يزيد من معاناتهم مع الرطوبة، و يضاعف المخاطر المحيطة بهم، حيث تشدد على أهمية التحلي بثقافة صحية في ما يتعلق باستخدام المكيف الهوائي، و الاستفادة بشكل أكبر من خاصية التهوية التي يقدمها و التي تساعد على معالجة نسب الرطوبة في المنازل و الغرف، مع التأكيد على فائدة وضع وعاء به ماء داخل الغرفة المكيفة، لأن عملية التبريد تؤدي إلى تجفيف الهواء في المنزل، و بالمقابل يسمح وعاء الماء بالحفاظ على ترطيب مناسب للفضاء. من جهة ثانية، تحذر الطبيبة، من تبعات الحرارة العالية على مرضى الضغط الدموي، لأنها تتسبب في تمدد الأوعية الدموية، وبالأخص الأوردة، الأمر الذي يؤدي إلى تسجيل هبوط حاد في الدورة الدموية، و تضاعف خطر الأزمات الحادة، لذلك تقترح عليهم تجنب التعرض المباشر لأشعة الشمس، لأن ذلك يزيد من التعرق و الجفاف لاحقا، مقابل ذلك تنصحهم بتعديل نسبة استهلاك المياه وعدم الإكثار منها، لتجنب خطر احتباس الماء و الملح داخل الجسم، وما يمكن أن ينجر عنه من ارتفاع في الضغط، كما تشدد كذلك على أهمية ممارستهم رياضة المشي في الفترات المسائية. المتحدثة، أشارت أيضا إلى ضرورة حماية كبار السن من تأثير الجفاف و الحرارة ، محذرة الشباب من ضربات الشمس القوية التي يسببها الخروج في أوقات الذروة، مضيفة بأن التقلبات المناخية تحتم على سكان قسنطينة، تغيير بعض سلوكياتهم و التعامل بجدية أكبر مع موضوع ارتفاع الحرارة، فالتعرض المفرط للشمس، يمكن أن يؤدي إلى العديد من المضاعفات الخطيرة. * أخصائية أمراض الصدر والحساسية سامية كرميش تغير المناخ يُضاعف أزمات الربو و أمراض القلب صيفا من جانبها، قالت أخصائية أمراض الصدر والحساسية الدكتورة سامية كرميش، بأن المسطحات المائية القريبة من قسنطينة، بما في ذلك سد بني هارون و ما خلفه من ارتفاع في نسب الرطوبة، له انعكاس سلبي على صحة المرضى و بالأخص من يعانون من مشاكل تنفسية، مشيرة إلى أن هذا الواقع طبع السنوات القليلة الأخيرة. الطبيبة أوضحت، بأن طبيعة العيش في المدينة، في ظل تزايد العمران على حساب المساحات الخضراء، ناهيك عن تشبع الهواء بالرطوبة و الغبار الناجم عن ورشات البناء و بقايا الردوم والأتربة و مخلفات المركبات الصناعية، كلها عوامل غيرت مناخ المدينة و رفعت نسبة التلوث في الجو، ما ضاعف من معاناة مرضى الربو على وجه الخصوص، بالإضافة إلى مرضى القلب و الشرايين، والدليل، كما قالت، هو ارتفاع عدد المعاينات بمصالح الاستعجالات و تسجيل منحنى تصاعدي في ما يتعلق بالأزمات التنفسية و الأزمات القلبية. و قالت المتحدثة، بأن الجائحة و انتشار الفيروس، عقدا من وضعية المرضى والأطباء على حد سواء، بسبب مشكل اللبس في التشخيص، وهو ما أثر سلبا على الوضعية الصحية عموما، مع زيادة عدد المرضى و فرط استهلاك الأدوية و تضاعف أخطاء التشخيص، نتيجة الضغط على المصالح الطبية و بالأخص الاستعجالات. حسب الطبيبة، فإن الحل يكمن بالنسبة لهؤلاء المرضى، في الالتزام بالعلاج الطبي، ناهيك عن الاعتماد على المعاينة المسبقة و الاستشارة الطبية حتى وإن تعلق الأمر بساعات العمل أو ضرورة الخروج في عطلة أو قرار الذهاب إلى البحر، و ذلك من أجل ضبط علاقة صحية سليمة تسمح للمرضى بالخروج من المرحلة بسلام، مضيفة بأن ارتفاع درجات الحرارة و الرطوبة في السنوات الأخيرة، يحتم على مرضى حساسية الصيف، التعامل باهتمام أكبر مع حالاتهم الصحية، و التحلي بالوعي الصحي اللازم، بعيدا عن فوضى التطبيب الذاتي. هدى طابي