لقد كانت غزوة بدر نقطة انعطاف في تاريخ الدعوة الإسلامية حملت الكثير من الدروس والعبر التي ينبغي علينا أن نعرفها حتى نستفيد منها في حياتنا الدينية والدنيوية؛ فالإسلام دين سلام ورحمة، ولا يتشوق لحالة الحرب ما لم يدفع لذلك دفعا، وما شرع القتال فيه إلا لرد العدوان وحماية الدعوة وتأمين حرية الناس في تقرير مصيرهم الديني والسياسي، لذلك جاء الإذن بالقتال في بدر وما بعدها لتحقيق هذا المقصد الشرعي الأسمى، فقد تعرض الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لأذى كبير بمكة إلا أنهم صبروا وصابروا ولم يشهروا سلاحا لرد الأذى عنهم، لكن تمادي الأذى ومجيء الهجرة مهد للإذن بالقتال المشروع، وكانت البداية بغزوة بدر في لقاء تاريخي نصر الله فيه المؤمنين وأذل الكافرين وكسر شوكة قريش وهيبتها، فمن دروس وعظات وعبر هذه الموقعة ما يأتي: (1)إن بدرا علمتنا كيف نتعالى على حظوظ النفس ونرتبط بالغاية السامية التي شرفنا الله بها إلا وهي الدعوة إلى دينه والسعي لتمكينه، وهذا يقتضي بذل النفس والنفيس والغالي والرخيص. قد عاتب الله الصحابة الذين تعلقت قلوبهم بالعير وكرهت النفير الذي فيه عزتهم وعزة دينهم، وقد ظهرت علامات الجزع والكراهة مباشرة على الوجوه بعد إفلات القافلة وتعين المواجهة، مما جعل النبي صلى الله عليه وسلم يتدخل بسرعة داعيا إلى تجريد النوايا مما علق بها من حظوظ النفس وترك الجدل وحسن السمع والطاعة وإيثار ما عند الله؛ وهذا درس عظيم في تربية النفس على التجرد المبرأ من كل شائبة، فالنصر إنما يتحقق بصدق الإقبال وطلب ما عند الله من فضل وثواب، والعمل إنما يقبل مادام بإخلاص. (2) كما علمتنا أن نحترم سنن الله ونأخذ بها في جميع الأحوال؛ فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم واثقا بنصر الله وأنه لن يضيعه ولكنه بذل كل ما يستطيع من أجل أن يحقق مراده (بعث الأعين، اختيار المكان المناسب، غور الآبار، بالغ في الدعاء، أحكم تنظيم الصفوف، رفع معنويات الجنود، .... ، وغير ذلك)، وهو بهذا المسلك يعلم أمته أن النجاح مرهون بالعمل واستفراخ الوسع وحسن التوكل على الله و أن التقاعس والتكاسل والاتكال على نصر الله لن يأتي إلا بالهزيمة، فالله لا يتولى المنهزمين الذين يؤثرون سلامة الدنيا على سلامة الدين، وخير شاهد ما حدث لموسى مع بني إسرائيل الذين جبنوا وأحجموا عن دخول الأرض المقدسة، فضربت عليهم الذلة وتاهوا في الأرض أربعين سنة غير مأسوف عليهم . (3) علمتنا بدر أن السعي لاسترجاع الحقوق المسلوبة أمر مشروع تقره الشرائع السماوية والمواثيق الدولية، حتى وإن تطلب سل السيوف؛ بل يجب على صاحب الحق أن يتحرك ويتخذ جميع الإجراءات التي من شأنها أن تسترجع حقه المنهوب (فما ضاع حق وراءه طالب) ولا يكتفي بالتنديد والوعيد فهذا ديدن العاجزين والفاشلين، ولنا في تاريخ الثورات الإسلامية منذ القدم التي سارت على هذه القاعدة عبرة، وفي ضوئها ينبغي أن يسير أشقاؤنا الفلسطينيون اليوم، لتكون بدر نبراسا لهم، فوضع القوة بحكمة حيث يجب أن توضع وتوضع الكلمة حيث يجب أن توضع. (4)كما علمتنا أن نبتعد عن كل خلاف، فالخلاف لا يأتي إلا بالشر، وأن نبادر في الحال إلى إصلاح النفوس حتى لا يستأثر بها شياطين الإنس والجن، فإصلاح ذات البين والمحافظة على الأخوة من الواجبات التي يحتمها الدين، والضرورات التي يفرضها الواقع، وهذا هو الأصل إذ ما قيمة بنيان فاخر إذا كان متهالكا من الداخل . (5)كما علمتنا بدر أن الفئة القليلة المؤمنة تنتصر على الفئة الكثيرة الكافرة، فمن كان الله معه فلن يغلب أبدا وإن تمالأ عليه من في الأرض، لقد انهزمت قريش نفسيا قبل أن تنهزم عسكريا (وذلك عندما بعثوا عميربن وهب الجمحي يستطلع الأمر فرجع وجلا وقال لهم : البلايا تحمل المنايا نواضح يثرب تحمل الموت الناقع، فأدركوا أنهم سيغلبون) والرهبة جند من جنود الله يؤيد الله بها عباده المؤمنين، وفي تاريخ المسلمين نماذج من هذا الانتصار النفسي؛ على غرار ما كان يفعله اسم خالد بن الوليد وهارون الرشيد وغيرهما. (6) كما علمتنا بدر الاهتمام بمسألة الشورى وتفعيلها في حياتنا الفردية والجماعية، (فما خاب من استشار) فعند ممارسة الشورى يتحمل الجميع عبء المسؤولية فإن كان النصر ربح الجميع وإن كانت الأخرى سلم الجميع من السباب والعتاب، والشورى في الإسلام هي من فرائض الدين التي تعصم الرأي من الانحراف، وهي كما قيل لقاح الفكر ورائد الصواب، وهي مطلوبة في جميع القضايا الطارئة التي النص فيها (إذ لا اجتهاد مع نص). (7)كما علمتنا بدر فلسفة الولاء والبراء؛ فأخوة الدين مقدمة على أخوة النسب بل لا قيمة لها إذا تعلق الأمر بمصير الدين وهذا ما فهمه عمر عندما استشاره النبي صلى الله عليه وسلم في شأن الأسرى وكل أمة تفقد هذا الامتداد الهوياتي ستنحرف عن الجادة وتفقد القدرة على التمييز بين الصديق والعدو، ما يسهل استهدافها. (8)ولعل أهم درس نتعلمه من بدر هو روح الإقبال والتضحية والثبات والطاعة والصبر والمصابرة وعدم التنازع التي ميزت ذلك الجيل رغم قلة الزاد والعتاد وانعدام الساعد والنصير، ولولا تضحياتهم الكبيرة لما كنا ننعم بهذا الدين اليوم، والنصر من عند الله تعالى في كل حال. هذه أبرز دروس غزوة بدر في حياة كل أمة أيام تعتز بها تتذكرها دائما وتُعلمها لأبنائها فيعرفون ماضيهم ويفهمون حاضرهم ويصنعون مستقبلهم في ضوء الدروس المستفادة منها، ومن أعظم أيام الله على أهل الإسلام يوم بدر أو كما سماه القرآن يوم الفرقان؛ الذي حمل لنا دروسا عظيمة منها: (1) أن العبد يريد والله يريد ولا يكون إلا ما يريد الله، خرج المسلمون في طلب قافلة قريش ففر بها أبو سفيان فأفلتت القافلة وضاع صيد المسلمين، ظن أطراف الصراع أن الأمر قد انتهى ولكن مشيئة الله قضت بالحرب . (2) ألا أحد يعلم الغيب إلا الله، حتى النبي صلى الله عليه وسلم ظن أن الأمر لن يكون أكبر من الإغارة على قافلة ولو تواعد الطرفان لاختلفا في الميعاد، ولكنه موعد قضى الله أن يكون فكان؛ قال تعالى: (إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدتُّمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ (42) ) الأنفال (3)إن القائد الحكيم لا ينام عن عدوه، وهذا رسولنا صلى الله عليه وسلم لم تشغله الدعوة عن أمر عدوه ولم يصرفه القرآن وقيام الليل عن تتبع أخبار قريش، فكان يتحسس أخبارهم وإلا كيف عرف أساسا بأمر القافلة ، إن هذا الدين توازن فما يقوم الدين بهدم الدنيا وما تستقيم الدنيا بهدم الدين . (4)إن أهم درس من دروس القيادة وهو الأخذ بالشورى والرأي لما فيه مصلحة الأمة، قبل المعركة يقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه أشيروا علي أيها الناس، ولما رأى فيهم ما يسُر قلبه سار بهم إلى القتال، وفي ترتيبات الحرب ينزل رسولنا على رأي الحباب بن المنذر، لنجعل آبار بدر خلف ظهورنا فنشرب ولا يشربون مادام الأمر ليس وحيا إنما هو الرأي والحرب والمكيدة، وبعد المعركة يستشير رسولنا أصحابه ماذا يفعل بالأسرى، ولو استغنى قائد عن الشورى لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أغناهم عنها. (5) إن الدعاء أخذ بالأسباب أيضا، ولو استغنى أحد عن الدعاء يوما لاستغنى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر، إنها حرب الإيمان الذي لا لبس فيه ضد الشرك الذي لا لبس فيه ولكن سيدنا رسول الله كان يدعو ملء قلبه (اللهم نصرك الذي وعدت، اللهم إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبدا) (6)علمتنا غزوة بدر درسا من دروس المحبة بين الزوجين والوفاء حيث أراد عثمان بن عفان رضي الله عنه الخروج لغزوة بدر فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمره بالبقاء إلى جانب رقية رضي الله عنها لتمريضها، وامتثل عثمان لأمر رسول الله وبقي إلى جوار زوجته حيث كانت في مرض الموت، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على الوفاء للزوجة والطاعة لرسول الله، وكُتب عثمان من البدريين وضرب له بسهما من الغنائم حيث قال له الرسول صلى الله عليه وسلم (لك أجر رجل شهد بدرا وسهمه). (7)إن أسباب النصر تبدأ من داخلنا لا من الظروف المحيطة بنا فهذا حمزة رضي الله عنه ينظر في جيش قريش ثم في جيش المسلمين ويقول لأبي عبيدة بن الجراح إن كل ما أمامي لا يخيفني، هم أكثر منا عددا ولكننا بالإيمان أكثر قوة، لقد انتصر حمزة قبل أن تبدأ المعركة لأنه كان منتصرا في أعماقه، ويؤمن أن الإيمان هو الذي يحسم المعارك وأن أول أسباب النصر والهزيمة تبدأ من الداخل. فيما يرابط المقدسيون بالأقصى أئمة يخصصون خطبا و دروسا للتضامن مع الفلسطينيين خصص الكثير من خطباء المساجد خطبة الجمعة الماضية وبعض الدروس المسجدية قبيل صلاة التراويح وبعض الخطب التي يبثونها عن بعد في فضاءات التواصل الاجتماعي للتضامن مع الأشقاء الفلسطينيين في محنتهم هذه الأيام مع الكيان الإسرائيلي المتحرش بالأقصى وهم مرابطون فيه، وقدموا شهداء، حفاظا عليه من محاولات التدنيس التي يتعرض لها من قبل المستوطنين بحجة تقديم قرابين، وقد ذكر الأئمة مجددا بأهمية هذا الرمز الديني الإسلامي اعتباره أول القبيلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم وبينوا واجبات المسلمين تجاهه ودعوا للوقوف إلى جانب المرابطين بالأقصى كل بما يقدر عليه، ولو بالدعاء، حتى يصمدوا ضد المحاولات الصهيونية. يحدث هذا في الوقت الذي صلى 60 ألف فلسطيني الجمعة الثانية من رمضان، وهو رقم دون ما كان يسجل في مثل هذا الوقت في الظروف العادية حيث كان يتجاوز ربع مليون فلسطيني، كما لا يزال المصلون مرابطين هناك بعد أن عاهدوا الله تعالى على الصمود والدفاع عن الأقصى. تكريم أئمة المسجد ومعلمي القرآن الكريم الراحلين في مبادرة لاقت استحسانا كبيرا استذكرت بلدية أم الطوب بولاية سكيكدة أئمة المسجد ومعلمي القرآن منذ الاستقلال الذين رحلوا تاركين آثارهم الطيبة بين السكان والجدران، حيث كرمتهم بمناسبة يوم العلم، بمعية معلمين قدامى ومدراء مؤسسات تربوية في حفل أقيم بالمكتبة البلدية بمناسبة يوم العلم. وقد شملت قائمة التكريم؛ أئمة المسجد العتيق منذ تأسيسه بعد الاستقلال: الشيخ سي حسن لواتي والشيخ سي أحسن لعتيق والشيخ سي عمر محمد خلفة، رحمهم الله تعالى، وكذا معلمي القرآن بالمسجد ذاته وبالكتاتيب وأئمة التراويح؛ الشيوخ: المختار بوبريم والشيخ سي مسعود فكراش والشيخ الدوادي فنغور والشيخ صالح قند، رحمهم الله تعالى؛ حيث قدمت التكريمات لعائلاتهم، في لفتة شكلت اعترافا بما قدموه للبلدية وسكانها، ووفاء لمآثرهم، كما كرم أول مدير لأول مدرسة بأم الطوب الحاسن بولحية وكذا المديران الراحلان: محمد بولحجل وعمار بوصبع، إلى جانب الأستاذ الجامعي وعضو المجلس الولائي الأسبق علي سباغ، والقاضي لبجاوي لحمر.