رحيل بيار شولي الطبيب الفرنسي الذي اعتنق الثورة و نذر حياته للجزائر توفي أمس الجمعة المناضل من أجل القضية الوطنية إبان الثورة التحريرية الجزائرية و أحد صانعيها و رموزها الكبار الأستاذ في الطب بيار شولي الذي يعود له الفضل الأول في محاربة و استئصال داء السل من الجزائر عن عمر يناهز 82 سنة إثر مرض عضال. شولي الذي يعتبر من الوجوه البارزة التي تركت بصماتها في ملحمة الثورة الجزائرية إلى جانب موريس أودان و مايو و جماعة جونسون، و غيرهم من المثقفين الفرنسيين، نذر حياته للقضية الجزائرية و مناهضة الاستعمار، و رحل في الوقت الذي مازالت فيه الجزائر في حاجة إلى أمثاله للوقوف إلى جانب كل الوطنيين في وجه النزعة الاستعمارية في كل أشكالها و تجلياتها. و ليس غريبا أن يوصي فقيد الثورة الجزائرية، بأن يدفن إلى جانب هنري مايو بالمقبرة المسيحية في المدنية بالعاصمة .اختار الأستاذ شولي المختص في الأمراض الصدرية و التنفسية، الجنسية الجزائرية غداة الاستقلال و شغل مناصب عليا في وزارة الصحة و كان خبيرا في مكافحة السل. كما شغل منصب نائب رئيس المرصد الوطني لحقوق الإنسان وعضو المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي. ولد بيار شولي في 27 مارس 1930 بالجزائر العاصمة و ناضل من أجل تحرير الجزائر إبان الثورة (1954-1962) إلى جانب جبهة التحرير الوطني. قام شولي بعدة عمليات سرية مع مجاهدي جبهة التحريرالوطني تحت قيادة الشهيد عبان رمضان. خلال الثورة التحريرية طرد البروفيسور شولي إلى فرنسا من طرف السلطات الاستعمارية، لكنه نجح رفقة زوجته كلودين التي اعتنقت هي الأخرى القضية الجزائرية في الالتحاق بصفوف جبهة التحرير الوطني في تونس . و فضلا عن مهنته كطبيب كان شولي يكتب في صحيفة المجاهد - بدءا من العدد 2 في صائفة 1956 - فضلا عن تخصيص عددين من دورية “الوعي المغاربي" لإعادة نشر مناشير عبان رمضان ورفاقه (خريف 55 ومطلع 56). و اعتقل الدكتور شولي مرتين كانت الأولى في 7 نوفمبر 1956 رفقة شقيقته آن ماري (السيدة الوانشي لاحقا) بعد العثور على اسمها وعنوانها في كناشة أحد أعضاء الوفد الخارجي لجبهة التحرير الذي أسر في حادثة القرصنة الجوية الشهيرة و الثانية يوم نقل عبان إلى مشارف البليدة - في 27 / 2 / 57 - ما جعل زوجته كلودين تتولى المهمة بدله وقد حبس هذه المرة نحو ثلاثة أشهر ليفرج عنه بعد محاكمته، مع طرده إلى فرنسا. والملاحظ أن الدكتور شولي ظل يجمع بين الصحة والإعلام إلى غاية استقلال الجزائر. مثلا غداة تشكيل الحكومة المؤقتة وتعيين امحمد يزيد وزيرا للإعلان كلفه بتأسيس مركز وثائق تابع للوزارة إلى جانب عمله في “المجاهد ومصالح الصحة التي أعيد تنظيمها تحت إشراف الدكتور بن عبيد في ظل الحكومة المؤقتة الثانية. عقب ذلك شارك بيار شولي في لجنة مضيقة لإعداد ملفات مفاوضات إيفيان الأولى (20 مايو - 13 يونيو 1961). وكانت مشاركته في ملفات حساسة مثل ملف الصحراء و الأقلية الأوروبية و علاقة الكنيسة بالدولة في الجزائر المستقلة.وعشية وقف القتال وضع الدكتور شولي بصماته - مع عبد القادر معاشو - في إعداد خطاب الرئيس بن خدة الذي ألقاه مساء 18 مارس 1962. وفي أفريل الموالي خلف على رأس وكالة الأنباء الجزائرية مديرها مسعودي زيتوني الذي كان داخل الجزائر بحثا عن مطبعة لصحيفة المجاهد. وشاركت زوجته كلودين من جهتها عقب وقف القتال في تنظيم عودة اللاجئين انطلاقا من مركز الكاف على مقربة من الحدود الجزائريةالتونسية. و قد انتخب في أول مجلس شعبي للعاصمة، كما انتخب نائبا لرئيس المرصد الوطني لحقوق الانسان(1992 1996) ثم عين مكلفا بمهمة من أجل الصحة لدى رئيس الحكومة(1992 1994). و خلال العشرية الحمراء للتسعينات هدد بالموت ، ما اضطره إلى المنفى لأكثر من أربع سنوات. و بعد عودته و رغم أنه تقاعد إلا أنه استمر في تقديم مساهماته على مستوى وزارة الصحة و المجلس الوطني الاقتصادي و الاجتماعي. و استمر الزوجان كل في ميدان تخصصه يساهم بفعالية في بناء الجزائر المستقلة فأصبح بيار المتخصص في الأمراض الصدرية من أهم ركائز المنظومة الصحية في الجزائر بينما عملت كلودين بوزارة الفلاحة أولا ثم المنظومة الجامعية ومعهد علم الاجتماع على وجه الخصوص حيث تخرج على يدها وعمل تحت إشرافها العديد من الطلبة والباحثين لا سيما في قسم علم الاجتماع الريفي. م-م بيار شولي في مذكرات كتبها مع زوجته كلودين بيان اول نوفمبر أنصف الأقلية الاوروبية في الجزائر ذكر بيار شولي في مذكراته التي ألفها مع زوجته كلودين أن بيان فاتح نوفمبر كان منصفا جدا لأقلية المستوطنين الأوروبيين الذي كانوا في الجزائر خلال فترة الاستعمار الفرنسي. و قال السيد شولي «الاختيار الذي تطرحه جبهة التحرير على الأقلية الأوروبية أرضاني تماما.. ومنذ ذلك اليوم اخترت طريق الجزائر المستقلة والتضامن مع الذين رفعوا راية الكفاح».و كان شولي قد بدأ في التعبير عن تضامنه مبكرا بدليل توقيعه في 7 نوفمبر على لائحة نشرت ب»الجزائر الجمهورية» تدعو إلى الحوار لأنه «لا العنف ولا القمع يحل المشكل الجزائرية». و قد أثرت نشأة الدكتور شولي الذي ولد بالعاصمة في 1930 في عائلة كاثوليكية مناضلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة من مجتمع المستوطنين الأوروبيين على توجهه بحيث منحته فرصة الاحتكاك بالواقع الجزائري و اكتشاف الوجه الآخر لنظام الاحتلال الفرنسي بالجزائر. و أشار كاتب المذكرات إلى انه عاش بسبب هذا الاكتشاف وقد بلغ سن الرشد صدمتين منبهتين تمثلت الأولى في صدمة القانون ا لخاص بالجزائر الصادرة في سبتمبر 1947. هذا القانون الذي جعل الطالب بيار «يكتشف اللامساواة السياسية والكذب المؤسساتي المكرس في القانون» كما قال. و الثانية صدمة البؤس الاجتماعي بالأحياء القصديرية في العاصمة. و تحدث الدكتور شولي عن تطوعه في شتاء 49 / 50 لمساعدة البؤساء الجزائريين في حي بيراردي» (بوسبيلة) القصديري بحسين داي ضمن مؤسسة خيرية هي مؤسسة «الخدمة المدنية الدولية» حيث كان من بين طلبة كلية الطب الذين تطوعوا لمساعدة بؤساء هذا الحي. ويعلق الدكتور شولي على هذا الاكتشاف المفاجئ للوجه الآخر من الواقع الاستعماري، وتأثره به قائلا: «لقد أخرجني من جنة المستوطنين الذين كانوا يرون الجزائريين يوميا دون أن يعرفوهم. و بدأ منذ ذلك الحين يدرك أن هذا “البؤس السحيق لا يمكن أن يعالج ببرامج اجتماعية وأعمال تطوعية عابرة. لأنه باختصار ظاهرة طبيعية وليدة نظام الاستغلال الذي لا يمكن تجاوزه بدون تغيير سياسي عميق". هذا الوجه البغيض للظاهرة الاستعمارية جعل الطالب الإنساني “يشعر بالحاجة إلى الالتزام والتحرك لعمل شيء ما" حسب قوله.في مطلع الخمسينيات من القرن الماضي بدأ يحتك فعلا بجماعة من الشباب الجزائري أخذت بيده شيئا فشيئا إلى طريق الالتزام السليم في جزائر ما قبل ثورة التحرير. كانت البداية - في شتاء 51 52 - من خلال لقاءات مفتوحة بين ممثلي تنظيمات شبانية من أعراق وديانات مختلفة وكان الطالب شولي يشارك في تلك اللقاءات عن “الجمعية الكاثوليكية للطلبة"رفقة شباب جزائري ينتمي بدرجات متفاوتة إلى التيارات الوطنية والإصلاحية والشيوعية. سنة 1953 شهدت حدثين أتاحا للطالب الإنساني أن يتجه بتضامنه نحو “القضية الجزائرية" وقضية التحرر الوطني في المغرب العربي عامة. فكان الحدث الأول مبادرة المؤتمر الوطني الجزائري الصادرة عن حركة انتصار الحريات الديموقراطية ويقول في هذا الصدد: “لقد اقتنعت بأرضية المبادرة حتى أنني فكرت في الانضمام إلى حركة الانتصار...غير أن أزمة الحركة حالت دون ذلك".أما الثاني فتمثل في عزل السلطان محمد بن يوسف في 20 أوت 53. فقد شارك الطلبة الوطنيين صيامهم تضامنا مع السلطان المخلوع. مساء فاتح نوفمبر 1954 قابل الدكتور شولي الصحفي محمد العيشاوي - العائد من إيغيلايمولا حيث قام برقن وسحب البيان رقم 1 لجبهة التحرير الوطني - فاستفسره عن حوادث الليلة البارحة. فقال له “العمليات جدية، وهي ليست من صنع المصاليين ولا المركزيين".بعد فترة من التردد وانتظار تبين الخيط الأبيض من الأسود في أمر الثورة ومن يقف وراءها اختار بيار شولي الالتزام التام مع الجزائريين وهكذا جذبت دوامة الثورة الدكتور شولي وزوجته كلودينغيو ليقوما عن قناعة بتنفيذ المهام الخطيرة المسندة إليهما أهمها إيواء ونقل العناصر القيادية بدءاً برمضان عبان بما في ذلك تهريبه و نقل مناشير الثورة و معالجة الجرحى من الثوار و تدريب الطلبة المضربين بعد 19 ماي 1956 على التمريض الميداني. محمد.م