تستعيد قسنطينة بريقها و تستقطب السياح بشكل مكثف في السنوات الأخيرة، ما يضعها في مقدمة الوجهات الثقافية والأثرية و الطبيعية الهامة على المستوى الوطني، وذلك بفضل خصائصها السياحية المتنوعة و رصيدها الثقافي الثري و معالمها الرائعة، تنوع فريد ساهم في رفع حجم الإقبال على عاصمة الجسور المعلقة، ليبلغ عدد زوارها 2500 سائح من مختلف البلدان ومن قارات العالم الخمس في ظرف شهرين، ما ينبئ بربيع سياحي واعد. حاتم بن كحول انتعشت الحركة السياحية على مستوى مختلف المواقع الأثرية في ولاية قسنطينة خلال الأسابيع القليلة الماضية، بعد أن حط مئات الأجانب الرحال بها، للاستمتاع بجمالها وعراقتها التاريخية، ولم يكتف السياح هذه المرة بالزيارات الميدانية الروتينية المؤطرة، فالتجربة أصبحت أكبر وتشمل المطبخ التقليدي الذي ذاع صيته مؤخرا، كما صارت الأسواق الشعبية حلقة مهمة في المسار السياحي كذلك. تاريخ باهر لعبت مديرة السياحة بالتنسيق مع وكالات السياحة والأسفار، دورا محوريا في مضاعفة الإقبال على الولاية، وهو مخطط استقطاب انطلق خلال عاصمة الثقافة العربية و بلغ مرحة مهمة جدا خلال تظاهرة " الشان"، لتنضج أولى ثماره مع هذا بداية الربيع، حيث يلاحظ المتجول في المدينة حركية معتبرة لسياح من جنسيات مختلفة ومن فئات عمرية متفاوتة و قد صنع سائح ألماني رفقة زوجته الحدث مؤخرا في وسط المدينة، حينما حط الرحال بقسنطينة رفقة ابنته الرضيعة التي لم تتجاوز السنة من العمر، والتي تفاعلت بشكل كبير مع الناس في الشارع وبدت عليها سعادة كبيرة، و والأكيد أنها ستطلب زيارة ثانية للمدينة، عندما ستشاهد صورها مستقبلا. ويعتبر موقع تيديس ببلدية بني حميدان، محطة مهمة تبهر الزائرين حسب ما أكده مرافقون ومرشدون سياحيون شباب، خاصة وأنه جاء في مساحة مفتوحة تحفها مناظر طبيعية خلابة ممزوجة بآثار ومعالم تاريخية تعود لعقود من الزمن، حيث تمكن خصوصية الموقع في ارتفاعه كون المدينة مبنية على هضبة تمنح من يقف عليها متعة كبيرة و شعورا بعظمة المنطقة و سحر تاريخها، كما زادت السلالم المؤدية من الموقع وإليه من جماله خاصة وأنها لا تزال على طبيعتها تحافظ على كل تفاصيل حجارتها. قال الشاب رؤوف وهو مرشد سياحي، إن الإيطاليين هم أكثر من يتعلق بالموقع عند زيارته، لأنه يعيدهم إلى أمجاد حضارة أجدادهم الغابرة، حتى أن هناك من يقومون بمقارنة صور لمعالم في إيطاليا مع أخرى يتميز بها الموقع، مستغلين فرصة التواجد به من أجل التقاط الصور و الجمع بين العملين الإيطالي والجزائري في صورة واحدة، لإشارة لتقاطع دروب الشعوب المتوسطية، وتؤكد غالبية السياح حسبه، أن قسنطينة و تيديس صفحة لا يمكن أن تسقط من كراسة الأسفار، علما أن سحر المدينة لا يأسر الإيطاليين فقط، بل يشد القادمين من الولاياتالمتحدةالأمريكية كذلك، و عادة ما يشبه هؤلاء الموقع بمواقع مماثلة زاروها خلال رحلاتهم إلى بلدان أخرى. وقد زار ولاية قسنطينة، خلال شهري جانفي وفيفري من السنة الجارية، أزيد من 2500 سائح يمثلون مجموعة من البلدان موزعة على القارات الخمس، ومواصلة للحركية السياحية فقد تواجد 141 سائحا أجنبيا بالولاية بحر الأسبوع المنصرم، استفادوا من جولات منظمة بتأطير من وكالات سياحية محلية ووطنية في انتظار التحاق العشرات في قادم الأيام. الجسور المعلقة تحبس أنفاس مرتقيها وحبست الجسور المعلقة بقسنطينة، أنفاس مرتقيها الذين امتزج شعورهم بالاستمتاع والارتباك لعدم تعودهم على التواجد في أماكن مماثلة، حيث يؤكد محدثنا، أن الجميع يتفقون على أنها تجربة مختلفة نظرا لعراقة جسور المدينة، و لتوليفة الطبيعة والصخر الفريدة ذات السحر الأخاذ، لذلك تعد تجربة الجسور الأهم و الأجمل بالنسبة للكثيرين. وقد استمتع الزوار الذين رافقهم حيدر، مرشد سياحي آخر، بالجسور الثمانية التي تشتهر بها قسنطينة، والتي تعتبر همزة وصل بين هضبتين، بداية بجسر سيدي راشد، وجسر سيدي مسيد المعلق على ارتفاع 150 مترا، إضافة إلى جسر المصعد أو كما يسمى في قسنطينة قنطرة السونسور"، وهو أكثر جسر يخيف زواره كما قال، خصوصا عندما يتحرك يمينا وشمالا عند السير عليه، ويبقى المميز أيضا بالنسبة لهم لأنه مخصص للمارة ولا يسمح بمرور السيارات عليه، ما يتيح الفرصة للاستمتاع به و التقاط الصور وتصوير مقاطع الفيديو بكل أريحية. "درب السياح" سافر بزائريه بين الحقيقة و الخيال زار ضيوف قسنطينة أيضا كما أخبرنا المرشد السياحي، بقية الجسور على غرار جسر وادي الرمال والجسر العملاق الذي أنجز قبل سنوات قليلة، واستغلوا الفرصة لالتقاط الصور التذكارية التي تسمح بالحصول على مشاهد بانورامية للمدينة القديمة و للصخر العتيق. تضع الوكالات السياحية ضمن مسارها السياحي، نقطة مهمة جدا تعتبر بمثابة معلم فريد نادر لامثيل له في العالم، وهو درب السياح قديم النشأة حديث الاستغلال، ويتعلق الأمر بمسالك ترابية ضيقة أسفل جسر باب القنطرة باتجاه جسر سيدي مسيد، تكمن روعتها في موقعها أسفل الجسور ووسط مساحات خضراء بديعة الجمال، إضافة إلى خصوصية المسلك المؤدي إلى مغارات قديمة منها ما يمتد عميقا في قلب الصخر لينتهي بشلالات يكسر خريرها هدوء المكان. إيطاليون عشقوا "الحمص دوبل زيت" و"الشخشوخة" أسالت لعاب فرنسيين بعيدا عن المعالم الأثرية والمواقع السياحية، فإن مدينة قسنطينة تتميز بأكلاتها الشعبية والتقليدية التي تشد روائها أنوف وبطون السياح، ولأن الترويج السياحي بلغ أشده على مواقع التواصل في آخر سنتين، فإن شهرة بعض الأطباق تعدت الحدود لدرجة أن هناك من السياح من يطلب وصفات بعينها مثل الشخشوخة التي أسالت لعاب سياح فرنسيين كما قال المرشد رؤوف. واختار وفد من السياح الإيطاليين رحبة الجبال لتذوق الطبق الشهير "حمص دوبل زيت" والتقطوا صورا تذكارية و سجلوا فيديوهات و هم يتناولونه و يحصلون على شروحات حول طريقة التحضير المحلية، خاصة وأن إيطاليا تشتهر بأكلاتها اللذيذة و التي تتقاطع كثيرا مع بعض الوصفات الجزائرية بالنظر إلى التقارب الجغرافي على حدود البحر الأبيض المتوسط. كما فضل سياح أمريكيون المطاعم الشعبية أيضا، و اختاروا تجربة الأطباق التقليدية على غرار "التريدة" و"الرشتة" و"الرفيس" وغيرها. وطلب سياح زيارة الأسواق الشعبية من أجل التعرف أكثر على مدينة قسنطينة، وعادات وتقاليد سكانها الذين دائما ما يرحبون بضيوفهم، وأتاحت بعض الوكالات فرصة اكتشاف أسواق قيمة لم تعد نشطة جدا مثل "سوق العاصر" الذي يتوسط بنايات قديمة شيدت في العهد العثماني، واستغل سياح الفرصة لالتقاط الصور و تجريب بعض المنتجات وبخاصة الفواكه الموسمية الطازجة. فرنسيون يروجون لقسنطينة بعد زيارتهم لها وما يؤكد انبهار وإعجاب السياح الأجانب بولاية قسنطينة كما أكد محدثنا، هو نشرهم لصور وفيديوهات زيارتهم إليها على مواقع التواصل، كما أن منهم من يفضلون البث المباشر لمشاركة متابعيهم متعة السياحة والاستكشاف، علما أن الإيطاليين والفرنسيين والألمان والإنجليز يعتبرون أكثر الجنسيات ترددا على المدينة التي تستقبل كذلك سياحا من دول أخرى، يعبرون عن إعجابهم بتنوع التراث و ثراء المعالم و جمال المواقع وبخاصة الجسور وموقع تيديس، ومسجد الأمير عبد القادر، نصب الأموات و قصر أحمد باي ومختلف المتاحف. وقد شرعت شابات فرنسيات في الترويج للسياحة بقسنطينة، بعد زيارة أخيرة لوفد سياحي من خلال نشر مقطع فيديو رائعة كما فعلت المدونة الشهيرة " كلير" التي حطت الرحال قبل أسبوع في المدينة وقدمت بطاقة سياحية مهمة عنها لمتابعيها وهم آلاف. مشاريع لتهيئة أبرز المواقع المهملة منذ سنوات وتسعى السلطات المحلية إلى مسايرة هذه الحركية و الزيادة في حجم إقبال السياح، ببرمجة وتجسيد مشاريع تهيئة وتحسين وتنظيف لمواقع سياحية ومعالم أثرية، من خلال وقوف الوالي على جملة من المشاريع في خرجات ميدانية سواء للمراقبة أو البرمجة، حيث تفقد مؤخرا ضريح ماسينيسا ببلدية الخروب، كما أشرف على عمليات التهيئة بالنسبة للمسلك المؤدي إلى حديقة سوس عبر المدخل المقابل لمحطة القطار للاطلاع على حالة السلالم والمعبر الذي يتخذه السياح معبرا للحديقة. كما نظمت ولاية قسنطينة، عشرات الصالونات والمعارض في إطار التعريف بالسياحة المحلية عموما و القسنطينية خصوصا، وبرمج ديوان السياحة صالونا دوليا بالتعاون مع مديرية السياحة و الصناعة التقليدية و بالتنسيق مع نادي المتعاملين في السياحة، يضاف إلى لتوسيع فرض النشاط والشراكة من خلال استقبال ممثلين عن أزيد من 10 دول أجنبية من قارات مختلفة. و يعتبر تنظيم مثل هذه المعارض والصالونات فرصة للتعريف بالمقومات السياحية لولاية قسنطينة كوجهة سياحية مهمة، حيث حضر الفعالية سالفة الذكر ضيوف من الاتحاد العربي للإعلام السياحي، ونظم خلالها خرجات سياحية إلى مختلف المواقع، كما تم التوقيع مؤخرا على اتفاقية شراكة بين رئيس الفيدرالية الوطنية للفندقة و السياحة و رئيسة الفيدرالية التونسية للفنادق لتعزيز التعاون.