-البيان الثاني- بقلم: جروه علاوة وهبي «ماذا صنعت بنفسك؟» إنه السؤال الحارق أكثر من حرقة النار. هو إذن سؤال البداية الذي لابد أن يطرحه كل كائن بشري، فإما أن يحترق به وإما أن يجد مخرجا منه. سؤال: طرحه الشاعر سعدي يوسف، بعد أن غادر الجزائر التي عاش فيها ردحا من حياته ليجرب الحياة في مدن الغربة الأخرى، وأجده الأجدر بأن يطرحه كل مبدع على نفسه. إنه سؤال الذي قد يكون أدم طرحه على نفسه بعد هبوطه من الجنة إلى الأرض. ما الذي صنعه بنفسه؟ اليس هو السؤال الذي يجلي لنا ذلك الصراع الابدي بين الخير والشر. أليس هو السؤال المأساة، مأساة الحياة التي وجدنا انفسنا نحياها، ولم نتساءل هل نحن من وضع حياته بيده وارادته. إرادة، كم هي قوية هذه الكلمة، في تعارضها مع القدر. هل وضع أوديب بقدره بيده، وأين كانت ارادته، لماذا غيبها، ساعة أن فعل فعلته، وتقبل عماه في نهاية فعله. ما الذي يدفعنا إلى اليأس، بدل أن يدفعنا إلى الابتهاج. هل الحياة كلها قنوط قاتل، أم أننا نحن الذين لا نرى فيها بقعة الابتهاج، المتوارية خلف ستائر شفافة. كم نحن في حاجة إلى الابتهاج، وسط هذه الانهار من الدماء التي أصبحت تغطي وجه الأرض. وجه أرض البلاد العربية، بمسميات مختلفة هل نحن في حاجة إلى البكاء على ما صارنا إليه من اندحار؟ أم نحن في حاجة إلى الضحك على ما وصلنا إليه من إنحطاط، وتبعية عمياء، لكل مالم تصنعه أيادينا؟. إننا نتبع الغرب في كل ما يسوقه لنا من مصنوعاته حتى في نظرياته ومقولاته الثقافية والفنية نحن لم نعرف الرواية، لكننا استورددناها من الغرب، نحن لم نعرف القصة، لكننا استوردناها من الغرب، نحن لم نعرف المسرح لكننا استوردناه من الغرب، كم لهذا الغرب من وجود في حياتنا. إن قال لنا أبكوا نبكي، وإن قال لنا تقاتلوا نتقاتل، وإن قال لنا انتم لا شيء صدقنا ما يقول كل ماهو جميل فينا لم نكتشفه بأنفسنا، حتى تراثنا لا نعرف قيمته إلا بعد أن يعرفها الغرب فنأخذ منه وعنه ماهو أصلا لنا. غريب أمرنا ، وأغرب منه تصديقنا كل ما يقوله عنا الأب الغرب. إن الإبتهاج هو اكسير الحياة، وحياتنا مليئة بالإبتهاج وما يبهج، ولكننا أغمضنا أعيننا عنه، ورحنا نتلهف على كل ما هو آت من الضفاف الأخرى. لماذا لا نلتفت إلى جذورنا؟ إلى تراثنا إلى الأسطورة الكامنة في ذواتنا ونسعى لبعثها وخلق نوع مسرحنا منها. لست ضد التراث الإنساني، ولكن ليس على حساب تراثي، فأنا كذلك لي إنسانيتي، وتراث جزء من تراث الإنسانية. لماذا نعجب بالواقعية السحرية في أمريكا اللاتينية ونتجاهل ما في تراثنا من غرائبية وسحرية والإبتهاجية. لماذا نبكي على الماضي الذي ضاع منا، على أندلس الأمس، ولا نضحك على من ضيعها منا، ولماذا نرى فيها فتحا، ونرى فيما صنعه الغرب بأوطاننا احتلالا؟ أليس هذا أكثر مدعاة للضحك؟ إننا وسط هذا الركام من الخرائب التي تضيق علينا الخناق أكثر ما نكون حاجة إلى السخرية من أنفسنا، لنعري انفسنا وننظر إلى ما فيها من قبح، ومن اعوجاجات، لنضحك منها، ونرسم البهجة في انتظار الآتي المجهول، رغم أننا لا نعرف في أية صورة سيكون القادم المجهول لكن أليس من حقنا أن نرسم صورته بأبهى ما يكون؟ إن القبح هو قبح الروح والبهجة هي بهجة الروح كذلك؟ هل هي نظرة سوداء هذه؟ بلى إنها نظرة بيضاء بما أن الحياة أبيض وأسود...صح أو خطأ. أما الألوان الأخرى فلنا ملكية اختيارها إن كان لنا ذلك فلماذا لا نختار غير الداكن منها؟ لماذا ننظر للحياة بهذه النظرة العدمية عديمة الألوان، على أنها ليست سوى تراجيديا قاتمة لا فرجة فيها للأمل. « ماذا صنعت بنفسك « « ماذا صنعت بنفسي « « ماذا صنع بنفسه « « ماذا صنعنا بأنفسنا ؟” هو الحرقة الكامنة في جوهر السؤال، لماذا لا نجلس إلى أنفسنا نسائلها، ننفض عنها رماد السنين نبحث فيها عن المبهج عن الفرح أم أنها كلها غم وهو ونكد؟ لماذا نذهب إلى المسموح ؟ ولماذا تقرأ الرواية أو القصة ؟ أو القصيدة: إننا نفعل ذلك بحثا عن المبهج الذي يعيد لنا أمل الحياة، لكن هل نجد ذلك في المسرح عندنا؟ سؤال قد تغضب إجابته الكثير لأن كل ما نجده عبث أو تهريج يبكي أكثر مما يبهج. هل هذه قسوة ، بلى، ولكنها دعوى للضحك أكثر منها للأسى. قد تكثر مأسى الحياة، قد تكون تراجيديا أكثر نصيبا فيها، ولكن أليس من المآسي ما يضحك؟ ألا يمكن تبهجنا التراجيديا؟ بلى، إن توفرت على متعة العين والأذن، كانت بهجتها أكثر من ألامها. أليست التراجيديا تطهيرا تطهير الروح من أحزانها من غذاباتها من آلاماها، من أدرانها، من قبحها. أوليس نقيض الحزن هو الفرح؟ أوليس نقيض العذاب هو الراحة؟ أوليس نقيض الآلام هو الراحة كذلك. أوليس نقيض الأدران هو الصفاء، أوليس نقيض القبح هو الجمال. ثم: أليس مجموع النقيض هو الإبتهاج الملون قزحيا فأين القزحية في الذي يقدم عندنا من عروض مسرحية وأين هي مما يكتب عندنا من روايات وقصص وقصائد. أوليست البهجة كامنه في باطن المحزن والتراجيدي في حياتنا لنعمل إذن على إبرازها، والعض عليها بأنيابنا حتى لا تفلت منا، ولتكن منهج حياتنا حتى نتمكن من مواجهة كل القبح والشرور التي تتربص بنا في كل ركن.