قرر رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون،أمس، الاستدعاء الفوري لسفير الجزائر في العاصمة الفرنسية باريس للتشاور، في أعقاب التصريحات غير المسؤولة التي أدلى بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الخميس الماضي، والتي نقلتها عدة مصادر ولم يتم تكذيبها من قبل السلطات الفرنسية، حيث أكدت الجزائر رفضها القاطع لأي تدخل في شؤونها الداخلية. لم يتأخر الرد الرسمي على تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون، فبعد ساعات من الكشف عن هذه التصريحات الغربية والمستفزة، أعلنت رئاسة الجمهورية عن قرار استدعاء سفير الجزائر في باريس للتشاور، من دون أن تحدّد الرئاسة الجزائرية موعداً لعودته. وأكدت رئاسة الجمهورية في بيان بثه التلفزيون العمومي، أن استدعاء السفير جاء على خلفية التصريحات غير المكذبة لعديد المصادر الفرنسية المنسوبة للرئيس الفرنسي، مشددة على رفض الجزائر رفضاً قاطعاً التدخل في شؤونها الداخلية التي جاءت في تلك التصريحات، التي وصفتها رئاسة الجمهورية بغير المسؤولة. وجاء الرد الرسمي الجزائري الحازم، على التصريحات المستفزة للرئيس الفرنسي ماكرون، والتي نقلتها صحيفة "لوموند" الفرنسية خلال لقائه مجموعة من الطلبة الجزائريين ومزدوجي الجنسية والفرنسيين من أبناء الأقدام السوداء، الخميس الماضي، حيث اتهم النظام السياسي في الجزائر بكن الضغينة لفرنسا حسب وصفه. واعتبر أن «المشكلة لم تنشأ مع المجتمع الجزائري في أعماقه، ولكن مع النظام السياسي العسكري الذي بُني على هذا الريع من الذاكرة» . كما تحدث الرئيس ماكرون عن ملابسات القرار الفرنسي القاضي بخفض نسبة منح التأشيرات للجزائريين، حيث زعم بأن القرار سيستهدف بالدرجة الأولى من وصفهم بأفراد «المجتمع الحاكم «. وتجاوز الرئيس الفرنسي الأعراف الدبلوماسية بتشكيكه في وجود كيان للأمة الجزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، إذ اعتبر ماكرون أنّ التساؤل عن وجود الأمة الجزائرية أمر مشروع، وقال «هل كانت أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي؟ كان هناك استعمار سابق، (يقصد الوجود العثماني في الجزائر)، أنا منبهر بقدرة تركيا على جعل الناس تنسى ذلك تماماً وتركز فقط على أننا المستعمرون الوحيدون للجزائر». وراح الرئيس الفرنسي يساوي بين الاستعمار الفرنسي للجزائر والوجود العثماني. وهذه هي المرة الثانية التي تقوم فيها الجزائر باستدعاء سفيرها في باريس للتشاور، بعد استدعاء أول في نهاية ماي 2020، رداً على بثّ قنوات فرنسية مملوكة للدولة وثائقيات تخص الحراك الشعبي في الجزائر، اعتبرت الجزائر أنها تضمنت تضليلاً ومغالطة كبيرة. ومن شان التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي أن تزيد من حدة الخلافات والتوترات بين البلدين، بسبب تراكم مكثف للخلافات متعددة الأوجه بين البلدين. وكان الرئيس تبون قد أقر في وقت سابق بأن «العلاقات الجزائرية الفرنسية ليست على ما يرام»، خاصة بعد قرار الجزائر إلغاء زيارة كان مقرراً أن يقوم بها رئيس الحكومة الفرنسية جون كاستكس إلى الجزائر في 11 أبريل الماضي، وتم سحب تراخيص عمل قنوات فرنسية في الجزائر، وكذا إنهاء عقود شركات فرنسية كانت تدير قطاعات حيوية في الجزائر بسبب مشاكل في التسيير والتي أدت إلى حدوث أزمات على غرار أزمة التزود بالمياه بسبب ممارسات شركة سويز الفرنسية التي كانت تتولى إدارة شركة «سيال» لتزويد العاصمة وتيبازة بالمياه . تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون «المريبة» جاءت في سياق خطوات فرنسية مثيرة للجدل ومستفزة وتؤكد بما لا يدع أي مجال للشك أنها خرجات غير عفوية و استفزازية إزاء الجزائر مند إقدام إيمانويل ماكرون على تكريم مئات الحركى الذين خدموا فرنسا في حرب الجزائر التحريرية، وإعلانه عن مشروع قانون لتعويض "الحركى" وذويهم. وبعد ذلك أعلنت الحكومة الفرنسية عن قرارها تشديد شروط الحصول على التأشيرة لرعايا كل من الجزائر و تونس و المغرب، بحجة «رفض» هذه البلدان الثلاثة منح جوازات المرور القنصلية الضرورية لعودة المهاجرين المبعدين من فرنسا». و أكد الناطق باسم الحكومة الفرنسية، غابريال أتال، الثلاثاء الماضي، «انه قرار جذري و غير مسبوق». وقال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، في كلمة له أمام البرلمان الفرنسي، إن التراجع عن قرار تشديد منح التأشيرات للجزائريين مرتبط بحل أزمة المهاجرين غير الشرعيين المتواجدين في فرنسا، وربط تراجع بلاده عن قرار تشديد منح التأشيرات لمواطني الجزائر، وكذا المغرب وتونس، بشرط إصدار هذه الدول التصاريح القنصلية اللازمة لاستعادة مواطنيها الموجودين بطريقة غير قانونية على الأراضي الفرنسية. وعبرت الجزائر عن رفضها للقرار الفرنسي، ووصفه مساعد وزير الخارجية المكلف بقضية الصحراء الغربية والمغرب العربي عمار بلاني، في تصريح صحافي، بأنه» أحادي الجانب وغير متناسب ومحاولة لفرض الأمر الواقع، ناتج عن اعتبارات أحادية الجانب خاصة بالجانب الفرنسي، ويخل بالبعد الإنساني في العلاقات الجزائرية الفرنسية». و أضاف المبعوث الخاص، أن «القرار غير مناسب من حيث الشكل لأنه يأتي عشية تنقل وفد جزائري لفرنسا بهدف تقييم جميع الحالات التي لم يبث فيها بعد، و تحديد الطرق العملية الأكثر ملاءمة من اجل تعزيز التعاون في مجال تسيير الهجرة غير الشرعية». واستدعت وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج، سفير فرنسابالجزائر «لإبلاغه احتجاجا رسميا من الحكومة الجزائرية على خلفية قرار أحادي الجانب من الحكومة الفرنسية يمس بنوعية و سلاسة تنقل الرعايا الجزائريين باتجاه فرنسا»، خاصة أنه جاء عشية إيفاد الجزائر لوفد رسمي إلى باريس، لإجراء محادثات مع السلطات الفرنسية بشأن ملف المهاجرين المقيمين غير الشرعيين وإجراء جرد لقائمة بأسماء المعنيين بقرارات الطرد والترحيل من فرنسا، بهدف التثبت من هوياتهم قبل اتخاذ قرار استقبالهم والموافقة على نقلهم إلى الجزائر. وأكد بيان وزارة الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج أن «هذا القرار الذي جاء دون تشاور مسبق مع الجانب الجزائري تضمن سلوكا غير مقبول من خلال الضجة الإعلامية التي صاحبته والتي أثارت خلطا وغموضا بخصوص دوافعه و مجال تطبيقه». وأشارت وزارة الشؤون الخارجية إلى أن الأمين العام للوزارة «السيد رشيد شكيب قايد قد ابرز المكانة المحورية للعنصر البشري في العلاقة الجزائرية الفرنسية مؤكدا على ضرورة تسيير متوازن وشفاف طبقا للأدوات القانونية الثنائية والعالمية لظاهرة تنقل الأشخاص». كما أوضح أن «الجزائر تستنكر هذا العمل المؤسف الذي يعرض للهشاشة والارتياب مجالا حساسا من مجالات التعاون، مجالا يتطلب الثقة و احترام كرامة الأشخاص و الالتزامات التي تبنتها الحكومتان». وإذا كان ماكرون يحاول علاج تدهور شعبيته ومسابقة اليمين المتطرّف الذي يغرف من وعائه الانتخابي، بالإساءة للجزائر فإنه بكل تأكيد أخطأ في الحساب، ومع تصريحاته الأخيرة ، وقراراته غير المبررة، يكون الرئيس الذي ادعى بهتانا سعيه لمصالحة الذاكرة مع الجزائر، ولحسابات انتخابية، قد أعاد العلاقات بين البلدين إلى نقطة الصفر، ولن تكون هذه المرة مجرد سحابة صيف عابرة كما كان يردد الفرنسيون بل قد تحمل قطيعة حقيقية وقد تدفع نحو إجراءات لإعادة النظر في المزايا الممنوحة بدون أي مبرر للشركات الفرنسية بالجزائر.